فيما يستعد لبنان للدخول في مرحلة سياسية يفترض أن تكون هادئة بعد وقف الحملات الإعلامية بين فريقي رئيسي الجمهورية إميل لحود والحكومة رفيق الحريري والاتفاق على مناقشة كل الملفات العالقة في مجلس الوزراء إبتداء من غد الثلثاء بهدف تفعيله عبر الاحتكام الى الدستور، قفز الوضع الأمني الى الواجهة بعد الاعتداء الصاروخي فجر أمس على مبنى تلفزيون "المستقبل" واذاعة "الشرق" التابعين للحريري في منطقة الروشة. وأدى الاعتداء الى إحداث أضرار مادية كبيرة في المحطة واعتبر الحريري انه يستهدف النيل من الاستقرار في لبنان. وأعلن وزير الداخلية الياس المر عن كشف خيوط عن العملية وانه سيعلم اللبنانيين بما يطمئنهم خلال الساعات المقبلة. وأجمع الوسط السياسي على إدانة الاعتداء معتبراً أنه يندرج في اطار ضرب الاستقرار في لبنان. تعرض مبنى تلفزيون "المستقبل" واذاعة "الشرق" في محلة الروشة في بيروت أمس لاعتداء بإطلاق صاروخين أحدثا أضراراً جسيمة في المبنى واشعلا النيران في أحد استوديواته الذي تفحم بالكامل من دون وقوع ضحايا. فقد انطلق عند الأولى والنصف فجر أمس صاروخان موجهان من عيار 107 ملليمتر من سيارة "ب أم دبليو 735" بيضاء كانت متوقفة قبالة مبنى التلفزيون في الروشة. واخترق الصاروخان سور المبنى الخارجي وأحدثا فجوتين كبيرتين ليدخلا أحد الاستوديوات ويحدثا حريقاً وأضراراً فادحة في المعدات والأجهزة. ونجا المبنى وجميع العاملين في الدوام الليلي من كارثة محتمة بعدما تمكن أحد الموظفين من اخراج أربع قوارير غاز من المبنى المستهدف قبل أن تصل إليها النيران. فيما تمكنت فرق اطفاء بيروت بعد وقت قصير من إخماد الحريق. وحضر الجيش اللبناني والقوى الأمنية وفتح تحقيق في الحادث. وأظهرت التحقيقات الأولية لقوى الأمن الداخلي ان السيارة التي استخدمت في الاعتداء كانت تحمل لوحة مزورة وجهزت بصاروخين أطلقا بواسطة صاعق مربوط بجهاز توقيت كهربائي. ووجدت داخل المبنى حيث وقعت الأضرار رؤوس حربية للصاروخين اللذين سببا اضافة الى حرق الاستوديو اضراراً في اجزاء أخرى من المبنى، إذ أتت النيران على محتويات بعض المكاتب في الطبقة السفلية. وفي المعلومات التي توافرت ل"الحياة" من مصادر عدة ان السيارة مسروقة منذ خمس سنوات ويوجد فيها محضر بلاغ بحث وتحر. وقد ركنها المهاجمون في زاوية فندق "تيرول" المشرف على تقاطع طرق في محلة الروشة بالقرب من السفارة السعودية وموزع لشركة الكهرباء، والمطل مباشرة على المبنى المستهدف. وفي تقديرات لخبراء عسكريين ل"الحياة" ان الوقت الذي وضعت فيه السيارة وعملية اطلاق الصاروخين لا يتجاوز دقائق معدودة وان المسافة بينها وبين المبنى لا تتعدى الثمانية أمتار. وأشارت المعلومات الى أن طريقة التنفيذ تشي بأن المنفذين هم من المحترفين. إذ ركنوا السيارة أولاً في مكان لا تستطيع الكاميرات المثبتة في محيط المبنى والفندق والتي تعمل على مدى 24 ساعة وفي كل الاتجاهات كشف الفاعلين وما يحدث فيه، وهذا ما أظهرته الصور التي بدت كلها ضبابية. وعلم أيضاً ان المنفذين أحدثوا فتحة خلف نمرة السيارة حيث ركزت منصة الاطلاق وان القاذفات معدلة بطريقة متطورة. وبهدف التعمية على التحقيقات، عمل المهاجمون على وضع مواد داخل السيارة تؤدي الى اشتعالها فور إطلاق الصواريخ، وهذا ما حصل، إذ اشتعلت السيارة بالكامل. وكما يبدو ان العملية تهدف الى اطلاق رسائل معينة، فهي لم تؤد الى وقوع ضحايا، إذ لم يكن أحد موجوداً في الاستوديو الذي يقع ضمن استوديو الأخبار يشغله مقدم برنامج المطبخ المعروف "الشيف رمزي". وقد تم الاستماع الى حراس المبنى، إضافة الى عامل الاستعلامات في فندق "تيرول" على سبيل المعلومات. وفور شيوع الخبر بدأ سيل المتصلين والزائرين للاطمئنان الى سلامة العاملين في المبنى وطاقم الاخبار من داخل لبنان وخارجه مستنكرين الاعتداء. وتفقد الرئيس الحريري ترافقه النائبة بهية الحريري وشقيقه شفيق ونواب من كتلته، مبنى التلفزيون واطلع على الأضرار. وبعدما التقى العاملين في مبنى الأخبار مطمئناً الى سلامتهم استنكر الاعتداء مؤكداً "دور المحطة المميز لبنانياً وعربياً" ومتمنياً للعاملين الاستمرار في أداء دورهم الوطني. واعتبر ان الاعتداء يستهدف النيل من الاستقرار في لبنان. وأكد وزير الداخلية الياس المر الذي تفقد المكان ان "يد الأمن فوق الجميع وأن أحداً لن يستطيع أن ينال من منعة لبنان من طريق زعزعة استقراره". وقال: "سنعتقل المجرمين قريباً ولا تهاون في قضايا الأمن وقوى الأمن متأهبة منذ الفجر وتتحرك في كل الاتجاهات للكشف عن فاعلي الجريمة والمحرضين عليها ومموليها". وأضاف: "اننا نتابع الموضوع في أدق تفاصيله وقد ظهرت لنا بعض الخيوط ولنا ثقة كبيرة بالقوى الأمنية. وسنتمكن خلال ساعات من الحصول على ما يطمئن اللبنانيين ويرضيهم". وتوقع أن تكون الجهات التي تعمل كل مرة على تخريب السلم الأهلي والاستقرار في البلد هي التي قامت بهذا العمل، وهم من قاموا بسلسلة تفجيرات سابقة في الماكدونالدز وغيره وهم أنفسهم الذين يقومون بمثل هذه التفجيرات". وقال: "عندما يتعرض تلفزيون المستقبل لحادثة من هذا النوع فالرسالة واضحة ان أي مؤسسة عنوانها الاعتدال في البلد ستكون هدفاً لهذه المجموعات. ونحن دورنا رصد هذه المجموعات والقيام بواجبنا". وقال وزير الإعلام ميشال سماحة الذي كان أول الواصلين الى مبنى التلفزيون فور تبلغه الخبر بعدما عاين مكان الاعتداء والتقى العاملين فيه انه يدين أي اعتداء يطاول الإعلام وأهله. وأضاف: "مؤسف أن يتم التعاطي مع الإعلام بهذه الطريقة. الإدانة وحدها لا تكفي والمطلوب هو الحسم والحزم"، واصفاً ما حصل بأنه "اعتداء على الاستقرار الى جانب الاعتداء على منبر من منابر الكلمة في لبنان". وقال: "هذا لا يرهب الحكومة في العمل الدؤوب على إراحة المواطنين أمناً واستقراراً"، آملاً "الحسم السريع في معرفة من قام بهذا العمل، لأن ذلك له علاقة بما يحيطنا من ضغوط في موضوع الاستقرار ولن نسمح بأن يضرب الاستقرار". واعتبر وزير الثقافة غازي العريضي ان جريمة الإعتداء "تستهدف مستقبل لبنان وضرب مساعي التفاهم للوصول الى الإستقرار في مؤسسات الدولة". واتصل الرئيس السابق الياس الهراوي بالحريري مستنكراً الاعتداء، كذلك الرئيس أمين الجميل الذي اتصل من الأردن بالرئيس الحريري وأعلن تضامنه مع الإعلاميين حفاظاً على حرية الكلمة في لبنان. ورأى وزير البيئة فارس بويز ان الاعتداء على "المستقبل" أكبر من الخلافات الداخلية، معتبراً انه "ربما يكون متعلقاً بالإرهاب الدولي ورسالة موجهة الى علاقة الرئيس الحريري بالمملكة العربية السعودية". ودان وزير النقل نجيب ميقاتي الاعتداء واعتبره جريمة تتجاوز التعرض لمؤسسة اعلامية رائدة الى محاولة ضرب الاستقرار الأمني في البلد ولا سيما العاصمة بيروت. ودان وزير التنمية الإدارية كريم بقرادوني الاعتداء وأكد التمسك بأولوية الأمن والاستقرار، معتبراً ان الاعتداء على تلفزيون "المستقبل" دليل آخر الى ضرورة وجود دولة قوية وجيش قوي يحميان حرية المواطن وسلامته. واعتبر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني ان "هذا العدوان على تلفزيون المستقبل يشكل خطراً جسيماً على الأمن والاستقرار في لبنان"، ورأى "انه اذا تبين للمحققين ان وراء الأمر يداً اجنبية تستغل التجاذبات الداخلية، فهذا امر خطير". واستنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بشدة الاعتداء واصفاً إياه "بالعمل الجبان الذي يستهدف مؤسسة اعلامية عربية رائدة". واستنكر رئيس "حركة التجدد الديموقراطي" النائب نسيب لحود بشدة الاعتداء ورأى فيه "استهدافاً للاستقرار والسلامة العامة والإعلام والحريات الإعلامية في لبنان". وأكد في اتصال بالرئيس الحريري ان "هذه المسلّمات هي من ابرز الركائز التي تحرص عليها حركة التجدد ومن أبرز المقومات التي يعول عليها اللبنانيون لصون وحدتهم الوطنية ونظامهم الديموقراطي ولتفعيل دور لبنان في محيطه العربي". وقال النائب محسن دلول ان من قام بهذا الاعتداء "استفاد من الأجواء السياسية في البلاد". واعتبر النائب محمد عبدالحميد بيضون الاعتداء جريمة كبيرة في حق مؤسسة اعلامية بهذا الحجم والأهمية وقال: "ربما كان القصد منها اثارة الفتن الداخلية وليس مجرد اسكات صوت اعلامي". واعتبر النائب روبير غانم ما حدث "اعتداء على الحريات في لبنان" مطالباً بكشف الجناة. وحذر النائب علي خريس من "عودة الأيادي المشبوهة للعبث بأمن ساحتنا الوطنية واستقرارها". وقال النائب قاسم هاشم ان "ما حصل هو عمل تخريبي يستهدف حال الاستقرار العام في لبنان وزعزعة الوضع الداخلي وهو مرفوض من جانب كل اللبنانيين". واستنكر النائب اميل لحود بشدة الاعتداء، معتبراً ان ما حصل "امر مرفوض" وأكد ثقته "بالأجهزة الأمنية وقدرتها على الاقتصاص من الجناة" معلناً "رفض كل اللبنانيين العودة الى لغة العنف". ودان النائب احمد فتفت الاعتداء وقال ان "ايدي الغدر والخيانة أبت إلا ان تعطل مسيرة الوطن واستقراره عبر تصرفات مجنونة تهدف الى خدمة العدو الصهيوني". واستنكر النائب السابق تمام سلام "اشد الاستنكار الاعتداء الآثم"، مطالباً الدولة باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بكشف الجهة التي تقف وراء "هذا العمل الإجرامي". لقاء تضامني وعقد عدد من الوزراء والنواب والشخصيات الحزبية والإعلامية وممثلون عن وسائل الإعلام لقاء تضامنياً في نقابة الصحافة استنكاراً لما تعرض له تلفزيون "المستقبل" حضره الوزير سماحة، اضافة الى وزير الاقتصاد مروان حمادة ونواب الى جانب نقيبي الصحافة محمد البعلبكي والمحررين ملحم كرم. ودعا نقيب المحررين ملحم كرم الى الإسراع في الكشف عن المعتدين "لأن التطويل في ذلك تطويل ليد الإجرام"، مطالباً بإنزال اشد العقوبات في حقهم "اياً كانت دوافعهم وأهدافهم، لأن الاعتداء على وسائل الإعلام اعتداء على الحريات"، معلناً عن اجتماع للجنة الحريات لدرس التحرك في ضوء هذا اللقاء، واعتبر ان الذين قاموا بهذا العمل ليسوا لبنانيين بل هم اعداء لبنان. واعتبر ان الذين قاموا بهذا العمل ليسوا لبنانيين بل هم اعداء لبنان. واعتبر النقيب البعلبكي ان الحادث اعتداء على حرية الإعلام. وتلقى القيمون على التلفزيون ومنهم رئيس مجلس الإدارة نديم المنلا والمدير التنفيذي علي جابر سيلاً من الاتصالات استنكاراً للحادثة التي دانتها ايضاً سلسلة بيانات لأحزاب وجمعيات وشخصيات سياسية واجتماعية ونقابية ورياضية. ومن ابرز المتصلين بهم وبالرئيس الحريري ايضاً النائب ميشال المر والناطقة باسم الخارجية السورية بثينة شعبان من واشنطن والرئيس سليم الحص والنائب وليد جنبلاط ورئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية في لبنان العميد الركن رستم غزالة والسيد محمد حسين فضل الله والنائب محمد رعد حزب الله والسيدة ستريدا جعجع. وقال المشرف على قسم الأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون "المستقبل" وإذاعة الشرق هاني حمود ان "ايدي الجبن التي لا تجرؤ على ان تمس بهدفها الحقيقي تستهدف الإعلاميين"، واعتبر ان "الاعتداء هو محاولة لهذا الاستقرار ونحن على عتبة موسم الصيف". واتصل النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة مطمئناً الى العاملين في التلفزيون ومستنكراً الاعتداء.