ما أثير في موضوع "فتاوى الجهاد" في الحرب على العراق: وقفة للمساءلة"، المنشور في "الحياة" في 22/4/2003، يثير الاهتمام، لأنه يقف عند حدود ثورية، إلا انها تعمل في شكل ارتدادي ليجد الإنسان نفسه أمام طرح جديد يصدم الكثيرين قبل أن يعيدهم الى واقع سيئ مثاله الأبرز الاستبداد والطغيان... وهنا يخلص الإنسان أمام هذا الطرح الى ملاحظات أساسية وسريعة، منها: ان الحديث تركز في مجمله على دور المفتي والفتاوى، إلا أنه أغفل عاملاً مهماً إن لم نقل أساسياً يتمثل بدور العامل الجهادي المسلح في فلسطين، الذي أعاد الى مفهوم الجهاد وممارسته في شكل عملي حضوراً قوياً تجاوز حدود الكثيرين من المفتين. ولعل الوضع الفلسطيني يكون مثالاً واقعياً على ذلك، خصوصاً في السنوات العجاف من تطبيق اتفاقية أوسلو وما رافقها من قتل وتنكيل بالمجاهدين على أيدي سلطة جاءت ضمن اتفاقية مع عدو حاربته في فترة من الفترات. وهنا استطاعت الحركة الإسلامية أن تستوعب هذه الضربات، وتلتف عليها لتوجه سهامها الى صدر عدو خارجي أكبر وأقوى ومدجج بأحدث تقنيات الأسلحة، وهذا ما يُشهد له لهذا التيار الجهادي. وقد استطاعت هذه الحركة الإسلامية في فلسطين بصبرها على أذى الداخل ان تراكم جرائم الاحتلال وظلم ذوي القربى لتتفجر بعدها انتفاضة شعبية وحَّدت الشعب الفلسطيني كله ضد عدو خارجي في انتفاضة تآمر ويتآمر عليها الكثيرون. ثم ان الجهاد بمعناه الواسع والمتضمن تعريف القتال يعني في أحد معانيه مهاجمة العدو وقتاله، ومن ثم فإن عامل الشهادة بالأمرين موجود. وعلى هذا فإن عامل التهلكة ليس موجوداً في هذا الأمر الذي طرح مع عدم الاختلاف على أن بعض الفتاوى التي طرحت وما زال بعضها يُطرح كانت توظيفاً دينياً لخدمة السياسي. كما أن الكثير من الأمثلة التي اعتبرها الكاتب سلبية، يمكن الرد عليها في شكل مغاير لما طرحه، لأن هذا الأمر خلطاً بين الفتوى كحكم شرعي وتنفيذ هذه الفتوى ضمن الظروف والمعطيات الواقعية المختلفة، وهذا ما قاله الكاتب: "إن المجاهدين هؤلاء يفتقر معظمهم الى التدريب والإعداد والوسائل، فضلاً عن فقدان التنظيم وأمن الدخول وأمن العودة... ما يجعلهم يلقون بأنفسهم الى التهلكة"... وهنا وقع الكاتب في خلط آخر ما بين مفهوم الاستشهاد ومفهوم القاء النفس في التهلكة، فهو لم يميز بين انسان ذاهب الى الشهادة وآخر يُلقي بنفسه في التهلكة، وشتان ما بين المفهومين. وتأسيساً على ما سبق فإن بعض ما طرح في حاجة الى وقفة مساءلة. * كاتب فلسطيني مقيم في بيروت.