فشلت كل مساعي الملك الحسين مع قادة الدول الغربية والعربية، خصوصاً مع صدام حسين من جهة وجورج بوش مارغريت ثاتشر من جهة اخرى، ولم يعد امام الاردن سوى مواجهة قدره بعد ان اصبحت الحرب حتمية. وفي هذه الحلقة تتحدث الملكة نور عن الاحتقان الشعبي العربي وكيف استعدت العائلة المالكة الاردنية للتعامل مع تداعيات المواجهة. مع انتهاء المهلة التي حددت لانسحاب العراق من الكويت في 15 كانون الثاني يناير، تصاعد التوتر في الأردن بشكل استثنائي. وبعدما تحدثت وسائل الاعلام الاميركية عن أهمية أن يكون الجو صحواً لشن أي هجوم من جانب "التحالف"، أصبح الطقس مصدر جدل ونقاش متواصل. وكنا، الملك وأنا، نتابع الاخبار من دون توقف، فيما توترت اعصاب الجميع أكثر فأكثر. وتزايدت التظاهرات الغاضبة المناهضة للحرب في عدد من العواصم العالمية، وذكرتني بالاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام عندما كنت طالبة. وشعرت كما لو أن الماضي الذي عشته يتكرر. دوّنت في يومياتي "يبدو الأمر سريالياً الى حد كبير. آمل بأن ما سيحدث سيكون نحو الأفضل. ليكن واضحاً بشكل قاطع ان الحرب ليست حلاً للمشاكل الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية". تلقينا دعماً كبيراً من اصدقائنا عبر المكالمات والرسائل. وكان افراد عائلتي يشعرون بقلق بالغ، بطبيعة الحال، واتصلوا هاتفياً من الولاياتالمتحدة، كما فعل ذلك ايضاً اصدقاء قدامى من ايام الدراسة في اميركا وانكلترا، وزعماء من ارجاء العالم. كان هناك دوماً شخص ما، كما يبدو، على الهاتف، لكن لم يكن بينهم ابداً جورج بوش او صدام حسين. في 17 كانون الثاني يناير، كما علمنا في وقت لاحق، اتصل بوش هاتفياً بالملك فهد والرئيس مبارك ليبلغهما بأن الحرب الجوية على وشك أن تبدأ، واتصل جيمس بيكر بالسوفيات. وعلمنا من "سي إن إن" ان الحرب بدأت، وجلسنا امام شاشة التلفزيون ونحن مصدومان، نشاهد بداية القصف الجوي على بغداد، كان الملك يعي بحس مرهف النتائج المحتملة للهجوم وفورة الغضب التي سيطلقها. فالانقسامات بين البلدان العربية ستتفاقم، وسيسلط المتطرفون ضغوطاً هائلة بتصوير حكوماتهم عميلة للغرب. كما ستكون النتائج الاقتصادية بالغة الخطورة، خصوصاً بالنسبة الى البلدان الفقيرة. وستبلغ مشاعر العداء لأميركا في شوارع الأردن وفي أرجاء المنطقة ذروتها، يؤججها أولئك الذين يحاولون ان يعرضوا قصف بغداد بتعابير دينية بوصفه هجوماً يشنه المسيحيون واليهود ضد الاسلام. وادرك زوجي وجود احتمال قوي لخروج هذه القوى عن السيطرة، وكان يحس بالقنوط لعجزه عن القيام بشيء للحؤول دون ذلك. هاتفتني شقيقتي عندما سمعت الانباء، وطلبت منها ان تأخذ حمزة وهاشم وايمان وراية الى لندن كي يكملوا عطلتهم. وكانوا ساخطين لابقائهم بعيدين عن عمان، وبدأوا يتصلون هاتفياً ويكتبون لإستعطافنا حتى نسمح لهم بالعودة، لكننا قاومنا توسلاتهم. كانوا يحظون برعاية ممتازة. وعلمت في وقت لاحق أنهم كانوا يحاولون ان يتسللوا من الفراش في الليل كي يشاهدوا "سي إن إن"، لان شقيقتي وأمي كانتا تعتقدان بان مشاهد قصف بغداد ستزعجهم كثيراً وقررتا منعهم من مشاهدة التلفزيون. كنت ممتنة جداً لعائلتي لتجاوبها السريع وتفهمها لاحتياجات اولادي. كان أكبر أبناء الحسين، عبدالله وفيصل، وابن شقيقه طلال، ضباطاً في الجيش الذي اُستدعي للخدمة الفعلية خلال الازمة. وعندما سأل رئيس اركان الجيش زوجي ماذا يريد ان يفعل بشأن افراد العائلة المالكة: "لا شيء اطلاقاً. سيلتحقون بوحداتهم ويُعاملون مثل اي ضابط آخر. اذا كان اي ضابط اردني سيتعرض للأذى فينبغي ان يكون هذا ايضاً حال عائلة الملك". لم يكن هذا موقفاً استثنائياً. فأفراد العائلة المالكة جميعهم، رجالاً ونساءً، تربوا على خدمة البلاد، وكان الشبان سيشعرون بالعار اذا عزلوا عن الاخرين بأي شكل. انتاب الأجانب في عمان احساس متزايد بأنهم مهددون. وأمضيت جزءاً من اليوم الثاني للحرب في المستشفى لزيارة الصحافي الايطالي إريك ساليرنو الذي تعرض للضرب على أيدي مجموعة من الاردنيين. وكانت هذه حادثة استثنائية، فعلى رغم التوترات تمكن مئات الصحافيين من التجول بحرية، ونادراً ما كانوا يواجهون أي موقف عدائي. ومع ذلك، شعرت بالقلق، فتوجهت من المستشفى مباشرة الى فندق انتركونتيننتال حيث يمكث كثير من الصحافيين، للتعرف على احتياجاتهم الأمنية والتأكد بأنهم يلقون معاملة جيدة. واتخذ أردنيون من اصول أجنبية احتياطاتهم الخاصة. وقيّدت ماجدة، زوجة الامير رعد، التي ولدت في السويد، تحركاتها خارج منزلها لفترة من الوقت، كما فعلت ذلك زوجات ديبلوماسيين اجانب، وغادر كثير منهن في النهاية. ولمست ليسا سيغوفيا، مدبرة منزلنا الالمانية التي عاشت في عمان سنوات كثيرة، على نحو مؤلم التحول في المواقف تجاه الاجانب خلال تعاملها اليومي مع اصحاب المتاجر والباعة في السوق. ومع ذلك، كانت تشعر بأمان وارتياح في الاردن، واختارت ان تبقى حتى انتهاء الأزمة. ومثلما كان زوجي يتنقل طوال الوقت من مكتبه في الديوان الى مخيمات اللاجئين، والى كل وحدات الجيش حيث كان يحرص على ان يحيي ويشجع كل جندي، كنت أنا أيضاً في حركة دائمة. وتم الكشف عن وقوع اصابة بالكوليرا في احد مخيماتنا، وأصبحت الحاجة ماسة الى مزيد من البطانيات والملابس التي تقي من البرد بعد حلول فصل الشتاء، لذا كرّست نفسي لهذه المهمات. ومع انقضاء كل يوم، كان الشعور العام في الاردن يزداد تأييداً لصدام حسين الذي اصبح بين ليلة وضحاها بطل العرب عندما اطلق أول صواريخ سكاد على اسرائيل في 17 كانون الثاني يناير. وبعد ذلك بيومين، كاد المزاج في الشوارع يتحول الى ابتهاج عظيم عندما أصاب ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ سكاد عراقية تل ابيب، خصوصاً لأن ذلك جاء إثر تقارير اميركية تؤكد القضاء على تأثير صدام حسين الى حد كبير. وغذّت مثل هذه التقديرات المبالغ بها من جانب التحالف اسطورة صدام حسين الذي لا يُقهر. تمسكت بعناد بالأمل في انه سيتضح للجميع بأن الحرب ليست حلاً بل هي عامل تشديد للمعاناة. وكانت "الطلعات الناجحة"، كما وصفها البيت الابيض ووزارة الدفاع الاميركية تعني الموت للمدنيين العراقيين الذين كنا نعرفهم او كان اشخاص قريبون منا يعرفونهم. كان هؤلاء الابرياء جيراننا. وأدى اشعال النار في حقول النفط الكويتية في أواخر كانون الثاني إلى نقل الوضع الى مستوى جديد من الجنون. فماذا يمكن ان يُجنى من تدمير عبثي كهذا؟ كادت عينا زوجي تدمعان امام هذا المشهد، فقد تحدث بانفعال قبل ذلك عن الكارثة البيئية التي يمكن ان تنجم عن الحرب. عاد الأولاد الى عمّان من لندن في نهاية عطلتهم السنوية ليبدأوا فصلاً دراسياً جديداً. وكانوا مبتهجين لعودتهم مثلما سررنا لوجودهم معنا، ولو ان الخطر لم يتراجع. فصواريخ سكاد لا تزال تطير، وكان اصدقاؤهم في المدرسة شاهدوها من أسطح منازلهم في الليل. وأصبحت الدروس تتضمن تعلم التمييز بين صفارات الانذار الخاصة بالحريق وتلك التي تحذر من الغارات الجوية، والخطوات الاجرائية المناسبة التي ينبغي اتباعها: اغلاق النوافذ عند نشوب حريق لقطع امداد الاوكسجين، وفتحها عند وقوع غارات جوية للتقليل من تحطم الزجاج. وفي حال وقوع غارة جوية اثناء عودة الاطفال الى المنزل من المدرسة، تلقوا تعليمات بأن يقفزوا من السيارة ويبتعدوا عنها الى ابعد ما يمكن لأن السيارات كانت أهدافاً سهلة. ومع استمرارالحرب الجوية، أثار كل صاروخ سكاد عراقي يُطلق على اسرائيل او السعودية مخاوف في الاردن من ان تحتوي الرؤوس الحربية على اسلحة كيماوية او بيولوجية. ولجأ بعض الاشخاص الى تعليق ورق عبّاد الشمس في منازلهم لمعرفة ما اذا كانت هناك عناصر كيماوية في الهواء، وأحكم آخرون إغلاق نوافذهم بالورق اللاصق. وتزايد الطلب على الاقنعة الواقية من الغاز. وعلمت ان الذعر انتاب سكان تل ابيب لدرجة ان عائلات كثيرة انتقلت الى القدس، مفترضين ان صدام حسين لن يجازف بالحاق الأذى بالمسجد الاقصى وغيره من مقدسات المسلمين هناك. كنا معرضين للخطر بشكل خاص في قصر الندوة، فقد كان قريباً من المطار الذي توقعنا ان يكون هدفاً محتملاً اذا تصاعدت العمليات الحربية. وحثّنا جهاز الامن على الانتقال من المكان، لكن الملك وانا قررنا ان نبقى في منزلنا كما هي حال بقية الأردنيين الذين بقوا في منازلهم. كان الهم الأكبر للحسين هو سلامة البلاد. فطائرات التحالف كانت تستهدف الطرق المؤدية الى الاردن، وتعرضت الشاحنات التي تنقل النفط بشكل شرعي تماماً للقصف. وكان نظام التقنين مطبقاً بالفعل بسبب قرار السعودية قطع إمدادات النفط. كان يُسمح للسيارات التي تحمل لوحات ارقام زوجية وفردية ان تسير بالتناوب بين يوم وآخر، ومع ذلك اصبح فقدان الوقود أزمة عامة. وتناثر على امتداد الطريق الدولي بين بغدادوعمان حطام سيارات مدنية وشاحنات وباصات تعرضت لهجمات متواصلة من طائرات التحالف، وارتفع معها عدد القتلى الاردنيين. شعر الملك بأنه لا يمكن ان يبقى ساكتاً في ضوء التدمير المتواصل للعراق الجار وآثاره على الاردنيين. وكان المزاج في الشوارع قد وصل إلى حد الغليان بسبب التدمير المستمر لبغداد. وكان الناس على وشك ان يأخذوا الامور بأيديهم. فتعيّن عليه ان يرد، وفعل ذلك في 6 شباط فبراير بعدما أدى قصف طائرات التحالف لشاحنات نفط اردنية على طريق بغداد - عمّان الدولي الى مقتل أربعة عشر مدنياً واصابة 26 آخرين بجروح. وفي خطاب وجهه إلى الشعب الاردني دان الملك هجوم التحالف ضد العراق وجدد تأكيد التزامه بالحل الديبلوماسي للأزمة. وتكلم بحرارة عن الشعب العراقي واجباره على العيش بطريقة بدائية. وأعلن تضامنه مع شعبي العراقوالأردن، متسائلاً: "أي أصوات ستفوز في النهاية؟ أصوات العقل والسلام والعدالة ام اصوات الحرب والكره والجنون؟". كان للخطاب وقع فوري وايجابي على الاردنيين، إذ رفع معنوياتهم وخفف من احساسهم بالاحباط والغضب. كان هناك ما يشبه تنفس الصعداء المسموع في ارجاء البلاد، إذ شعر المواطنون بالإرتياح حيث أن زعيمهم يشاطرهم الهواجس والمخاوف ويتفهمها. وتعززت مكانة زوجي في الاردن. ولم تكد تمضي ساعات على إلقاء هذه الخطبة حتى تدفقت المكالمات ورسائل الفاكس من مراسلين اميركيين واعضاء في الكونغرس، وحتى من بعض اصدقائي، يطالبون بمعرفة السبب الذي دفع زوجي الى ان يلقي بثقله وراء صدام حسين. كنت ارد قدر استطاعتي، موضحة ان تعاطف الملك هو مع شعب العراق وليس مع النظام. وبعد يومين على خطاب الحسين شاهدنا تقارير اخبارية على "سي إن إن" بأن الكونغرس يدرس تأجيل تمويل حزمة مساعدات للأردن. نهض زوجي من مقعده واغلق التلفزيون، وتنهد قائلاً: "الخناق يشتد". فعلت كل ما في وسعي لرفع معنوياته، وطمأنته مراراً الى انه حتى عندما يبدو ان كل شيء كافح من أجله مهدد بالخطر، فإنه لا يزال منارة مضيئة لكثيرين في المنطقة. قد يختلف معه بعضهم، وهذا متوقع. لكنه يمتاز بصوت صادق وثابت يدعو الى الوحدة والانسانية وليس إلى الاستقطاب، وإلى المستقبل وليس إلى الحاضر فحسب. إزداد الأمر سوءاً. ولقي خطابه، الذي رفع معنويات الاردنيين، تغطية سيئة في الصحافة الأجنبية. وفي اسرائيل، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" ان حياة زوجي كانت في خطر من شعبه بالذات قبل ان يلقي خطابه، وانه لو لم يسترض القوى الموالية لصدام في الاردن فإنه كان "لن يخسر عرشه فحسب بل رأسه". ونشرت صحيفة "سباي" تقريراً مسيئاً لي يدعي امتلاك "معلومات موثوقة عن ملكة الاردن الاميركية بالكامل - زوجة الملك الحسين - خلال العد التنازلي قبل الحرب والمنفى". وحتى صحيفة "واشنطن بوست" جانبت الحقيقة. في الشهر الثاني من النزاع، افادت الصحيفة - وتناقلت مطبوعات اخرى في ارجاء العالم روايتها - انني كنت زرت بالم بيتش في فلوريدا في خضم الازمة واشتريت مزرعة مساحتها سبعة هكتارات بل واُرفقت المقال بصورة كي نقيم فيها عندما نهرب من الاردن. وتحدثت تقارير اخرى عن قيامنا بتجديد منزل في فيينا بطراز فخم ليكون المنفى المرتقب. واجمعت كل هذه التقارير على ان الاردن انتهى. في الحقيقة لم يكن هناك منزل جديد في انتظارنا. لم تكن لدينا أي خطة طوارئ اطلاقاً، ولم نكن قطعاً على وشك ان نرحل الى المنفى. وسعى محامون مختصون بقضايا القذف والتشهير في اميركا وانكلترا الى إجبار هذه المطبوعات على سحب هذه القصص الخاطئة تماماً. لم نلاحق كل مطبوعة، لكن كانت هناك بعض الاتهامات التي لا يمكن السماح بأن تبقى قائمة. تواصل التشهير بلا هوادة، مع اتهامات بأن سفننا تنتهك العقوبات ضد العراق، واننا نسمح للعراق بان يستخدم مجالنا الجوي لإطلاق صواريخ، في الوقت الذي كانت صواريخ سكاد تحلق عبر الجزء الاعلى من الغلاف الجوي ولم تكن لدينا حتى القدرة على اعتراضها. دوّنت في يومياتي "هناك نيران كثيرة يتعين اطفاؤها. اشعر بالقنوط لاكتئاب الحسين. اصبح من الصعب أكثر فأكثر ان يرى المرء الضوء في نهاية النفق". انتهت الحرب بعد ستة اسابيع من اندلاعها، مخلّفة وراءها الكويت تحترق والعراق في خراب. دمّرت الصواريخ والقنابل الاميركية محطات الطاقة الكهربائية وقطعت خطوط الهاتف وحطمت الجسور والطرق الرئيسية، بالإضافة الى المصانع والسدود ومنشآت الصرف الصحي والمستشفيات والمدارس. ولا أحد يعرف كم قتل من المدنيين، لكن حصيلة الضحايا تشمل بالتأكيد مئات النساء والاطفال في ملجأ العامرية في 13 شباط فبراير. واُلقي على العراق حوالي 88500 طن من القنابل، ما يعادل سبع قنابل ذرية ونصف قنبلة من حجم القنبلة التي اُلقيت على هيروشيما. عموماً، اُعيد العراق الى وضع ما قبل عصر الصناعة، كما تنبأ زوجي في خطابه في شباط. وباستثناء الكويتوالعراق لم يعانِ أي بلد من أزمة الخليج أكثر من الاردن. فبسبب الموقف المحايد الذي اتخذه زوجي في الحرب، قطع بعض الدول الخليجية كل المساعدات الاقتصادية. وبسبب العقوبات المستمرة التي فرضتها الاممالمتحدة على العراق، تكبد الاردن خسارة جسيمة بلغت 3 بلايين دولار من عائدات التجارة مع أكبر شركائنا التجاريين، العراق. وتوقفت السياحة كلياً وهي تشكل مصدراً اساسياً للعائدات، كما هي الحال ايضاً بالنسبة الى الاستثمار الأجنبي. وفي الوقت نفسه، تزايدت مسؤولياتنا بشكل هائل. فقد جاء الى الاردن اكثر من 400 ألف مغترب، يُعرفون رسمياً ب"العائدين"، بعد طردهم من الكويت والسعودية. كانت عائلتنا محظوظة لأن إحدى هذه العائلات من الكويت كانت عائلة آل ياسين، التي تزوجت ابنتهم رانيا الأمير عبدالله، اكبر أبناء زوجي، في 1993. وارتفع عدد سكان الاردن بنسبة 15 في المئة بين عشية وضحاها، مما ألقى أعباء اضافية على خدمات المياه والاسكان، وأضاف ألآلاف من الطلبة الجدد الى مدارسنا. وارتفعت نسبة البطالة الى حوالى 30 في المئة. على صعيد الشارع العربي، كان يُنظر الى الحرب ضد العراق باعتبارها حرباً مناهضة للعرب، أياً كانت الحكومات التي ادعى اعضاء التحالف الغربيون انها حليفة لهم. كانت هناك قناعة مطلقة بين الناس في الشارع العربي في المنطقة، بما فيها الاردن، بأن الحرب كانت تهدف الى اضعاف استقلال العرب وتحجيم قوتهم والحد من سيطرتهم على مواردهم، خصوصاً النفط. ودفع هذا بالبعض الى المضي أبعد في التماهي مع صدام حسين، لكن هذه لم تكن في أي حال ظاهرة عامة في المنطقة. فكثير من العرب إنتقدوا غزو العراق للكويت. لكن كان هناك اجماع على أن معاناة الشعب العراقي لم تكن مبررة اطلاقاً. كانت الكلفة الانسانية للحرب فاجعة. نحن في الإردن كنا قد قطعنا خطوات كبيرة على امتداد العقد السابق، محققين مستويات مرتفعة من مكافحة الامية، والتطعيم ضد الامراض، وأصبحت معدلات وفيات الاطفال تقارب، وفي بعض الاحيان تتفوق على تلك الموجودة في البلدان الاكثر تطوراً. فجأةً جاءت الازمة والحرب لتدفع كل هذا التقدم الى الوراء. فبرامج التلقيح ضد الامراض التي كنا اشتهرنا بها بدأت تتلكأ، ما أدى الى حدوث اصابات بشلل الاطفال في المناطق الأكثر فقراً. وأصبحت مدارسنا، التي كانت تعد نموذجية في المنطقة، مكتظة بشكل متزايد إثر الموجة الجديدة من العائدين، وتعيّن ان نطبق دواماً مدرسياً بوجبتين لاستيعابهم. ومع تزايد الفقر، بدأنا نرى علامات سوء التغذية. وعندما توجهت الى البحر الميت مع زوجي بعد وقت قصير على انتهاء الحرب أتذكر قوله لي: "نحن عند اوطأ نقطة على وجه الارض. ومن هنا لا يمكن إلاّ أن نصعد إلى أعلى". غدا حلقة سادسة.