الاحتفال بمئوية ولادة الكاتب اللبناني كرم ملحم كرم 1903 - 1959 الذي أحيته أمس جامعة سيدة اللويزة في دير القمر الشوف كان مناسبة لإعادة اكتشاف هذا الأديب الذي يُعدّ من الرعيل المؤسس الذي رسّخ الملامح الأولى للرواية والقصة اللبنانيتين. وكان أيضاً من الصحافيين الكبار الذين جاؤوا الصحافة من الأدب وجعلوا فن المقال فناً أدبياً بامتياز. والاحتفال ضم جلسات ثلاثاً: جلسة الافتتاح تحدث فيها رئيس جامعة اللويزة الأب بطرس طربيه، والنائب دوري شمعون والنائب وليد جنبلاط وسواهم. "جلسة الذكريات" شارك فيها: الوزير السابق عصام الخوري، الوزير السابق إدمون رزق، الأديبة إميلي نصرالله وسواهم. أما "جلسة الدراسات" فتحدث فيها: النقاد وليم الخازن، صادق مكي، إلياس ناصيف، إميل كبا، وجيه فانوس، جان كميد، نبيه الجردي. وفي المناسبة أصدرت "دار ألف ليلة وليلة" التي أسسها الأديب الراحل كتاباً ضمّ أربعة أقسام. أولاده يستذكرونه وآخرون، أقوال في كرم ملحم كرم، مقالات له، كتابات بخطه. وعلاوة على المقالات التي كتبها عصام كرم وملحم كرم ضمّ الكتاب مقالات في الأديب الراحل بأقلام كتّاب وشعراء لبنانيين من أمثال: إلياس أبو شبكة، طه حسين، توفيق يوسف عوّاد، لحد خاطر، رشدي المعلوف، علي شلق، سعيد عقل، عبدالله العلايلي، فؤاد افرام البستاني، انطوان غطاس كرم، بطرس البستاني، خليل رامز سركيس، بولس سلامة، رئيف خوري، جورج شامي، شوقي أبي شقرا... من مؤلفات كرم ملحم كرم: أم البنين، صقر قريش، دمعة يزيد، انتقام الخيزران، قهقهة الجزار، أشباح القرية، أطياف من لبنان، المصدور، صرخة الألم، المجنون، لبنى ذات الطيوب... ومما قال فيه توفيق يوسف عواد: "عرفته في أوائل الثلاثينات، في أوائل عهدي بالصحافة والأدب. ومن عرف كرم ملحم كرم لا ينساه. تطالعني منه - وأنا أتذكر - تلك القامة الفارعة المجدولة، وذانك الحاجبان المعقودان على العزم والإقدام، ومشية له في الأرض متينة، مستقيمة، حثيثة، مشدودة دائماً الى حيث يريد. كما تتردد في أذني حتى اليوم راؤه الباريسية. فهي، على لسانه، غين، على بعده عن رقة أصحابها. فقد كان جبلياً قاسياً صلباً، وكان أصحابه يُعابثونه بتلك اللثغة الحلوة، فيهتفون لدى رؤيته مُقبلاً: هذا كغم ملحم كغم! مرحباً كغم! في ذلك الزمان، زمان ساحة البرج، كان الأصحاب - أدباء وصحافيين - يجتمعون صباحاً في "قهوة النجار" على فنجان قهوة، ومساء في "قهوة شقير" على كأس عرق، ما عدا كرم ملحم كرم. لم يكن عند كرم ملحم كرم وقت لغير العمل وراء مكتبه صباح مساء، وأحياناً حتى صياح الديك... لغير الكتابة على تلك القصاصات الضيقة الطويلة التي كنا نقصها من مواعين الورق المعد للجرائد. يملأ القصاصة بعد القصاصة ويُلقِم بها المطبعة. هذه ل"ألف ليلة وليلة". وتلك ل"العاصفة". وهاتيك لكتاب يؤلّفه. ثلاث بطيخات في يد واحدة. يقلِّبها ببراعة فائقة، وبثقة بالنفس تبلغ حدِّ الاعتداد. فإذا سُئِل كيف يُمكنه أن يقوم بكلِّ ذلك، وحده بدون مُعينٍ، صاح: أنا "غَبُّ" مَنَ كتَبْ. والحقُّ، ان كرم ملحم كرم كان من أرباب الكتابة في الحقلين: القصصي والصحافي. وفي كلٍّ من الإسمين اللذين اختارهما لمجلتيه "ألف ليلة وليلة" و"العاصفة" ما فيه الكفاية للدلالة على مزاجه الكتابي. كشهرزاد، في الأولى، من قصة الى قصة، يتناولها غالباً من الحوادث الجارية في البلد، وخصوصاً من الجرائم الغرامية، أميناً في نقل تفاصيلها، وأحياناً في ذكر أشخاصها بأسمائهم - وكانت القصة في تلك الأيام تُعلن عن نفسها بفخر أنها "قصة واقعية". وفي الثانية، كان كرم ملحم كرم عاصفة في وجه الحكام، وصوتاً مدوياً في المطالبة بحقوق الشعب واستقلال البلاد... مع لغة له، هنا وهناك، هي عنوان الجزالة والفخامة، ألفاظها صخور يقطعها من مقلع، وجمَلُها مداميك يرصفها قلاعاً منيعة".