الكتاب: المرافئ القديمة - من دفاتر الصحافة المؤلف: نبيل خوري الناشر: رياض الريس للكتب - بيروت 1998. عندما اختير الزميل نبيل خوري لوظيفة مدير الاذاعة اللبنانية في العهد الشهابي 1961 قيل في حينه انه اول موظف يتم تعيينه حسب الكفاءة لا حسب التصنيف الطائفي والمحسوبية السياسية. ذلك ان غزارة انتاجه الادبي الذي ظهر اثناء عمله في "دار الصياد" أهله لولوج باب الوظيفة من الطريق الواسع بعد الضجّة التي أثارتها قصصه الاولى : "كفر" 1954 و"المصباح الأزرق" 1957 - خمس طبعات و"راقصة على الزجاج" 1958 و"الامبراطورة الحزينة" 1959. وقد تكون رواية "المصباح الأزرق" هي الخطوة الادبية النوعية الاولى التي خطاها نبيل على درب الفن القصصي. فلقد شكّلت سيرة بطلها أعمدة التيارات العاطفية والسياسية التي تهاوت امامها القناعات الفكرية السابقة. وسكب نبيل في صفحات تلك الرواية كل التماثل والتطابق الذي عبّر عنه بطل قصة "دوريان غراي" لاوسكار وايلد. وبين النقاد في حينه من رأى فيها نسخة شرقية لشباب بيروت الحائر مثل شباب باريس في قصة أرنست همنغواي "ستشرق الشمس ايضاً". عندما اختير نبيل خوري لمنصب مدير عام الاذاعة اللبنانية مطلع الستينات، نجح في اعادة تنظيم البرامج وتحديث الاعمال الفنية والمسلسلات الراقية… ولكنه فشل في التأقلم مع اجواء روتين الوظيفة والتقيد بأصول البيروقراطية المتحجرة. ومع ان الدكتور بطرس ديب كان يتمتع بأقصى فضائل الصبر والاحتمال، الا انه في كل يوم كان يضطر لتذكير نبيل بأن مكتبه في وزارة الاعلام هو للدولة وليس للأصدقاء الكثر الذين يستضيفهم مدير الاذاعة الجديد. بعد مرحلة العزوبية والعمل في "دار الصياد" والاذاعة، دخل نبيل في المرحلة الرمادية الثانية التي اختلطت فيها واجبات الزواج بضغوط مهنة البحث عن المتاعب. وفي مجلة "الحوادث" قدم عصارة اختباراته التي توجها باصدار سلسلة قصص هي: "قصة مهرب" بالاشتراك مع سليم اللوزي - 1964 و"حارة النصارى" 3 طبعات. وكما يقبل نبيل خوري على التهام الوجبات الطيبة بنهم ادى الى تبدل شكله من رشاقة الممثل كمال الشناوي الى محطّم ارقام السمنة وأوزان شجر الجميز، كذلك يقبل على التهام ورق الكتابة عندما تهاجمه افكار قصة جديدة ، اي عندما يشعر برغبة جامحة في تفريغ رواية سمع احداثها وتفاصيلها فيقبل على ترديد وقائعها امام الاصدقاء قبل ان ينقلها على الورق. وهو يحتاج "لطبخ" القصة الى مزاج عاطفي ومناخ مريح وسلسلة مقبلات وحوافز بينها: دخان السكاير المتواصل… ونكهة القهوة المعطّرة بطعم الهال. اثناء وجوده في باريس كناشر وكرئيس تحرير مجلة "المستقبل"، اصدر نبيل مجموعة روايات وقصص قصيرة اهمها: "الغربتان" 1992 و"أوراق الشتاء" 1993 و"الرقم الصغير" 1995 و"ليلة القبض على الصحافي" 1997. هذا العامأ اي العام 1998، اكتشف نبيل متعة مراجعة تاريخ الاحداث الساخنة. لذلك قام بجمع مقالاته اليومية او الاسبوعية التي نُشرت في جريدة "النهار" وقدمها للقارئ في كتاب كسجل لآرائه في السياسة والأدب والصحافة. واصدر اول مجموعة تحت عنوان "آخر النهار". ومن الدفاتر العتيقة انتقى باقات من اول مجلة نسائية اصدرها "ياسمين" اضافة الى بعض ما كتبه في مجلتي "الحوادث" و"المستقبل" وصحيفة "النهار"… وصدرت تحت عنوان "المرافئ القديمة". وفي كتاب مؤلف من 400 صفحة سجل نبيل خوري 300 فكرة ممتعة تعتبر كأرشيف متحرك اخرجه من تحت غبار النسيان وربط من خلاله الحاضر بالماضي. وكتاب "المرافئ القديمة" هو حصيلة جهد إعلامي يومي يختلف في مضمونه طبعاً عن النتاج القصصي الذي قدمه نبيل خوري منذ الخمسينات. ولكنه في كل الاحوال يحمل نكهة الأديب وسلاسة الكتابة الظريفة الممتعة، لأن نبيل في كتاباته مثل نبيل في جلساته… طاغي الحضور، مشوق في سرد الأحداث. ولكن مشكلته الكبرى انه يكتب بسرعة في عصر السرعة. وقديماً قال باسترناك: "يجب على الأديب ان يفكر ببطء في عصر السرعة"