صعود المحافظين الجدد في إدارة بوش1. أظهر تطور السياسة الخارجية في ادارة جورج بوش، خصوصاً بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر 2001 الصعود المفاجئ وغير المسبوق للمحافظين الجدد في الإدارة، وسيطرتهم على السياسة الخارجية. المحافظون الجدد هو الاسم الأميركي لمجموعة من الناس اسميهم أنا عصابة اسرائيل، أو الليكوديين في الإدارة. وهم كانوا معروفين منذ مطلع السبعينات، ودخلوا الإدارات المتعاقبة، أو عملوا حولها، إلا أنهم في ادارة جورج بوش أصبحوا يمثلون قوة عددية كبيرة ونفوذاً أوسع على السياسة... وبعض المراقبين يقول ان المحافظين الجدد خطفوا السياسة الخارجية الأميركية، وأنهم يستعملون نفوذهم المتبادل والمشترك لتنفيذ "أجندة" صيغت على مدى سنوات عدة. أفكار المحافظين الجدد سيطرت على السياسة الأميركية بعد ارهاب 11 أيلول، وظهرت في مبدأ بوش لإبقاء الولاياتالمتحدة أقوى بلد عسكري في العالم، ووصف دول معينة بأنها "محور الشر"، والحرب على الارهاب، وتأييد السياسة الاسرائيلية الى درجة الاشتراك في جرائمها، والحرب الإجهاضية أو الاستباقية، وإطاحة صدام حسين، ومحاولة اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح أميركا واسرائيل، وعبر تغيير الأنظمة إذا قامت حاجة الى ذلك، والمحافظة على وجود عسكري أميركي كبير، وتعزيز التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل، وإضعاف الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى. أفكار المحافظين الجدد تؤيد اسرائيل الى درجة انني شخصياً اعتبرهم اسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية من دون ولاء مزدوج، فولاؤهم واحد ولإسرائيل. وقد ساعد بعض المحافظين الجدد الحكومات الاسرائيلية وقدم لها النصح، ودافع عن مصالحها السياسية والاقتصادية في واشنطن، وهم استطاعوا بعد ارهاب 11 أيلول ربط القضية الفلسطينية بالإرهاب العالمي، وجعلوا تجربة الولاياتالمتحدة المعتدى عليها في عقر دارها مماثلة لتجربة اسرائيل التي تحتل وتقتل وتدمر كل يوم. ويتفق المسؤولون الحاليون والسابقون من المحافظين الجدد، مثل جيمس وولزي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق، مع أحد مفكري المحافظين الجدد، وهو ايليوت كوهن، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة، في جامعة جونز هوبكنز، على ان العالم دخل الحرب العالمية الرابعة الحرب الباردة كانت الثالثة. وأوجد ارهاب 11 أيلول تحالفاً بين المحافظين الجدد، وفيهم عدد كبير من اليهود، والصقور التقليديين، واليمين المسيحي، وكبار مستشاري الرئيس، مثل كارل روف. ولكن يجب التأكيد هنا ان المحافظين الجدد ليسوا كلهم يهوداً، وأن اليهود في الإدارة ليسوا كلهم محافظين جدداً. ومثلاً، ريتشارد هاس، مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية، ودانيال كيرتزر، السفير في تل أبيب، معتدلان ويعملان لتسوية فلسطينية - اسرائيلية عادلة. غير ان المحافظين الجدد الكلاسيكيين عملوا من دون كلل لترويج مجموع سياسات تضمنتها وثائق وخطط وبرامج عملوا عليها في السنوات الأخيرة، وأصبحت الآن سياسة ادارة جورج بوش. وهناك مثلاً: - توجيه تخطيط الدفاع الذي كتبه بول وولفوفيتز وليبي لويس لوزير الدفاع في حينه ديك تشيني سنة 1992. والوثيقة تشدد على ضرورة هيمنة عسكرية أميركية طاغية، واستعمال القوة في شكل استباقي أو اجهاضي، ما اعتبر تطرفاً في تلك الأيام. - الدراسة "انفصال كامل" التي أعدها سنة 1996 لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو فريق يهودي أميركي ضم ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث والزوجين ديفيد وميراف وورمزر. ودعت الدراسة الى اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإسقاط صدام حسين وتحييد سورية ومطاردة الفلسطينيين، أو إشغال العرب والمسلمين بشيء أهم منهم. وهذا كله أصبح الآن من ضمن سياسة ادارة بوش. - مشروع القرن الأميركي الجديد الذي أنشئ سنة 1997 بتأييد وولفوفيتز وتشيني ودونالد رامسفيلد وآخرين، وكان هدفه الترويج لأفكار المحافظين الجدد. وأظهرت استراتيجية الأمن القومي التي أعلنها جورج بوش في أيلول من السنة الماضية مدى تغلغل أفكار المحافظين الجدد في التفكير الاستراتيجي للإدارة. وما سبق كله مجرد خدش لسطح عمل عصابة اسرائيل، فأكمل غداً بمؤسسات البحث والفكر التي يخرج منها أنصار اسرائيل الى الإدارة، ثم يعودون اليها، ويخدمون اسرائيل وحدها هنا وهناك. وشعارهم ان اسرائيل الصديق الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مع أن الحقيقة هي أنه قبل الالتزام بإسرائيل، لم يكن للولايات المتحدة أعداء في الشرق الأوسط.