الرئيس بوش رأى الجنود الإسرائيليين يقتلون فلسطينيين برصاص في الرأس، ويطلقون النار على سيارات الإسعاف والمتظاهرين الأجانب، فيما ابو عمار محاط في مكتبه بالدبابات، فقرر ان الرئيس الفلسطيني يستطيع ان يفعل المزيد لمكافحة الإرهاب. وأعود الى السؤال الذي طرحته امس، وهو هل جورج بوش غبي الى هذه الدرجة، أو أنه يتغابى، أو انه اسير العصابة اليمينية في إدارته؟ مرة اخرى لا أجيب بنفسي وإنما أكمل ناقلاً عن نيكولاس ليمان في مجلة "نيويوركر". الخطة التي وضعها سنة 1990 وزير الدفاع ديك تشيني، نائب الرئيس الآن، نصت على ان تبقى الولاياتالمتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وأن تمنع قيام قوة اخرى، من دولة واحدة او مجموعة دول. وتوصلت "نيويورك تايمز" سنة 1992 الى معرفة تفاصيل كافية عن الخطة ونشرت خبراً عنها، إلا ان تشيني وأنصاره انكروا اي علاقة لهم بالموضوع. هنا يبرز اسم زلماي خاليزاد، المبعوث الى افغانستان اليوم، والذي كان انضم الى فريق تشيني سنة 1991، فهو مؤلف كتيب بعنوان "من الأضواء الى القيادة العالمية" يكرر فكرة ان تبقى الولاياتالمتحدة الدولة العظمى الوحيدة، وأن تمنع قيام دولة عظمى اخرى في المستقبل المنظور. يجب ان نسجل هنا ان جورج بوش كان بعيداً عن هذا التفكير وهو يخوض انتخابات الرئاسة ففي اول خطاب رئيسي له عن السياسة الخارجية سنة 1999 طالب بأن يكون الرئيس "واقعياً"، غير ان تشيني وأركان عصابته السابقة في وزارة الدفاع رفضوا مبدأ الواقعية لأنه يعني استحالة ان يسيطر بلد واحد على شؤون العالم. الحادي عشر من ايلول سبتمبر غيّر كل هذا، وظهر بعد ذلك ان الرئيس اصبح ينوي انتهاج سياسة خارجية هجومية، تتجاوز مجرد هدف مكافحة الإرهاب. بكلام آخر حصل تحول في موقف الإدارة عززه تحول شعبي، فبعد ان كان الأميركيون يعارضون وقوع اصابات بين جنودهم، اصبحوا بعد ارهاب 11 ايلول اكثر تقبلاً لفكرة الإصابات مقابل فرض الرؤية الأميركية في السياسة الخارجية. وربما عكست مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس هذا التحول بشكل أفضل أو أوضح، فهي في السنة ألفين كتبت مقالاً في فصلية "فورين افيرز"، أي شؤون دولية، بدأته بالقول ان الولاياتالمتحدة تجد صعوبة متزايدة في تحديد ما هو "مصلحتها القومية". إلا انها بعد 11 ايلول قالت لنيكولاس ليمان ان الهدف الكبير للولايات المتحدة اصبح القضاء على الإرهاب. وهكذا فقد تحولت رايس من واقعية سياسة القوة وتوازن القوى، الى موقف قريب من تشيني ومساعديه. ويفترض ان يصدر مجلس الأمن القومي الذي ترأسه رايس تقريراً سنوياً عنوانه "استراتيجية الأمن القومي"، والأرجح ان يصدر هذا الربيع وأن يتحدث عن دور مهيمن للولايات المتحدة في العالم. هل تعتزم الولاياتالمتحدة من ضمن هذه الهيمنة اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وقلب بعض الأنظمة فيه بالقوة؟ مرة اخرى، اتوكأ على ليمان فهو يقول ان الدليل قبل انتخابات السنة ألفين كان يعتمد على ما اذا كان بول وولفوفيتز او ريتشارد هاس سيعطى مركزاً اعلى في الإدارة الجمهورية القادمة، فالأول من الصقور المعروفين والثاني معتدل، وأزيد من عندي ان وولفوفيتز وكيل لإسرائيل، موجود في الإدارة ليخدم مصالحها قبل كل مصلحة اخرى، وقد كتبت غير مرة انه كان اول من طالب بمهاجمة العراق بعد 11 ايلول، وجاء ليمان الآن ليؤكد هذا الكلام، ويقول بعد مقابلته جماعة تشيني فرداً فرداً ان جورج بوش رفض نصح وولفوفيتز في ايلول الماضي ان يهاجم العراق فوراً. وقرأت في "واشنطن بوست" ان المنظمات اليهودية الأميركية اصبحت تؤيد بوش، وهذا لتشجيعه في سياسته. على كل حال وولفوفيتز اعطي الوظيفة الأعلى بعد فوز بوش، فهو الآن نائب وزير الدفاع، في حين ان هاس مسؤول عن تخطيط السياسة في وزارة الخارجية. هاس اصبح الآن أقرب الى الصقور، ولا يمانع في ضربة وقائية، يبررها بالدفاع عن النفس، والمقصود العراق. إلا انه لا يزال افضل الموجود، وهو يرى ان هناك بديلاً لفكرة الاحتواء هو الدمج، اي ان تقنع الولاياتالمتحدة دولاً اخرى بأفكارها لمعارضة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل. الى من تستمع الإدارة، بالإضافة الى مجموعة تشيني؟ هناك ريتشارد بيرل، وهو من احقر أنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة، وأسوأ من وولفوفيتز، ويرأس الآن مجلساً استشارياً للدفاع ويدعم زعيم المعارضة العراقية احمد الجلبي، كما هناك كنيث بولاك الذي عمل خبيراً في العراق في السنة الأخيرة من إدارة كلينتون، والبروفسور فؤاد عجمي. مثل هذه الأسماء لا تبشر بخير، والدولة العربية التي تقبل مساعدة ادارة بوش ضد العراق، تخوض حرب وولفوفيتز وبيرل لمصلحة اسرائيل. اقول هذا وأنا أريد تغيير النظام في العراق، رحمة بأهله، ولكن عن طريق اهله لا الولاياتالمتحدة التي تريد ان تسيطر على شؤون العالم، وتنيب اسرائيل عنها في السيطرة علينا.