امام رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ايام صعبة، ولن يسهل نظيره الاسرائيلي ارييل شارون أي أمر عليه لخلق المناخ المناسب لتطبيق خطة "خريطة الطريق" السلمية. وحال شارون الاربعاء دون قيام عباس بتفقد بلدة بيت حانون في شمال قطاع غزة، بإعادته قوات الاحتلال الاسرائيلي اليها بعدما كانت انسحبت منها الثلثاء مخلفة وراءها دماراً وحشياً متعمداً واسع النطاق طاول البنية التحتية والمزارع والاشجار، اضافة الى هدم عدد كبير من البيوت. ولهذا شدد عباس في بيان، بعد اضطراره الى الغاء زيارته للبلدة المنكوبة، على "ضرورة ان توقف اسرائيل تصعيدها واجتياحاتها للمناطق الفلسطينية والتي تعمل فقط على تغذية دوامة العنف وتساهم في زرع الكراهية بين الشعبين". ثمة مؤشرات كثيرة وقوية الى ان الحكومة الاسرائيلية مصممة على تجنب قبول خطة "خريطة الطريق"، إلا اذا ادخلت عليها تغييرات من شأنها أن تخل بأي توازن في الخطة بين الالتزامات المطلوب من الطرفين تنفيذها ضمن جداول زمنية واضحة وان تجعلها مخالفة للمرجعيات التي استندت اليها اللجنة الرباعية الدولية في صياغة وثيقة الخطة. والواقع ان اكثر من نصف نواب حزب "ليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون اعتبروا في اجتماع الثلثاء الماضي ان "الخريطة اسوأ من اتفاقات اوسلو وتعرض اسرائيل للخطر" واعلنوا انهم سيشنون حملة، بالاشتراك مع اللوبي البرلماني الاستيطاني، ضد قيام دولة فلسطينية بموجب "خريطة الطريق" التي تقضي بقيام فلسطين الى جانب اسرائيل في حلول العام 2005. ومن المستبعد جداً أن رجلاً مثل شارون يعتبر مشجع الاستيطان وحاميه يمكن ان يوافق على وقف النشاط الاستيطاني اليهودي في الاراضي الفلسطينية أو على قيام دولة فلسطينية ينهي قيامها "الاحتلال الذي بدأ في 1967"، حسب نص "خريطة الطريق". ذلك ان القبول بدولة فلسطينية يتعارض مع "مبادىء" شارون، الذي طالما قال ان الدولة الفلسطينية هي في الضفة الشرقية لنهر الاردن. ولم يوجه شارون انتقاداً جدياً الى وزير السياحة في حكومته الحاخام بنيامين ايلون الذي كرر على مسامع اعضاء في الكونغرس الاميركي ومسيحيين اصوليين مؤيدين لاسرائيل ان الدولة الفلسطينية يجب ان تقام في الاردن. ويبدو الآن ان الرئيس جورج بوش يلح على شارون ليجتمع معه في اقرب وقت في محاولة لاقناعه بطريقة ما بإعلان قبول "الخريطة" لأنه سيكون من الصعب على الجانب الفلسطيني الشروع في تنفيذها أن لم يوافق الطرف الآخر عليها، وان شارون يرد بأن مشاغله تحول دون لقاء بينهما قبل منتصف الشهر المقبل. والسؤال الآن هو هل يستطيع بوش، رئيس اقوى دولة في العالم، والطامح الى ولاية رئاسية ثانية ان يلزم الطرف الاسرائيلي بمشروع ان سلمي قائم الى حد كبير على "رؤيته" ويأخذ مصالح اسرائيل وامنها في الحسبان، أم أن حساباته الانتخابية ستردعه؟ أن السلطة الفلسطينية، والعرب، يجب ان يبحثوا عن جواب موثق لهذا السؤال لئلا يضيعوا وقتهم وجهدهم في الجري نحو حل قد يتبين لهم انه كان مجرد سراب خادع.