بدا أمس ان مشروع القرار الأميركي - البريطاني - الاسباني لرفع العقوبات عن العراق يتقدم مع استبعاد أي احتمال ل"الفيتو"، بمقدار ما تتراجع الآمال بنقل الاحتلال السلطة الى حكومة عراقية. وللمرة الأولى أكد مسؤول بريطاني بوضوح ان قوات "التحالف" لن تسلم السلطة إلا لحكومة تنبثق من انتخابات، معتبراً أن هذه العملية تحتاج الى فترة تمتد الى سنتين. كما شكك في شعبية الهيئة القيادية السباعية التي تضم قادة بارزين في المعارضة، معتبراً أن الهيئة لم تثبت قدرتها على إدارة شؤون العراق راجع ص 2 و3 و4. وللمرة الأولى أيضاً أعطى المسؤول البريطاني الذي يمثل بلاده في العراق، وهو جون ساورز، مؤشراً الى تشجيع "التحالف" ظهور "قيادات جديدة"، وهو أبدى تعاطفاً مع "الذين يقولون لنا: لم تطيحوا النظام السابق لجلب شخصيات عادت من المنفى لتفرض ذاتها". وفي تصريحات الى وكالة "فرانس برس" دعا ساورز الى توسيع المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية شمال العراق، لتتجاوز المحافظاتالعراقية الثلاث التي تتمتع بالحكم الذاتي. ورأى ان الحدود الحالية للمناطق الكردية "رسمها جزافاً صدام" حسين، ويجب توسيعها في اطار الدستور العراقي الجديد. وزاد ان "الرؤية التي تستند الى وجود كيان كردي ضمن عراق موحد، تحظى بتأييد واسع بين العراقيين العرب"، مضيفاً ان قضية رسم حدود مثل هذا الكيان "يجب أن تناقش بحذر كبير، ويجب ألا يكون هناك خط فاصل يبنى على تقسيم جامد". وتزامنت تصريحات ساورز مع مؤتمر صحافي عقده في بغداد انتفاض قنبر المسؤول في "المؤتمر الوطني العراقي"، أكد فيه أن "الأميركيين لا يحق لهم تعطيل تشكيل الحكومة". وصدرت توجيهات أميركية بتسريح موظفي وزارات الإعلام والدفاع والداخلية، والغاء جهاز الاستخبارات العامة. على صعيد آخر، استبعد احتمال استخدام أي من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لحق النقض الفيتو على مشروع القرار الأميركي - البريطاني - الاسباني الذي يرفع العقوبات عن العراق، ويوافق على صلاحيات واسعة لسلطة الاحتلال في العملية السياسية وعلى الموارد الطبيعية للبلد. ودخلت المفاوضات مرحلتها الأخيرة في شأن تعديلات متوقعة من الدول الأخرى الأعضاء في المجلس، فيما سجلت سابقة أمس بتقديم مؤسسة غير حكومية، تعديلات على المشروع، إذ طرح رئيس "مؤسسة المجتمع المنفتح"، البليونير جورج سوروس، مبادرة "مراقبة عائدات العراق" النفطية، لضمان أقصى الشفافية في تحويلها الى الشعب العراقي، ولحماية أميركا من احتمال اتهامها باساءة إدارة القطاع النفطي، أثناء الاحتلال. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان انه يعتزم تعيين ممثله الخاص في العراق "فور تبني القرار". وبقي اسم الممثل الخاص الأكثر ترداداً سيرجيو ديملو برازيلي مفوض شؤون حقوق الانسان. واستبعدت مصادر مطلعة ان تصوّت سورية وحدها ضد مشروع القرار علماً ان معظم الدول المنتخبة ينوي التصويت لمصلحة المشروع، وأن الدول الدائمة العضوية التي كانت عارضت الحرب، فرنسا وروسيا والصين، لن تصوّت سلباً. وكان متوقعاً ان تطرح في جلسة مغلقة لمجلس الأمن مساء أمس تعديلات، وبقي التوجه الأميركي - البريطاني يرجح التصويت اليوم، إلا إذا تبين أن تعديلات طفيفة من شأنها ضمان الاجماع على القرار، تتطلب تأجيلاً ليوم أو اثنين. وفي سياق ردود الفعل على مشروع القرار المنقح، اعتبر بعض الوفود انه "أفضل نسبياً"، بعدما أدخلت "تحسينات" لا سيما لجهة دور الأممالمتحدة، وحذف لغة "التصديق" على صلاحيات سلطة الاحتلال، وكذلك حذف التمديد التلقائي لهذه الصلاحيات، بعد التصديق الأولي عليها لفترة سنة. وذكرت مصادر ان فرنسا ما زالت غير مرتاحة الى العنصر الزمني الوارد في مشروع القرار، والذي ينص على بقاء سلطة الاحتلال الى حين قيام حكومة عراقية. وتابعت أن فرنسا تريد دوراً أوضح وأكبر لمجلس الأمن من خلال العودة إليه في صورة منتظمة. أما موسكو فما زالت منزعجة من نقل برنامج "النفط للغذاء" من سلطة الأممالمتحدة الى سلطة الاحتلال، لما يترتب على ذلك من خسارتها عقوداً ببلايين الدولارات للشركات الروسية. وأفادت مصادر رفيعة المستوى في مجلس الأمن ان مسألة الديون والحصانة منها ما زالت ذات أهمية بالغة، وقال مصدر ان تأجيل تناول الديون العراقية المقدرة بنحو 400 بليون دولار الى عام 2007 قد يؤدي الى "انهاك العراق بعبء باهظ". ولم يستبعد وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف التوصل الى اتفاق في مجلس الأمن على قرار رفع العقوبات، لكنه طالب بتضمين القرار بنداً ينص على تشكيل قوات دولية لحفظ السلام في هذا البلد. وانتقد ايفانوف خلال زيارته كييف الولاياتالمتحدة من دون أن يذكرها بالاسم، وقال: "نرى بوضوح ميلاً الى نظام آحادي في العلاقات الدولية، يقوم على الهيمنة العسكرية والالتفاف على الأممالمتحدة وقراراتها". وأعلن مساعد الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو أمس ان المشاورات في مجلس الأمن "أحرزت تقدماً"، وشدد على أن باريس يهمها "العمل بروح بناءة مع الولاياتالمتحدة". وتوقع مصدر فرنسي مطلع في باريس ان توافق فرنسا وألمانيا وروسيا على مشروع القرار الأميركي المعدل، وقال ان الولاياتالمتحدة ادخلت تعديلات ملحوظة على المشروع. وزاد ان ما كان بدا سيئاً في نص المشروع أزيل، وأن الفقرة المتعلقة بدور الأمين العام للأمم المتحدة أصبحت أفضل بكثير. وأشار الى أن برنامج "النفط للغذاء" سيمدد ستة شهور، متوقعاً التصويت على القرار اليوم أو غداً. واعترضت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على مشروع القرار الأميركي بسبب خلوه من خطط واضحة لحماية حقوق الانسان، ومن لغة محاكمة النظام العراقي السابق.