عدت الى المدرسة. كنت قد تغيبت عنها لمدة طويلة، ابعدني العمل عنها. وكنت اضطررت الى اطالة فترات العمل بعد مرض احمد، اخي البكر. لم يكن لدينا معيل آخر، فوالدي اختفى وأنا في الثالثة من عمري. اصدقائي يقولون انه استشهد، لكنني سمعت جارنا ابو حيدر يقول انه سجين. لم اعد احب الذهاب الى المدرسة كالسابق، اصبحت اخشاها. ففي كل يوم يزداد عدد المقاعد الخالية في فصلي. حسين توفي، سقط من سطح منزله، ولم يستطيعوا علاجه في المستشفى لافتقارهم للمواد اللازمة. هكذا قالت امي. محمد خرج من المدرسة ليعمل. وعلي انتقل مع والدته الى منطقة اخرى، بعد وفاة والده في غارة جوية. اخشى ان يأتي اليوم الذي اجد فيه نفسي وحيداً في المدرسة. اجازة اخرى اجبارية عن المدرسة، وإجازة عن العمل. تقول امي ان لا فائدة ترجى من خروجي طوال النهار. معها حق، فمنذ مدة لم ابع اي شيء. انا ابيع المسابيح والأدعية لزوار الاماكن المقدسة في منطقتنا، ومنذ مدة وعددهم يتقلص، ولا اعرف السبب. اتوا لأخذ اخي احمد، مع كثير من شباب الحي. سألت امي الى اين اخذوه، فاحتضنتني وبكت. صديقي حيدر يقول انهم اخذوهم ليحاربوا الاميركيين. وفي منزل حيدر شاهدت نشرة الاخبار، فنحن لا نملك تلفازاً. شاهدت اناساً يحملون اعلام العراق، ويهتفون له. قال ابو حيدر انهم يتظاهرون ضد الحرب على العراق. سعدت بهذا لكن ليس كثيراً. سعدت، لأن هناك من يشعر بنا، لكنني تساءلت: أين كانوا من قبل؟ معاناتنا لم تبدأ اليوم، او بالأمس. نحن نعاني من قبل ان اولد. قنبلة واحدة ضربت حيّنا وقتلت كل من كان في منزلنا. قتلت حسن وابراهيم وعيسى، وقتلت الصغيرة مريم، قتلتها قبل ان احقق وعدي وأشتري لها الدمية التي كانت تحلم بها. وحدنا، انا وأمي وليلى، نجونا من الغارة. انا كنت ابحث عن عمل، وأمي كانت مع ليلى في المستشفى. اليوم زرت قبر أبي للمرة الاولى. وجدوا جثمانه في مقبرة جماعية. بكيت امام القبر كثيراً. تمنيت اكثر من اي وقت آخر ان يكون ابي حياً، ان يكون معي يحدثني، يقول لي انه يحبني، وان كل ما مررنا به كان كابوساً طويلاً سرعان ما أصحو منه. ويقول لي ان ليلى حية، ولم تمت بالأمس في المستشفى لأنهم لم يجدوا دواء لعلاجها. اشتاق لحيّنا كثيراً. منزل جدي في بغداد جميل فيه كهرباء وتلفاز، لكنني احب حيّنا اكثر. في حيّنا كنت احب الذهاب لمشاهدة التلفاز في منزل حيدر. الآن اصبحت اكره التلفاز وأتمنى ان يحترق. اكرهه لأنهم يعرضون فيه العراقيين وهم يسرقون وينهبون، على حد قولهم. نحن لسنا لصوصاً. لم يعد أخي أحمد بعد... البحرين - أماني عبدالله [email protected]