قدم إلى محكمة أمن الدولة الأردنية أخيراً أحد عشر متهماً بقتل الديبلوماسي الأميركي لورنس فولي، وهم وفق المصادر الرسمية جزء من تنظيم القاعدة في الأردن، وجاء في اللائحة التي اعدتها محكمة امن الدولة الأردنية أن الزرقاوي نجح بمساعدة أنصار له في دخول الأردن تهريباً من العراق والمكوث في عمان أسبوعاً، وجنّد في أثناء ذلك أشخاصاً لتنفيذ عمليات ضد أهداف أميركية وإسرائيلية ومسؤولين في الأمن العام والاستخبارات الأردنية، وقدم دعماً مالياً مقداره 35 ألف دولار لمنفّذي عملية اغتيال فولي. لم يكن أبو مصعب الزرقاوي الذي احتل مساحة كبيرة في كلمة وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام مجلس الأمن باعتباره أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، والذي شغل من قبل ومن بعد الآلة الإعلامية الأميركية والعالمية يبدو لمن يعرفه قبل ذلك سوى شاب متدين عادي لم يكمل تعليمه الثانوي وقادته إلى جماعات التكفير ظروف غير موضوعية. فقد كان أحمد فضيل الخلايلة المشهور بأبو مصعب الزرقاوي مراهقاً شقياً ترك المدرسة، وتورط في مجموعة من الجنح والمشكلات، ثم تحول فجأة نحو التدين، وسافر إلى أفغانستانمرات عدة، ثم شارك في مجموعة إسلامية متطرفة سميت في محكمة أمن الدولة "بيعة الإمام" وتسمي نفسها حركة التوحيد والجهاد، وهي جماعة قريبة من التكفير والهجرة، أو تخلط بين مقولات السلفية والتكفير والجهاد، ويعتبر عصام البرقاوي أبو محمد المقدسي أهم شخص فيها، إذ انه أتم الثانوية أو اقترب منها، وألف كتباً عدة في المنهاج السلفي الجهادي القائم على مبدأ الحاكمية والذي يُكفر بموجبه الحكام وكثير من الناس وربما كلهم. ومن الظواهر التي أمكن معرفتها عن حراك السجون والتطرف أن الجماعات المتطرفة أمكنها في السجن وخارجه اجتذاب مجموعات كبيرة من ذوي السوابق الجنائية تعتبر في مجتمع السجن وطبقاته في أدنى السلّم الاجتماعي والطبقي، وتعامل باحتقار كبير من السجناء وأرباب السوابق. ويبدو أن فكر التطرف والتكفير يقدم لهؤلاء تعويضاً كبيراً عن احتقار الذات واحتقار الآخرين، لأنه يقدم لأصحابه شعوراً بالاستعلاء، ويعتبرهم هم أهل الصواب وما عداهم من الناس في كفر وضلال، بل ويحررهم من الشعور بالذنب تجاه انتهاك حقوق الناس وحرماتهم لأنهم كفار لا حرمة لهم. ولد أحمد فضيل الخلايلة أبو مصعب عام 1966 في مدينة الزرقاء، وترك المدرسة قبل أن يتم تعليمه الثانوي، واتجه وجهة طائشة تتناقض مع طبيعة عائلته المحافظة ووالده الوجيه في أهله، ثم اتجه إلى التدين، وعمل في بلدية الزرقاء قبل أن يسافر إلى أفغانستان عام 1989وبقى فيها حتى عام 1994 ولم يلبث بعد عودته إلى الأردن بقليل حتى اعتقل عام 1995على أساس انتمائه الى جماعة متطرفة في قضية سميت "بيعة الإمام". ويبدو أن الجماعة تبلورت بالفعل في السجن بعد الاعتقال، وكانت قبل ذلك أعمالاً ولقاءات مبعثرة، وحكم على المجموعة بالسجن لفترات طويلة. ويبدو أن أحمد الخلايلة أبو مصعب وعصام أبو محمد المقدسي التقيا في معسكرات التدريب التي كانت تقام على الحدود الباكستانية - الأفغانية، واتفقا على عمل شيء ما في الأردن، ولم تكن لديهما فكرة واضحة عما يريدانه بالفعل. كان عصام مقيماً في الكويت وهو أردني من اصل فلسطيني، وكان ينتمي إلى حركة سلفية تجمع بين منهجي الإخوان المسلمين والسلفية، وقد سافر إلى باكستان وتلقى تدريباً في معسكر على الحدود الباكستانية - الأفغانية، لكنه لم يشارك في القتال الذي كان دائراً بين المجاهدين الأفغان والحكومة الشيوعية في كابل، وقد أصدر كتباً عدة مثل "ملة إبراهيم" تشرح مفهوم الولاء والبراء استناداً إلى الآية القرآنية: "لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برؤاء منكم وما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده". فمبدأ البراء لا يقتصر على عبادة الأصنام كما كان فعل قوم النبي إبراهيم ولكنه يشمل كل أنظمة الحكم التي هي طواغيت تشرّع للناس وتنصّب نفسها آلهة عليهم والأنظمة السياسية والإدارية والتشريعات والمبادئ التي تنظم الحكم والإدارة كالدستور والديموقراطية وغيرها مما ينطبق عليها أنها دين آخر غير الإسلام لا تختلف عن الوثنية. كانت الأنشطة الرئيسة للمجموعة تعبئة وحشداً لمجموعات من الشباب من دون نية لتنفيذ عمل عسكري، ولكن يبدو أن الفكرة الأساسية أن يكونوا مستعدين بالتدريب والتسليح للحظة المناسبة التي لا يعرفون عنها شيئاً. وفي السجن كان أحمد بخبراته السابقة في أفغانستان وفي مرحلة ما قبل التدين وقوة شخصيته وقدرته على المواجهة أكثر تأهيلاً لقيادة الجماعة، واكتساب ثقة الشباب وطاعتهم، فقد كان منطق "القبضاي" هو الأقدر على القيادة والعمل في ظروف السجن ومناسباً أكثر لطبيعة التجمع وأسبقيات الشباب ومؤهلاتهم، فاختير أو فرض نفسه عملياً قائداً للجماعة، وبقي عصام هو الموجه بحكم أنه أكثر علماً بالشريعة الإسلامية التي لا يعرف منها الشباب إلا القليل. وبقيت المجموعة في السجن بين عامي 1995-1999، فسافر بعد خروجه إلى باكستان، ثم انتقل إلى أفغانستان ويبدو أنه كان مقيماً هناك عندما وقعت أحداث 11 أيلول سبتمبر، وتبين أنه كما ذكرت الأخبار أخيراً يقيم في كردستان مع مجموعة إسلامية تسمى "أنصار الإسلام". وعلى رغم أن هذه الفترة الأخيرة هي الأكثر أهمية، فإنها هي الأقل معرفة وخبرة لدى الباحثين والمتابعين، ثم نسب إلى أبو مصعب التخطيط لعملية اغتيال الديبلوماسي الأميركي فولي، وتعتقد الاستخبارات الأميركية أنه ينتمي إلى القاعدة، وأنه على صلة بالنظام العراقي السابق. ربما يصلح موقع المقدسي على الإنترنت المسمى منبر التوحيد والجهاد مصدراً للتعرف على هذه المجموعة ومنهجها في النظر والحكم. ففي مقابلة له مع موقع العصر وصحيفة المرآة الأردنية، وهي آخر ما قدمه المقدسي قبل اعتقاله، يقول إنه ينتمي إلى التيار السلفي الجهادي، وهي تسمية أطلقت على هذا التيار من خارجه ولم يسم نفسه بها، ويجمع هذا التيار بحسب المقدسي بين الدعوة إلى التوحيد والجهاد، أو هو تيار يسعى الى تحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت، ولا يحصر هذا التيار جهاده في بقعة من الأرض من منطلقات قومية بل ميدانه هو الأرض كلها. وأما عن هذا التيار في الأردن فيقول المقدسي إنه بدأ بالظهور بعد عودة كثير من الشباب من أفغانستان التي كانت مجمع التيارات السلفية المجاهدة من شتى بقاع الأرض، ولكن هذا التيار، يقول المقدسي، يفقد المرجعية العلمية، وتعرض أعضاؤه للسجن والهجرة، وتعجل بعض أعضائه في اقتناء السلاح والتخطيط لعمليات وتنفيذ بعضها، وإن كان ما زال على رغم ذلك يجتذب الكثير من الأنصار والمؤيدين. ولا يؤمن الموحدون بالعمل السياسي والتجمع وفق القوانين والأنظمة المتبعة كقانون الأحزاب لأنها "قوانين وضعية تفرض الولاء للحاكم ولدستور الدولة وقوانينها، وهذا في أبجديات دعوة التوحيد ناقض من نواقض الإسلام، إذ من أصول دعوة التوحيد الكفر بهذه القوانين والبراءة من كل من حكم بها"، "ولو أهدي لنا الترخيص بتكوين حزب سياسي ما قبلناه، فهذه الدعوة تجاهر دوماً بالبراءة من هذه القوانين والكفر بها". وبسبب الظروف التي تمر بها الحركة السلفية الجهادية يفضل العمل وفق طابع المدرسة التي تخرج المجاهدين من دون أن يربطهم هيكل تنظيمي يسهل وقوعهم في حبائل "الطواغيت" ومؤامراتهم. ويفضل المقدسي تأجيل الجهاد بالسلاح وعدم الخروج إلى ميادين الجهاد الممكنة مثل أفغانستان والشيشان والبوسنة، وأن يقتصر الخروج لأجل التدرب على السلاح أو الدعوة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم إخلاء ساحات العمل. وعن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يقول المقدسي: "إنه إمام المجاهدين في هذا العصر وأنا للأسف لم أتشرف بمقابلته في يوم من الأيام على رغم أنني كنت شاركت في التدريس في معسكرات القاعدة داخل أفغانستان كما درست في معهدها الشرعي في بيشاور في أوائل تأسيسها، وأما الشيخ أيمن الظواهري فهو أخ فاضل وصديق لي وقد عرفته عن قرب في بيشاور وهو من رؤوس التيار الجهادي السلفي في زماننا ولا شك في أن له فضلاً عظيماً على هذا التيار بكتاباته وجهاده وصموده"، ومن الواضح من كلامه هذا أن معرفته بالقاعدة محدودة، فلم تكن تسمية القاعدة ظهرت، وأنه يخلط بين المؤسسات والجماعات التي كانت موجودة في باكستان. فالمعهد الشرعي لا علاقة له بأسامة بن لادن. والواضح في أمر هذه المجموعة أنها تريد عن وعي أو استدراج أن تكون الجناح الأردني للجماعات المتطرفة في مصر والجزائر والأقطار الأخرى، وتبدو حقيقة أو في الإعلام أنها جزء من الشبكة العالمية لجماعات العنف والتطرف، لكنها تخلط بين الجماعات والأفكار المتطرفة. وسواء كان ذلك حقيقة أو خلطاً في التصور عن هذه الجماعات فإنها تؤكد عن وعي أو بسذاجتها فكرة خطيرة مدمرة لها وللجماعات والمجتمعات العربية والإسلامية، وكان يمكن نفيها أو التخلص منها بسهولة ومن دون تضحية فكرية أو عقائدية، وأوقعت نفسها في مواضع لا مصلحة ظاهرة لها فيها، ولا تقدم لها مكسباً ميدانياً أو دعوياً أو شعبياً، وليست أكثر من عملية انتحارية من دون مقابل. * كاتب أردني.