الحناجر تتوق الى هتاف طال انتظاره: "عاشت كردستان حرة مستقلة". ولكن ليس في الأفق القريب، ولا حتى البعيد، ضوء أخضر "أميركي" يبعد عن العيون وحشة ظلام الغد العراقي. والتصريحات الأميركية تكاد تساوي عدد الصواريخ "الذكية"، ولا تحمل وعوداً تهدهد القلق الكردي في صدد علاقتهم بالمركز العربي العراقي الفيديرالية، حكم ذاتي واسع النطاق، الهوية الكردستانية لكركوك، ماهية الدور الكردي السياسي. "نحن هنا للقضاء على الديكتاتورية"، "هدفنا القضاء على صدام حسين ونظامه"، "سنرحل بعد أن نجعل من الديموقراطية نظاماً لعراق المستقبل"، يقولون. وإمكانات الكرد الذاتية لا تؤهلهم للدخول طرفاً قوياً في لعبة مراكز القوى العراقية. فنسبتهم لا تتجاوز 20 في المئة من عموم الشعب العراقي. ويزيد الطين بلة انقسامهم سياسياً، والى حد ما جغرافياً، كتلتين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كل منهما على استعداد للقبول بالحد الأدنى من "العطايا"، شريطة أن تكفل لها التفوق على الند الكردي الآخر. وليس للقوة العسكرية أهمية تذكر لتكون ميزة يعمل لها الأميركيون حساباً في بحثهم عن توازن قلق يبدد الثقل العراقي. وأياً كانت الهوية السياسية لحكام العراق الجدد فإنه، في ظل هشاشة قيادة كهذه، يبقى العراق معرضاً لأن ينقلب استقراره رأساً على عقب في أية لحظة، فيما يشبه الحال الأفغانية. والمصلحة "القومية" الكردية، في ظل معطيات كهذه، تفضل الضعف العراقي، كدولة، ما يتيح للكرد فضاء أوسع من الحرية القومية، ولعب دور في عراق ما بعد الحرب. وهذا، وإن بدا صحيحاً للوهلة الأولى، يحمل معه معطيين خطرين يوقعان العراق عموماً، والكرد خصوصاً، في متاهة ليس من السهل التكهن بنتائجها: استلاب القرار الوطني العراقي، وفق مصلحتها على نحو لا يأتي موافقاً للهوى الكردي، وتعاظم، الدور الإقليمي لدول الجوار مع تأصل حال اللاإستقرار في العراق. وإذا أخذنا في الاعتبار الحجم الإقليمي لتركيا، بعد الانهيار الدراماتيكي للنظام الحاكم في العراق، نستطيع إدراك مدى الذعر الذي تسببه الفرمانات التركية حين تهب رياحها على شمال العراق لتزيد من تيه الحائرين بين ممنوع تركي، كان يرفض حتى الأمس القريب تسمية الأكراد باسمهم، وحل عراقي لزج يمكن أن يأخذ أي شكل قبل أن تشرق عليه شمس ما لا يحمل الأفق بشائر قدوم قريب لها، ونزق أميركي متقلب بحسب مزاج البورصة في نيويورك. محمد نبو صحافي كردي سوري [email protected]