مواقف الكرد السوريين تتسم بعدم الوضوح والتردد والتضارب إزاء الانتفاضة الشعبية ضد النظام القائم والجماعات المعارضة التي فرزتها الانتفاضة وأبرزها المجلس الوطني السوري. يصل القلق عند بعضهم الى حد الخشية من أن جماعات كردية قد تقف في صف النظام، على رغم أن الكرد كانوا أكثر المكونات السورية تعرضاً للقمع والاضطهاد على يديه. أسباب ذلك متعددة ليس أقلها أن الولاءات السياسية لكرد سورية تتوزع على 13 حزباً. وأحدث مؤشر الى هذا الانقسام ان حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو عملياً الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (التركي) بزعامة عبدالله أوجلان، شن هجوماً على بقية الأحزاب الكردية السورية فور انتهاء مؤتمر عقدته أخيراً في أربيل، وفيه ناشدها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني توحيد صفوفها. في هذا الخصوص، يتساءل ناشطون لماذا يبدو كثيرون ممن يصفون انفسهم بسياسيين كرد سوريين معارضين، غير آبهين بما يجري في بلادهم، مفضلين العيش بأمان في اقليم كردستان بحثاً عن امتيازات وعقارات ومنافع أخرى؟ استدراكاً، ينبغي التذكير بأن الكرد في سورية ظلوا طوال عقود محرومين من الجنسية السورية، إذ أعلنت الحكومة رسمياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 1962 أن الكرد لا يعتبرون مواطنين سوريين لعدم توافر بيانات عن أجدادهم في الاحصاءات وسجلات النفوس العثمانية قبل 1920. وتزامن هذا القرار مع اجراءات لإقامة ما عُرف ب «الحزام العربي» لتطويق القرى الكردية، وأخرى هدفها عملياً تطهيرها عرقياً وتعريبها. ومنذ ذلك الحين استخدمت السلطات في حق الكرد صفات مثل «أجانب» و «مختومين» و «متسللين». عدد الكرد الذين شملهم القرار كان آنذاك 120 ألفاً، ومع مرور الوقت وصل عدد المتضررين من القرار الى 250 ألفاً. في نيسان (ابريل) الماضي أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً يقضي بمنح الكرد الجنسية السورية في ما اعتُبِر نوعاً من الرشوة بغية كسبهم أو تحييدهم في ظل مؤشرات الى نشوب احتجاجات محتملة على صعيد البلاد ضد نظامه. وكانت القامشلي (قامشلو وفق التسمية الكردية) شهدت عام 2004 احتجاجات وتظاهرات تطورت الى ما يشبه الانتفاضة واجهتها السلطات بالقمع، ما أدى الى سقوط مئات القتلى والجرحى. ويعزو بعضهم تردد الكرد في الانضمام الى المعارضة الى أن عرب سورية تخلوا عنهم آنذاك وتركوهم وحدهم في مواجهة ذئاب النظام. نعود الى الوضع السوري الراهن. لعل الكرد يمكنهم ان يغيروا ميزان القوى جذرياً في حال اتخذوا موقفاً موحداً حاسماً لجهة الاصطفاف الى جانب المعارضة، بل لجهة التأثير في موقف أممي أكثر فاعلية من النظام. فوجود جبهة كردية موحدة حاسمة في انضمامها الى الصف المناهض لنظام الأسد يمكن أن يساعد في تغيير الموقف الأممي على صعيد التحرك العملياتي، أخذاً في الاعتبار ان العامل الجغرافي المتمثل في المنطقة الكردية المتجانسة من شأنه خلق قاعدة للمعارضة في تكرار لسيناريو بنغازي الليبية. طبعاً، هناك أطراف كردية سورية حسمت أمرها ويفترض أنها بدأت مفاوضات الجمعة الماضي للانضمام الى المجلس الوطني وفق رئيسه برهان غليون والزعيم الكردي عبدالحميد دروي. يبقى ان الطرف الموالي لحزب العمال الكردستاني يلعب دوراً معرقلاً لتوحيد الموقف الكردي. ويضيف ناشطون أن القيادات السياسية في اقليم كردستان يمكنها ان تساعد ايجاباً في حال حسمت موقفها لجهة دعم المعارضة السورية والمجلس. الأخطر ما يجري على الأرض. ما يحدث هناك أن الكرد قد يجدون أنفسهم، في حال عجزوا عن مواكبة التطورات المتسارعة المحيطة بالوضع السوري، مهمشين لا حول لهم ولا قوة في تحديد المسار السوري، بالتالي مستقبلهم. والحق ان ناشطين كرداً في سورية وإقليم كردستان يعتبرون ان الأمر بات يتخذ مساراً خطيراً يهدد بأبعد من مجرد اختلافات في الرأي وفي التقويم. فهم يحذرون من أن الخطورة تكمن في قيام ما يصفونه بأنه «محور شر» داعم للنظام السوري يضم ايران و «حزب الله» اللبناني وحزب العمال الكردستاني. الى ذلك يضيف هؤلاء أن دولاً في المنطقة، تحديداً العراق والجزائر والسودان ولبنان، تدعم هذا المحور بطريقة غير مباشرة. فوق هذا كله، يفاقم الوضع أن «القاعدة» أعلنت انها ليست بمنأى عن الوضع السوري، وهو إعلان مثير للقلق الشديد ولو كان هدفه مجرد صب مزيد من الوقود على النار. يقودنا ما سلف الى طرح السؤال عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه من قبل كرد العراق وقياداتهم السياسية. المؤشرات حتى الآن هي الى أن الموقف السياسي الكردي عموماً يكاد أن ينسجم مع الموقف العراقي الرسمي الذي يعتبره ناشطون كرد، كما سلف، داعماً ل «محور الشر» بطريقة غير مباشرة، انسجاماً مع الموقف الايراني. يُقال هذا مع اقرار بأن هناك عاملاً ذاتياً للموقف الكردي يتمثل في ما يصفونه بأنه نوع من العرفان بجميل سورية التي كانت ملاذاً آمناً للقيادات الكردية العراقية ولأعداد لا تُحصى من اللاجئين الكرد في عهد صدام حسين. هذا على رغم إدراك أن الموقف السوري ذاك لم يكن نابعاً من ايمان النظام السوري بقيم الديموقراطية ودعم حقوق الكرد وحقوق الانسان، بل كان الى حد كبير موقفاً شخصياً للرئيس الراحل حافظ الأسد، اضافة الى مصلحة نظامه في دعم المعارضة الكردية وجهّات معارضة عراقية أخرى كرهاً بصدام لا حباً بالكرد والمعارضين العراقيين. وأبرز دليل ان دمشق وقتها لم تعترف بالمؤتمر الوطني العراقي الذي كان مدعوماً من أميركا، حتى عندما كان المظلة المعترف بها للجماعات المعارضة العراقية الرئيسة، وكانت الأحزاب الكردية الأكثر فاعلية في صفوفه. بعبارة أخرى، لم يعد هناك اي التزام أخلاقي من جانب القيادات الكردية تجاه نظام بشار الأسد أو تجاهه شخصياً، بالتالي المطلوب حض الأحزاب الكردية السورية في صورة جدية على توحيد مواقفها وحسمها بالانضمام الى المعارضة بطريقة فاعلة تضمن في الوقت ذاته تحقيق طموحاتها القومية في سورية جديدة. وينبغي على الكرد التحرك سريعاً لتوحيد الصف قبل أن يفوتهم القطار، لأنهم اذا حاولوا اللحاق به متأخرين قد لا يجدون لهم مكاناً، ولو في عربات الشحن.