Gore Vidal. Dreaming War: Blood for Oil and Cheney-Bush Junta. حلم الحرب: دماء من أجل النفط وطغمة تشيني-بوش. Clairview, London. 2003. 197 pages. يُعدّ غور فيدال من ابرز النقّاد الأميركيين لسياسة بلاده. وبعض ما يقوله يضاهي، في بعض الأحيان، ما يتجاسر مواطنه نعوم تشومسكي على النطق به، وإن بفارق واحد أو إثنين بالغي الإهمية. اولاً، أن فيدال، وخلافاً لتشومسكي ليس جاف الأسلوب مملاً. فهو أديب روائي، وكاتب مقالة يتميز برشاقة في التعبير وطرافة تكاد أحياناً ان تغوي القارىء وتدفعه الى تبني موقف صاحبها، حتى حينما يكون هذا الموقف على درجة من المبالغة تتناقض مع الحقائق الواضحة، او على مستوى من التبسيط يجافي تعقيدات الواقع. ثانياً، انه، وخلافاً لتشومسكي ايضاً، لا ينتقد السياسة الاميركية من موقع الإنتصار ل"الحقيقة" - وهذه على العموم دلالة حسنة - وإنما حباً ببلاده، صوناً لدستورها، وانتصاراً لمصالح أكثرية الاميركيين. هو في كتابه هذا إنما يتحسّر ويندد بما آلت اليه الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. وعنده فإن الولاياتالمتحدة، بقرارها دخول تلك الحرب، فرطّت بفرصة ان تكون جمهورية محايدة، بل منعزلة، تلتزم سياسة دستورية و تعتمد أساساً على إقتصاد السلام. و عوضاً عن ذلك، فإنها، وخلافاً لرغبة الأكثرية، عمدت الى التدخل في شؤون وحروب الآخرين بما أملى تحويلها الى "دولة أمن قومية" وبما يتوافق مع رجال سياستها وعرابيهم من أصحاب الشركات المتحدة الراغبين إنشاء إمبراطورية، عوضاً عن جمهورية، والإعتماد على إقتصاد الحرب حتى وإن حصل ذلك على حساب مصالح أكثرية الاميركيين وجلّ شعوب الأرض. على ان هذه النظرة الى سياسة الاميركية ليست جديدة على قراء غور فيدال. وكان المؤلف الاميركي قال بها في مناسبات مختلفة، خاصة في كتابه السابق، حيث إعتبر أن هذه السياسة دافع العداء الذي أظهرته منظمة "القاعدة"، بل جلّ بلدان العالم، تجاه الولاياتالمتحدة. أما في كتابه الجديد، فإنه يذهب شوطاً أبعد، فيزعم أن الإدارة الاميركية، او ما يسميها ب"طغمة تشيني-بوش" المدعومة والمنتخبة من قبل الشركات الاميركية المتحدة، وحدها، إنما سهّلت، بل شجعت، وقوع إعتداء الحادي عشر من أيلول سبتمبر. ففي "أسئلة غير مجاب عنها قبل وخلال وبعد 9/11"، وهي المقالة الرئيسية في هذا الكتاب، يعرض فيدال لتقصير وكالتي "الإستخبارات المركزية" و"التحقيق الفيدرالية" في التعامل بجدية كافية مع تهديدات منظمة القاعدة، رغم حصولهما على معلومات تفيد بنية المنظمة المذكورة شن هجوم داخل الإراضي الأميركية. وهو يتطرق أيضاً الى تلكؤ الإدارة الاميركية في التصدي للهجمات الثلاث إبان وقوعها حيث كان ثمة من الوقت، ما بين إختطاف الطائرات الأربع المستخدمة في الإعتداء المتعدد الأهداف، وما بين الهجوم الأول والثاني والثالث، ما يكفي لإتخاذ إجراءات أمنية كفيلة لإحباطها او على الأقل إحباط الهجومين الثاني والثالث. الى ذلك فإنه يشدد على ما يُشاع من أمر العلاقة التي ربطت ما بين "الإستخبارات المركزية" ورئيس الإستخبارات الباكستانية، خاصة في ضوء ما يُنسب لهذا الأخير من علاقة بمحمد عطا، قائد المجموعة التي قامت بالهجوم. غير ان فيدال لا يقرأ هذه المعطيات بإعتبارها دلائل على تقصير أمني وعجز إداري وتورط مع جهات أجنبية مشبوهة العلاقات، وإنما يتخذها براهين على مؤامرة. فالإعتداء المذكور، على ما يُستخلص من كلامه، إنما كان من تدبير الإدارة الأميركية، او على الأقل بعض المتنفذين فيها بقدر ما كان من تدبير محمد عطا وطغمة "الكاميكازي"، التي قادها الى هلاكها وهلاك الآف الأرواح البريئة. وإنما لهذا السبب حرصت إدارة جورج بوش على التهرّب من إجراء تحقيق شامل في الأمر. -ولكن لماذا تريد الإدارة الاميركية، او حتى بعض المتنفذين فيها، التآمر ضد بلادها على هذا الوجه الإجرامي الفاضح؟ -النفط يا عزيزي، النفط! وعلى وجه الخصوص مشروع "شركة نفط كاليفورنيا" لمد خطّ انابيب ما بين تركمستان حتى الصين، مروراً بأفغانستان. وكانت الشركة المذكورة وقعت مع حكومة طالبان إتفاقاً بهذا الصدد. بيد ان طالبان جعلت تتلكأ بما أملى ضرورة الهجوم واحتلال أفغانستان. لهذا فإن فيدال يشكك في ان تكون منظمة القاعدة مسؤولة عما جرى في 11 ايلول. فإتهام القاعدة وابن لادن إنما كان محض ذريعة للنيل من طالبان والإستيلاء على أفغانستان بما يتيح مدّ انبوب النفط المنشود. لكن هذا ليس الدافع الوحيد للمؤامرة المزعومة. فهناك ايضاً السعي الى السيطرة على مصادر النفط الغنية في بلدان وسط آسيا. ينضاف الى ذلك طموح الإدارة الاميركية، القديم الجديد، في ضمّ ما يُسمى ب"اوراسيا"، اي روسيا والشرق الأوسط والصين وبعض الهند، الى مدار سلطانها ونفوذها، خاصة بعدما أصبحت الإمبراطورية الوحيدة في العالم. وفي هذا نجد فيدال، وأسوة بصنوه تشومسكي من قبله، يُصادق تمام المصادقة على مزاعم زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر، حول الطموحات الجيو- سياسية الاميركية، على حد تعبير المستشار السابق من الواضح، اذاً، ان ثمة على الأقل شخصا واحدا، من الإدارة الاميركية، يستحق الثقة العمياء، حتى وإن كان هذا الشخص بريجنسكي نفسه!. الطريف في الأمر ان فيدال ليس بالكاتب الذي يرتاح كثيراً الى "نظرية المؤامرة". وهذا امر طبيعي من رجل يزعم من المعرفة ما يشي بأنه من المحال ان يرى الى السياسة كتدابير تُحاط في الخفاء. كل ما في الأمر ان فيدال يحب بلاده ويمقت، في الوقت نفسه، ابناء نخبتها - او من ينعتهم ب"نسبة الواحد في المئة" من المتحكمين بسياسة وإقتصاد البلاد. وهو لا يوفر سبيلاً الى الإعراب عن مقته، بل إحتقاره، لهذه النسبة، بما فيها تبني "نظرية المؤامرة" التي لا تتمتع، على العموم، برصيد كبير في كتاباته. الأطرف من ذلك، أن فيدال، ولأنه يحب بلاده ويمقت "نسبة الواحد في المئة" منها، إنما يشاطر هذه النسبة أحد ابرز مسلماتها، ومبررات سياساتها وتدابيرها: تفوق الولاياتالمتحدة على بقية العالم. وعنده، كما عند العديد من ابناء بلده، فإن كل ما جرى في العالم منذ دخول الولاياتالمتحدة الحرب وحتى اليوم انما هو مرتبط، بشكل مباشر او غير مباشر، بإرادة بلاده، او على الأقل إرادة زعماء بلاده. فالهجوم الياباني على بيرل هاربر والحرب الباردة وأزمة الصواريخ في كوبا وإعتداء 11 أيلول إنما حدثت جميعاً بتدبير من الإدارة الاميركية. وهو لئن ساق مثل هذا الزعم في سياق التنديد بالسياسة الخارجية الاميركية، ومن خلال الدعوة الى سياسة العزلة، فإنه لا يخفي حقيقة الإطمئنان الى ان إرادة الولاياتالمتحدة لتفوق إرادة النُظم والبلدان الأخرى، من روسيا الستالينية الى كوبا فيديل كاسترو الى فيتنام وصدام وابن لادن والجميع. وشأنه شأن زميله تشومسكي، فإن فيدال يُظهر قدراً من التغاضي عما يفعله الآخرون لا مبرر له سوى حقيقة إستخفافه بهم، حتى وإن بلغت خطورتهم حدّ إلحاق أذى كبير ببلاده ولكن لا! أليس الهجوم على نيويورك هو من تخطيط الإدارة الاميركية؟. وهو لئن دعا الى إتباع سياسة الإنعزال، فليس خوفاً من إثارة حقد الشعوب الأخرى وغضبها، وإنما لأن من الأنفع للولايات المتحدة ان تريح رأسها من شؤوون تلك الشعوب، الكثيرة المتاعب الدائمة الشقاق. ما يجهله فيدال، او على الأرجح، يتجاهله، ان التسليم بتفوق الولاياتالمتحدة لهو دافع الى سياسة التدخل وليس سياسة العزلة. وان مثل هذا التسليم هو الذي حض الزعماء الاميركيين، منذ "الآباء المؤسسين" حتى "طغمة تشيني-بوش" على سياسة تهدف الى إصلاح العالم الفاسد، وفي الوقت نفسه، حماية مصالح وأمن البلاد العظيمة و... المتفوقة!