في إحدى المسرحيات الكوميدية التي شاهدتها في عمّان قبل سنوات، ولم أعد أذكر حتى عنوانها، يطلّ ممثلان على الخشبة يؤدي أحدهما دور فاروق الشرع والآخر دور فارس بويز، وكان الأخير حينذاك وزيراً للخارجية في عهد والد زوجته الرئيس الياس الهراوي. كان المشهد مضحكاً جداً وساخراً في نظر الجمهور الأردني والفلسطيني وراح الجميع يضحكون ويقهقهون وخصوصاً عندما كان وزير الخارجية السوري ينتهر نظيره اللبناني في أحد مؤتمرات السلام ويؤنّبه وكأنّه خادمه أو تابع له. كان هذا المشهد الفكاهيّ جداً أليماً، وأليماً جداً ربّما، في نظر مشاهد لبناني - مثلي - وجد نفسه غير قادر على الضحك وسط جمهور يضحك من شخصية فارس بويز ومن العلاقة "الفريدة" بينه وبين فاروق الشرع. صحيح ان هذا المشهد لم يكن إلا مجرّد "قفشة" كوميديّة، لكن ما يؤلم فيه هو فضحه الفكرة التي يملكها الفنانون العرب وجمهورهم عن "النموذج" السياسي اللبناني، وهي باتت معمّمة عربياً وربّما عالمياً وتسيء كثيراً الى مفهوم الحياة السياسية في لبنان. لا أدري لماذا تذكّرت هذا المشهد الساخر والأليم عندما شاهدت على الشاشة الصغيرة أخيراً وزير الخارجية اللبناني الجديد جان عبيد في اطلالتين له: واحدة مع نظيره السوري فاروق الشرع وأخرى مع نظيره الأميركي كولن باول. كان يكفي تأمل سحنة جان عبيد في الاطلالتين الصحافيتين كي يتمكّن المشاهد من تكوين فكرة ما عن المجريات السياسية التي يحصل بعضها علناً وبعضها الآخر خفية. في المؤتمر الصحافي الأول الذي عقده فاروق الشرع إثر زيارته العاجلة للقصر الجمهوري عشية زيارة باول، بدا الوزير عبيد، وكان يقف الى يسار الشرع، مطمئناً ومرتاحاً وهنيّ البال كتلميذ نال للفور "علامات" عالية في دروسه وسلوكه. أما في المؤتمر الثاني الذي جمع بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره اللبناني فبدا عبيد حائراً ومتجهّماً بعض التجهّم ومرتبكاً ومتعباً. أما كلمته المكتوبة والمحضّرة سلفاً والتي ألقاها بالانكليزية كالطالب النجيب، فكانت أشبه بالخطاب الإنشائي. قد لا يكون مهمّاً البحث عن السبب الذي جعلني أتذكر ذلك المشهد الكوميدي - المؤلم لدى مشاهدتي الوزير عبيد، ما دامت الذاكرة تملك "أحكامها" التي لا تخطئ في معظم الأحيان. أتراها "سحنة" وزير الخارجية اللبناني - أياً يكن وفي أي عهد كان - أضحت واحدة على غرار اللباس الواحد واللون الواحد والرأي الواحد، كأن تختصر "السحنة" وزراء الخارجية على اختلاف مشاربهم وطموحاتهم في موقف واحد يُملى عليهم؟ وما دام الكلام يجري على الأطلالات المشهدية، فإن إطلالة أحد النواب الكويتيين أخيراً في صور صحافية، حاملاً بيده بيضة يتوعّد بها رئيس الحكومة اللبنانية عشية زيارته الكويت، لم تكن أقلّ سخرية وألماً أيضاً من المشهد الأردني المسرحي الساخر. بدت اطلالة النائب الكويتي لقطة كوميدية بذاتها على رغم ما خبّأت عيناه من غضب وحقد ليس على رئيس الحكومة طبعاً، وانما على وزير الخارجية السابق محمود حمّود ومواقفه العروبية والوطنية والقومية. ربما سيكون البيض بدءاً من تلك "اللقطة" مرادفاًَ للشخصية السياسية اللبنانية في تجلّياتها الكاريكاتورية، وسيستعين به الممثلون الكويتيون وسواهم في أعمالهم الكوميدية التي تسخر من السياسة اللبنانية وأهلها. لم تكن البيضة في يد النائب الكويتي رسالة الى الشعب اللبناني ولا الى الوطن اللبناني "الشقيق" المصاب بمرض "الشقيقة" ولكن الى وزير الخارجية السابق والى السياسيين اللبنانيين وما يمثلون من "مقامات" و"بطولات"... كان ينقص البيض ليزيد من سخرية الساخرين وشماتة الشامتين... منّا نحن اللبنانيين الذين نعرف كيف نختار سياسيين لا يمثلوننا في معظمهم وقد يمثلنا بعضهم، ولكنهم حتماً يمثلون "النموذج" الحديث للسياسي اللبناني كما حوّلته لئلا أقول مسخته الظروف "الراهنة" والتي يبدو انها طالت كثيراً.