لاحظت "الحياة" حين دخلت أمس إلى مدينة البصرة، ان المدينة أصبحت تحت سيطرة القوات البريطانية التي كانت دباباتها ودورياتها الراجلة والمهللة تجوب انحاءها باستثناء حي الاندلس شمال غربيها. وبدا للعيان ان البصرة فلت الزمام فيها، لا سلطة ولا حكم يحميها من اللصوص. واستبيح كل شيء فيها من مقرات الدوائر الحكومية إلى المصانع والمصارف وكليات الجامعة والمنشآت العامة. الرحلة داخل البصرة استغرقت أربع ساعات شاهدنا خلالها مدينة تُسرق وتُنهب، تحاول دون جدوى ان تحمي نفسها من اللصوص، تحت عيون الجنود البريطانيين. وحين لفتنا أحدهم إلى هذه السرقات، ردّ علينا: "أنا عسكري ولست رجل شرطة". دخلنا إلى البصرة من مدخلها الجنوبي. ومن جسر الزبير، نحو بوابة الزبير وساحة سعد. كل المباني في المنطقة أصابها دمار شديد بفعل القصف. وبعد حي المهندسين على يمين الطريق داخل المدينة شاهدنا جامعة البصرة. وقال لنا السكان إنها شهدت مقاومة عنيفة من "فدائيي صدام" ومتطوعين عرب. ورأينا جثثاً متناثرة حول سور الجامعة. احصينا 13 جثة، قبل أن ينقلها الهلال الأحمر العراقي، وذكر لنا احد سكان الحي انهم عرب، وأظهر لنا هويات بعضهم. كان بين هؤلاء لبنانيان وفلسطينيان ومصري. وبدا ان هؤلاء قضوا بفعل القصف، نظراً إلى تشوه جثثهم. أخبرنا احد السكان في حي الجامعة، وبدا انه استاذ فيها، لكنه رفض ان يعطينا اسمه ان عشرات من المتطوعين العرب ومعهم العديد من "فدائيي صدام" هم الذين أبدوا مقاومة باسلة في وجه زحف الدبابات البريطانية، تحت غطاء نيران المدافع والرشاشات وقصف طائرات هليكوبتر من طراز "كوبرا". وأضاف الاستاذ الجامعي: "دارت هنا معارك عنيفة ولكنها لم تكن متكافئة". وأجمع جميع من قابلتهم "الحياة" على ان وحدات الجيش العراقي ذهبت وفرّ الجنود قبل دخول القوات البريطانية بأيام. وأبلغنا عدد من رجال العشائر الذين يلبسون لبسهم البدوي، انهم معارضون وانهم قاتلوا ضد قوات الحزب والسلطة. شاهدنا بعضهم يحمل هواتف "ثريا" الفضائية التي كانوا يعطون عبرها المعلومات الى قوات "التحالف". وهؤلاء هم الذين سهّلوا دخول القوات البريطانية الى المدينة بعد اخلائها من الجيش العراقي، وبعدما فقد الحزب وميليشياته السيطرة على المدينة السبت. على الطريق الى داخل البصرة شاهدنا "ثانوية ام المعارك" وقد دمّرها القصف. وشاهدنا ايضاً مقراً لحزب البعث في المنطقة وقد اصابه القصف ايضاً. ونحو حي البصرة القديم، وهو في وسط المدينة، أبلغنا السكان أن القوات البريطانية وصلت الى هذا الحي أول من امس عصراً من دون أي مقاومة على الاطلاق. جميع من قابلناهم شكوا من السرقات التي كانت تحدث امامنا مباشرة وسرقة مراكز السجل المدني للمدينة بعدما سرق المواطنون أثاثه قاموا بإحراقه.