لا أعرف ما سيجد مفتّشو الأممالمتحدة في العراق أو ما لن يجدوا، ولكن أعرف ان "محور الشر" في الإدارة الأميركية يعمل لحرب على العراق أصرّ على ان هدفها الوحيد خدمة اسرائيل، لا مساعدة شعب العراق. هناك لازمة في ما أكتب عن كل من فلسطينوالعراق، فبالنسبة الى الأولى أعارض العمليات الانتحارية / الاستشهادية، وبالنسبة الى الثاني فأنا مع تغيير النظام بأيدي العراقيين لا أيدٍ أميركية تحرّكها أيد اسرائيلية. أما وقد انتهيت من تسجيل "اللازمتين" فإنني أزيد أنه في حين لا أحتاج الى دليل على رأيي هذا، فأنا أكتب للقارئ لا لنفسي وأقول له ان أمامي خبراً عن مذكرة من ست صفحات وزّعها "مشروع اسرائيل" الذي تموّله المنظمات اليهودية الأميركية في الولاياتالمتحدة ينصح أنصار اسرائيل حرفياً: "اذا كان غرضكم تغيير النظام فيجب ان تكونوا أكثر حذراً بكثير في كلامكم بسبب ردّ الفعل السلبي المحتمل. أنتم لا تريدون من الأميركيين ان يعتقدوا ان الحرب على العراق تشنّ لحماية اسرائيل، بدل حماية أميركا". هذا هو سبب الحرب بالتأكيد، ويكفي دليلاً دور ريتشارد بيرل، رئيس مجلس سياسة الدفاع، وبول وولفوفيتز، نائب وزير الدفاع، في توجيهها منذ اليوم الأول لإرهاب 11 أيلول سبتمبر من العام الماضي. قبل أسبوع من عودة المفتشين الدوليين الى العراق كان بيرل يقول في لندن ان الولاياتالمتحدة ستهاجم العراق حتى اذا لم يجد المفتشون أسلحة ممنوعة فيه. وقالت صحيفة "الديلي ميرور" في 20 من هذا الشهر ان بيرل أذهل النواب البريطانيين بالقول ان "شهادة حسن سلوك" من الدكتور هانز بليكس، رئيس فريق التفتيش الدولي، لن توقف آلة الحرب الأميركية، وأن "شهادة من شاهد واحد على برنامج أسلحة صدام ستكون كافية لبدء الحرب..." شاهد واحد؟ قبل أسبوع من حديث بيرل أمام مجموعة من النواب البريطانيين من مختلف الأحزاب، كان يقول في مقابلة مع جريدة "الغارديان" اللندنية ان فريق التفتيش الدولي "لا يستطيع منع الحرب"، وطلب تحديداً إخراج العلماء العراقيين مع أسرهم الى خارج العراق للتحقيق معهم. وكان قبل ذلك طلب رفع الحظر على اغتيال زعماء أجانب، وأيد اغتيال صدام حسين. بيرل ليس من الصقور كما يدّعي، أو الحمائم، وإنما هو ملتزم باسرائيل ويعادي العرب والمسلمين. ولن أعود الى احتضانه ستيفن براين بعد ثبوت تسليم هذا صور القواعد السعودية الى وفد اسرائيلي، زائر، وإنما أكتفي بما يقترف هذا اليوم مع بقية أفراد "محور الشر" الموالي لاسرائيل في ادارة بوش وحولها. الدعوة الى اخراج العلماء العراقيين وقاحة مطلقة، فأي انسان يريد ان يخرج من جحيم صدام سيقول ما يريد أي محقق اذا كان سيضمن له ولاسرته العيش بسلام في بلد آخر. هل يمكن ان تقبل أي محكمة شهادة شاهد يرشى بهذه الطريقة المفضوحة؟ هذه عدالة على طريقة بيرل واسرائيل. وهذا الرجل الليكودي الهوى يقول ان شهادة "عالم واحد" تكفي لتدمير بلد على رأس أهله. أنا لا أفهم هذه الدول العربية التي تقبل ان يتحكّم يهودي أميركي شاروني ليكودي بمصير بلد عربي كبير. ولا أفهم كيف لا تفهم هذه الدول ان دورها مقبل. كذلك لا أفهم لماذا لا تعمل هذه الدول مع المعارضة العراقية لإسقاط نظام صدام حسين بأيدٍ عربية وعراقية، لمنع أنصار اسرائيل من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يناسب مصالح اسرائيل ويخدم هيمنتها على المنطقة. بيرل ليس وحده، فهو جزء من عصابة اسرائيلية الهوى في الادارة وحليفه الأول وولفوفيتز الذي يقول يوماً بعد يوم كلاماً مشابهاً لما يقول شريكه. وبين كلام بيرل في "الغارديان" ثم في "الديلي ميرور" قرأت كلاماً الأسبوع الماضي لوولفوفيتز في "واشنطن تايمز"، فهو قال: "بغضّ النظر عن جهود الأممالمتحدة للتفتيش عن الأسلحة الممنوعة في العراق، فإن ادارة بوش مستعدة لاستخدام القوة، اذا دعت الضرورة، لمنع ديكتاتور العراق من مشاركة ارهابيين في أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية... الرئيس قال اذا حصلنا على تأييد الأممالمتحدة فهذا عظيم، وإذا لم نحصل فلن يقيّد ذلك أيدينا...". وكان وولفوفيتز يتحدث في مؤتمر لمركز الدراسة الشعبية، ونقلت عنه الصحيفة الأميركية قوله ان الولاياتالمتحدة جاهزة تقريباً للحرب. غير ان الجريدة نفسها قالت ان الكولونيل المتقاعد جاك جاكوبسن، وهو محلّل عسكري وسياسي، قال في المؤتمر نفسه ان القوات الأميركية لن تكون جاهزة قبل شهر، وربما شهرين. وولفوفيتز وبيرل يرددان الكلام نفسه. وبما ان مصدرهما واحد، فهما يشتركان في الحملة، أو التحامل، مع الدكتور بليكس، وبيرل يقول انه غير صالح، في حين ان وولفوفيتز طلب من وكالة الاستخبارات المركزية معلومات ضدّه، وعجزت الوكالة عن ايجاد مثل هذه المعلومات. سأكمل غداً، ولكن أختتم اليوم بالقول ان دعاة الحرب في واشنطن ليسوا كلهم عملاء لإسرائيل أو خدماً لمصالحها، فنائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، من "الصقور" فعلاً، ونحترمهما سواء وافقنا على سياستهما أو اعترضنا عليها، غير ان وولفوفيتز وبيرل، ودوغلاس فاث، وكيل وزارة الدفاع، وجون بولتون، وكيل وزارة الخارجية، وغيرهم، موجودون في الادارة، أي ادارة، لخدمة اسرائيل، والقول انهم من "الصقور" مجرّد تمويه.