أقرت القمة الأوروبية المصغرة مجموعة أفكار عملية لتلافي الشلل الذي قد يصيب الاتحاد بعد توسيعه، وأوحت ببناء قوة عسكرية للتدخل السريع. ولتفادي اتساع الخلاف مع الولاياتالمتحدة وانتقاد الأوساط الأطلسية المحافظة حاولت القمة التقليل من ابعاد المبادرة التي أطلقتها فرنساوالمانياوبلجيكا ولوكسمبورغ امس في بروكسيل، واكد قادة البلدان الأربعة ان المبادرة "ستعزز القدرات الأوروبية التي ستكمل قدرات حلف شمال الاطلسي ولا تنافسه". وفي مؤشر الى التعاطي الواقعي مع افرازات الحرب الاميركية على العراق، أعلن الرئيس جاك شيراك قبوله اقتراحات "تكليف حلف شمال الاطلسي بدور في العراق". وقال في مؤتمر صحافي امس ان الرئيس جورج بوش كان أثار مسألة تدخل الاطلسي خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما قبل حوالى اسبوعين. واضاف انه أكد له "استعداد فرنسا بحث الجوانب العملية لتدخل الحلف في العراق اذا توافر قرار من مجلس الأمن". وتحدث شيراك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر ورئيس وزراء لوكسمبورغ جاك كلود جينكير ورئيس الوزراء البلجيكي غي فورهوفشتات في نهاية اجتماعهم لإطلاق مبادرة الدفاع الأوروبي. وقال مصدر ديبلوماسي ل"الحياة" انه "تزايد دعم الحلفاء لتكليف الحلف لعب دور في العراق"، إلا ان الدول الاعضاء لم تصل الى الإجماع بعد. وكانت الولاياتالمتحدة طلبت تكليف الحلف تأمين الوضع في العراق وتدمير أسلحة الدمار الشامل. وأوضح المصدر نفسه ان الدور المرتقب "سيكون شبيهاً بدور الحلف في تنسيق جهود المساعدة لاستقرار افغانستان". وشدد قادة البلدان الأوروبية الأربعة امس على ان القوات العسكرية التي سيتم تشكيلها في نطاق الدفاع الأوروبي "ستساهم في تفعيل الأطلسي وتجديد العلاقات عبر الاطلسي". وفيما يشك بعضهم في حقيقة قدرات البلدان الأربعة المانياوفرنساوبلجيكا ولوكسمبورغ التي لا تزيد موازناتها العسكرية عن خمس موازنة الدفاع الاميركية، فإن مراقبين يعتقدون بأن الحرب الاميركية على العراق والعقيدة العسكرية الجديدة التي تطورها واشنطن تدفع بعض المسؤولين الأوروبيين الى الإقرار بأن السياسة الخارجية للاتحاد ستظل هزيلة من دون سياسة دفاعية مشتركة. وجاء في بيان القمة المصغرة أن "العمل الديبلوماسي لن يكون ذا صدقية أو جدوى الا في حال اعتمد على قدرات أمنية وعسكرية حقيقية". وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير استبق القمة المصغرة واكد معارضته أي مبادرة من شأنها منافسة الدور الريادي للولايات المتحدة. ورد شيراك على ذلك بتأكيده مفهوم "تعدد الأقطاب". وقال ان "تعدد الأقطاب أمر حتمي"، فهناك أوروبا والصين والهند واميركا اللاتينية التي تتطلع الى القيام بدور دولي. ورأى ان "مبدأ التوازن مع الولاياتالمتحدة يقتضي بناء أوروبا القوية وحتى تكون العلاقات بينهما متكاملة". واضاف ان "الشراكة لا توجد من دون توازن". ولتفادي الشلل الذي قد يصيب العمل الأوروبي الخارجي، مع توسيع الاتحاد وارتفاع عدد أعضائه من خلال ضمه البلدان الشرقية الموالية للولايات المتحدة، اتفقت البلدان الأربعة، وهي من مؤسسي الاتحاد الأوروبي، على ضرورة ان يتضمن الدستور الأوروبي الذي يجري اعداده مبدأ "حق عدد من الاعضاء بمبادرة معينة من دون الحصول على اجماع". إلا ان المبادرة التي انطلقت امس في بروكسيل ستكون مفتوحة امام كل بلدان الاتحاد ال25. ووضعت القمة المصغرة مجموعة من الأفكار العملية التي ستعرض على اجتماعات وزراء خارجية بلدان الاتحاد في نهاية هذا الاسبوع في اليونان ولاحقاً في اجتماع القمة الأوروبية في حزيران يونيو في مدينة سالونيك اليونانية. وتشمل اقتراحات مفهوم الأمن والدفاع: الالتزام بمبدأ التضامن بين البلدان الأعضاء ضد أي خطر مهما كان، تنسيق سياسات وموازنات الدفاع، تطوير قدرات عسكرية عبر زيادة الاستثمار في المشتريات العسكرية. ويقتضي مفهوم الدفاع الأوروبي، حسب ما ورد في بيان القمة الرباعية، المشاركة في برامج التجهيز الكبرى مثل التزود بطائرات النقل العملاقة "اي 400 ام" وتعزيز اتجاهات التخصص لتفادي ازدواجية الأدوار وانشاء مراكز للتدريب. وحددت القمة سبعة مجالات سيتم العمل فيها لتطوير القدرات الأوروبية. فتقرر انشاء قوات للتدخل السريع يكون الفيلق الألماني - الفرنسي القائم نواتها وتوفر بلجيكا ولوكسمبورغ رجال الكوماندوس ووحدات الاستطلاع. واتفقت القمة على انشاء قيادة أوروبية للنقل الاستراتيجي وقدرات مكافحة اسلحة الدمار الشامل، وآليات التدخل الانساني العاجل في غضون 24 ساعة، واقامة مراكز لتدريب طواقم الناقلات الاستراتيجية. ويتوقع ان يثير اقتراح انشاء هيئة أركان أوروبية انتقادات في أوساط حلف شمال الاطلسي الذي كان دوماً يعارض ازدواجية آليات التخطيط والقيادة المركزية. ويخشى الحلف ان تكون هيئة الأركان الأوروبية منافسة لهيئة أركان حلف شمال الاطلسي ومقرها في مدينة مونس، شرق بلجيكا.