قال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتّيني إن بلاده "تسعى إلى أن تحتل الأممالمتحدة دوراً مركزياً في إعادة إعمار العراق"، مشدداً على "ضرورة العمل لتمكين العراقيين، بكل الوسائل، من الأخذ بمقدّراتهم وحكم بلادهم". وأشار إلى تأكيدات رئيس الحكومة البريطانية توني بلير بأن "قوات التحالف لن تبقى في العراق يوماً واحداً أكثر مما يحتاجه الوضع". وتطرق الوزير الإيطالي، في حوار مع "الحياة"، الى دور بلاده في إطار قوة حفظ السلام الدولية في العراق، مؤكداً ان البرلمان الإيطالي قرر إرسال هذه القوة للعمل على توفير المساعدات الإنسانية للعراقيين وحمايتها، غير أن تلك القوة ستنضوي تحت راية الأممالمتحدة بمجرد "إقرار المنظمة الدولية الاستراتيجية" الخاصة بالعراق. وكشف فراتّيني أن بلاده بذلت مساعي كثيرة للحؤول دون اندلاع الحرب، وأضاف: "لقد أجرينا اتصالات مع أصدقائنا في العالم العربي، وبالذات المملكة العربية السعودية والجزائر وليبيا وتونس، لإقناع الديكتاتور العراقي بالتخلي عن المنصب والقبول بالمنفى، إلا أن كل تلك الجهود قوبلت بالرفض من جانبه". وأعرب عن قناعته بأن "العالم كان سيتنفس الصعداء لو أنه وافق على تلك المقترحات" التي وصفها بأنها "كانت ستغيّر مسار الأحداث". وأكد فراتّيني أنه التقى قبل يومين أعضاء السلك الديبلوماسي العربي في روما وتباحث معهم في سبل تطوير وتعميق أواصر الصداقة والتعاون مع الدول العربية. وأثنى على الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة الفلسطينية الجديد محمود عباس أبو مازن، مشيراً إلى أن "إيطاليا وجهت إليه الدعوة لزيارة روما" متوقعاً أن يتم تحديد موعدها في غضون بضعة أيام، وأعرب عن أمله ب"أن تتم الزيارة قبل بدء الرئاسة الإيطالية للاتحاد الأوروبي" وهنا نص الحوار: أعلنت الحكومة الإيطالية عن انطلاق دفعة أولى من القوة الإيطالية لحفظ السلام إلى العراق، كيف ستتصرفون إزاء الوضع المستحدث في عراق ما بعد الحرب؟ - كما تعلم فإن الدفعة الأولى من القوة الإيطالية لها صلة بارسال مستشفى إيطالي سيقام في بغداد وسيوفر المساعدة الانسانية للسكان العراقيين المصابين والجرحى والذين تعرضوا لأضرار الحرب. هذا العمل يندرج في إطار التدخل الإنساني الذي يحتاج إلى الحماية للحؤول دون أن يتعرض للأخطار المتعددة والمحتملة. لذا فإن وحدة من الشرطة سترافق وتحرس هذه الدفعة الأولى من المساعدة الإنسانية الإيطالية للعراق. سيحاول التدخل الإيطالي مواجهة النقص الحاصل في الأمور الضرورية كالدواء ومياه الشرب والطاقة الكهربائية، إضافة إلى محاولة توفير الأمن في المدن وحماية الناس من النهب والسلب. هدفنا الأساسي المساهمة في إعادة بناء الحياة الطبيعية في أسرع وقت ممكن، وعودة الدوائر والمؤسسات الحكومية إلى العمل من جديد وكل ما من شأنه تمكين الشعب العراقي المحرر من الديكتاتورية أن يستعيد بين يديه حكم البلاد. من الملفت أن المستشفى الإيطالي الذي سيقام في بغداد سيكون على مرحلتين أولاهما في منطقة الكاظمية، وهي منطقة ذات غالبية شيعية، والأخرى في مستشفى النعمان الواقع في منطقة ذات غالبية سنية. هذا يعني أنكم بدأتم بالتعامل مع الواقع البغدادي، على الأقل من منطلق التساوي بين السكان... - لدى وزارة الخارجية الإيطالية معرفة جيدة بالوضع في بغداد وقد ساهم صندوق التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية في الماضي في إعادة إعمار أكبر مستشفيين في بغداد، لذا فإن اختيارنا لهاتين المنطقتين ناتج أيضاً عن هذه المعرفة، واخترنا هذا التقسيم أيضاً لأن المنطقتين مكتظتان بالسكان وثمة حاجة ماسة إلى الخدمات الصحية. رئيس اللجنة البرلمانية المختصة بشؤون المخابرات الإيطالية، إينزو بيانكو، أعلن أن إيطاليا قامت بمحاولات ومشاورات مع المملكة العربية السعودية سعياً إلى اقناع صدام حسين باتخاذ قرار يحول دون الحرب، كأن يقبل بفكرة المنفى. هل يمكنك توضيح الأمر طالما أنه أصبح معلناً؟ - سلسلة من المشاورات واللقاءات في هذا الصدد جرت مع المملكة العربية السعودية، ولم تقتصر على الصعيد المخابراتي فحسب، بل على الصعيد الرسمي والديبلوماسي. كذلك لم تقتصر محاولاتنا ومشاوراتنا على المملكة العربية السعودية فحسب. فرئيس الحكومة بيرلوسكوني وأنا شخصياً بادرنا إلى عقد لقاءات ومشاورات مع العديد مع زعماء الدول العربية الصديقة. تحدثت شخصياً مع وزيري خارجية الجزائر وليبيا. وكان بيرلوسكوني التقى القذافي وبعد ذلك التقيت وزير الخارجية التونسي. كل هذا جرى قبل انطلاق العمليات الحربية وكانت الجهود الإيطالية تستند إلى مبدأ التوجه إلى الدول العربية والإسلامية الصديقة التي نمتلك معها علاقات جيدة وممتازة سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد الشخصي. كنا نسعى إلى معرفة ما إذا كان في الإمكان التوصل إلى طريقة لإقناع الديكتاتور العراقي التخلي عن السلطة وقبول فكرة المنفى. الأجوبة التي حصلنا عليها أكدت أن جهوداً بذلت، وكانت تُبذل، لكن من دون جدوى. هل تعتقد بأن الرسالة، التي كانت هذه الجهود تحاولها، وصلت إلى صدام حسين؟ - ليس بإمكاني الجزم. لكن بإمكاني إخبارك بأن وزير الخارجية الجزائري أكد لي أنه التقى طارق عزيز في الجزائر. لا أعلم ماذا تضمن الحوار بينهما، لكني أعتقد بأن الرسالة كانت وصلت. وما بإمكاني تأكيده هو أن إيطاليا تحركت في هذا الإطار على أمل التمكّن من الحيلولة دون العمل العسكري. بالتزامن مع جهودكم كانت هناك جهود تُبذل من جانب الفاتيكان في هذا الإطار. هل نسّقتم مع الفاتيكان؟ - كنا نتابع تحرّك الفاتيكان في هذا الاتجاه. بطبيعة الحال كانت حاضرة الفاتيكان تبذل جهودها بشكل مستقل وكنا نلاحظ تلك الجهود باحترام كبير وإعجاب خصوصاً عندما انطلقت جهود الكاردينال إتشيغاراي، وهو شخصية مهمة وذات ثقل ديبلوماسي وروحي. للأسف الشديد لم يتمكن هو الآخر من تحقيق ما كنا نصبو إليه جميعاً. أتعتقد أنه كان في الإمكان الحؤول دون الحرب لو وافق صدام على عرض المنفى؟ - أعتقد بأن العالم بأسره كان سيتنفس الصعداء. كان هناك استعداد للتسامح مع صدام حسين وتوفير وثيقة حسن سلوك لو أنه وافق على التخلي عن السلطة وعلى فكرة المنفى. كان ذلك حلاً يترقبه الجميع والرئيس بوش أكد أكثر من مرة أن قرار صدام بذلك الاتجاه كان سيُخلّص العالم من حيرة كبيرة. بإمكاني القول ان قراراً من ذلك النوع كان سيّغير مسار الأحداث. دعني أروي لك ما دار في لقائي مع طارق عزيز الذي زار إيطاليا قبل الحرب ببضعة أسابيع. عندما عرضت عليه الفكرة رد عليّ بلهجة غاية في الشدة: كيف يمكنكم التفكير بهذه الطريقة! كيف يمكنكم تصّور أن يأخذ صدام حسين طريق المنفى! عندئذ أدركت أننا أمام باب موصد وأن لا أمل في ما نرجوه. الأممالمتحدة ودورها لم تكن إيطاليا طرفاً في العمليات الحربية، لكنها وفّرت الأجواء والقواعد للقوات الأميركية. أي دور تعتقدون أن في إمكانكم ممارسته في عمليات إعادة إعمار العراق؟ - نحن نفكر قبل كل شيء، وكأصدقاء للولايات المتحدة، بأن الأممالمتحدة ينبغي أن تحتل دوراً مركزياً في عملية إعادة الأعمار في العراق. لذا نرى مستقبل العراق، بأنه سيعيد إلى الشعب العراقي حكومته التي تدير شؤون البلاد، ونرى أن تلعب الأممالمتحدة الدور المركزي الذي أشرت إليه. إيطاليا ترى أيضاً دوراً لأوروبا، وتفسّر هذا الدور في إطار العمل التقليدي الذي مارسته إيطاليا في حمل السلام إلى المناطق التي تحتاج إلى السلام. أشير في هذا الصدد إلى النموذج البلقاني وأوروبا حيث لعبت دوراً أساسياً. كما هي الحال بالنسبة إلى الالتزام الإيطالي ودول أوروبية أخرى في أفغانستان. أعتقد أن على أوروبا أن تمارس دوراً مهماً في العراق أيضاً. في هذه المرحلة نحن نمر بوضع الطوارئ، لذا فإن حالة الطوارئ الإنسانية تفرض علينا، كما فعل بعض الدول، وقبل أن تقرر الأممالمتحدة كيفية التدخل، أن نقدم ما هو ضروري لهذه المرحلة. لكننا أعلنا أنه عندما ستبدأ الأممالمتحدة عملاً استراتيجياً خاصاً بها، فإن في إمكان القوة الإيطالية ومساهماتها أن تندرج تحت إطار فعل الأممالمتحدة. سنُبقي القوة الإيطالية في العراق، لكن في إطار الأممالمتحدة. وهذا ما أعتقد أنه الإطار الأسلم. هل تعتقد بأن واشنطن مستعدة للقبول بدور للأمم المتحدة في المرحلة المقبلة؟ - كولن باول شخصياً ضمن لنا ذلك. ليس في إمكاننا صياغة السياسة الخارجية بالاعتماد على الصياغات اللغوية لبعض الصفات. البعض يطالب بدور "حيوي" للأمم المتحدة والبعض الآخر يطالب بلها بدور "مركزي"، وآخرون يشددون على الدور "الإستراتيجي". أنا أعتقد أنه ينبغي العمل في مجلس الأمن الدولي بطريقة براغماتية مطلقة. فرنسا نفسها تستخدم هذه المقولة، مشيرة إلى ضرورة أن نكون براغماتيين وأن نتوصل إلى حلول. أعتقد بأن الولاياتالمتحدة تدرك ضرورة إعادة الحكومة العراقية إلى العراقيين، والأممالمتحدة هي الإطار الذي يوفر المعيار الأسلم للأمور. ربما كان القاموس الديبلوماسي المستخدم بشأن العراق بحاجة إلى صفة أخرى تضاف إليه، وهي السرعة في التعامل مع الوضع، خصوصاً أن الفوضى والفراغ السياسي والإداري تترك آثاراً سلبية على الوضع. - أجل. هنا أيضاً استعين بكلمات قالها توني بلير عندما أكد أن الجنود لن يبقوا في العراق يوماً إضافياً واحداً أكثر مما ينبغي عليهم أن يبقوا في العراق. هذا يعني بأن الخطوات الأولى ينبغي أن تتركز على ضرورة عودة الحياة الطبيعية إلى البلاد. جاي غارنر بدأ بالعمل على إعادة الحياة إلى المؤسسات والوزارات وعودة الموظفين إلى العمل. في رأيي، هذه هي الرسالة التي ينبغي توجيهها إلى الشعب العراقي. ينبغي أن لا يشعر هذا الشعب بأن القوة العسكرية سترابط هناك طويلاً. قبل يومين التقيت بأعضاء السلك الديبلوماسي العربي المعتمدين في روما. لم يكن هذا اللقاء الأول، لكنك اعتبرته لقاء في غاية الأهمية. خصوصاً في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة. كيف تفكرون في إعادة صياغة علاقاتكم مع العالم العربي في ضوء ما جرى في العراق؟ - اللقاء كان على قدر كبير من الأهمية وحضره جميع أعضاء السلك الديبلوماسي العربي. أكدت خلاله رغبة إيطاليا في العمل، أيضاً من منطلق الرئاسة الإيطالية للاتحاد الأوروبي التي ستبدأ مطلع شهر تموز يوليو المقبل، من أجل تجاوز وإزالة حالة الإحباط التي تسود لدى المواطنين العرب. نحن نسعى إلى تحقيق ذلك على ثلاثة مستويات أساسية: الأول، وهو ما يهمني كثيراً، هو الصعيد الثقافي. أعتقد أنه من دون معرفة متبادلة ومن دون تبادل ثقافي بيننا والعالم العربي سيكون من الصعب الحديث عن الفعل السياسي. أما المستوى الثاني فهو السياسي بالذات، أي من جانب محاولة إقناع العالم العربي بالمشاركة في العمل على ضوء المتطلبات المرحلية كالحكومة في العراق أو السلام في الشرق الأوسط، ومن ثم ممارسة الضغط السياسي على إسرائيل والولاياتالمتحدة للتوصل إلى التزام قوي من جانب الولاياتالمتحدة بالسلام في الشرق الأوسط وقبول إسرائيل بهذه العملية. الانفتاح الذي أبداه رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون أخيراً، بالتفاوض الجدي الملتزم بعملية السلام جدير بالاهتمام. والمستوى الثالث هو الالتزام الأوروبي للمساهمة في إطلاق العنان للتطور الاقتصادي الاجتماعي لدول الساحل الجنوبي والشرقي للمتوسط. ايطاليا ستضع المتوسط في مقدمة أولوياتها، التطور والتنمية الاقتصادية للساحل الجنوبي والشرقي للمتوسط، ما أطلقنا عليه خطة الإنماء، ليس لفلسطين وحدها بل للمنطقة بأسرها. أنا أعتقد أن التنمية الاقتصادية هي وحدها القادرة على فتح آفاق المستقبل أمام الشباب، وهذا ما يشكّل مساهمة كبيرة ضد الإرهاب وضد العنف. شدّدت على أهمية الجانب الثقافي وضرورته، فهل يدخل هذا في إطار ما يمكن تقديمه للعراق لاستعادة الخسائر التي تعرّض إليها المتحف العراقي والمكتبة الوطنية في بغداد؟ - عندما أقر البرلمان الإيطالي قانون إرسال وحدة السلام الإيطالية إلى العراق أدخل فقرة خاصة تتعلق بالتراث الثقافي. القرار البرلماني أكد ضرورة تركيز الاهتمام بشكل خاص على المعالم والحضارة والثقافة العراقية والتي تعرضت للتلف والدمار والتخريب. وقد أرسلت توجيهاتي إلى سفيرنا في اليونسكو بأن ينشط في إطار شحذ اهتمام المنظمة الدولية لتقوم بدورها في هذا المجال، وإلى جانب ذلك سنوّجه جزءاً من ميزانية صندوق التعاون الدولي الإيطالي لهذا الغرض. أنا معني بشكل خاص بهذا الأمر لذا فإننا سنعمل على ترميم وإعادة بناء المرافق الحضارية والثقافية والأثرية العراقية. تحدثت عن محاولاتكم لإزالة ومقاومة إحساس الإحباط لدى العرب، لكن هناك تصريحات لبعض أعضاء الحكومة الإيطالية لا تفيد في هذا المجال، وأشير هنا إلى تصريحات مكررة من رئيس الحكومة سيلفيو بيرلوسكوني عندما يتحدث عن ضرورة ضم روسيا وإسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي ويطلق على إسرائيل صفة "الديموقراطية الكبرى"، ألا تعتقد بأن تصريحات من هذا القبيل يمكن أن تؤثر في علاقاتكم مع العالم العربي، بالذات في هذه المرحلة من الصراع العربي - الإسرائيلي وما يتعرض له الفلسطينيون. لماذا لا يجري الحديث عن ديموقراطيات في مصر والمغرب مثلاً وهما بلدان تُجرى فيهما الانتخابات كما هي الحال في إسرائيل... - أجل. استمعت أخيراً إلى عدد من نظرائي في العالم العربي وقد استوقفني ما قالوه. قالوا لي: أنتم تقومون الأمور والأحداث في بلادنا بمنظار وتقويم غربيين، وهي حالات نجد أنفسنا مضطرين للتعامل معها بمقدار من الصرامة والقوة تحديداً للوقوف في وجه الأصولية. ومن دون هذه الصرامة التي تقومونها أنتم بمنظار الغرب بقلق، فإن المخاطر الآتية ستكون أصولية وتطرفاً أكبر. لقد استوقفتني هذه الآراء، وأدركت أننا، نحن الغربيين، نصنّف الأمور بمنطق الغرب وليس بمنطق العرب. لدينا مع إسرائيل علاقة وصداقة خاصة، لكن ينبغي عدم تجاهل علاقات صداقة مع الدول العربية والإسلامية. علاقاتنا الخاصة، سواء على الصعيد الثنائي أو على الصعيد المتعدد، في تطور مستمر. أصدقاؤنا الليبيون، مثلاً، يعرفون بشكل جيد، أنه بفضل إيطاليا تم فتح الحوار حول المقاطعة المفروضة على ليبيا في إطار المواد التي تخص الأمن. وقبل أسبوعين طالبت إيطاليا في بروكسيل بفتح ملف المقاطعة المفروضة على ليبيا. فعلنا ذلك بمفردنا وفي ظل معارضة عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد، لكننا واثقون بأننا سنقنعهم بالقبول بمناقشة هذا الملف. أصدقاؤنا المصريون يعرفون الدور الأساسي الذي لعبته إيطاليا لكي تناقش بروكسيل التسهيلات الجمركية الخاصة بمنتجات الصلب المصرية. وذلك في ظل الاحتجاجات الكبيرة من جانب الصناعات الأوروبية للصلب. نحن نعتقد بأننا نلعب دوراً متوازناً بين الطرفين وهذا ضروري، برأيي، لمساعدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، على الحوار. حبر على ورق قبل بضعة أسابيع قلت لي إنك وجّهت الدعوة إلى رئيس الحومة الفلسطينية "أبو مازن" لزيارة إيطاليا... - أجل، وقد أكدت هذه الدعوة مجدداً وأنا بانتظار تحديد الموعد قريباً. ومن دون الدخول في التفاصيل آمل بأن تكون في إمكان الرئيس "أبو مازن" زيارة إيطاليا في وقت قريب قبل نهاية شهر حزيران يونيو، أي قبل بدء الرئاسة الإيطالية للاتحاد الأوروبي. ما هو الدور الذي ستلعبه إيطاليا في إطار تحريك "خريطة الطريق"؟ - قبل كل شيء نرغب في الإعلان بوضوح كبير لجميع الأطراف، وبالذات لأصدقائنا الأميركيين والإسرائيليين، أنه ليس في إمكاننا الاكتفاء بنشر "خريطة الطريق" والإعلان عنها، المطلوب هو تطبيقها. أنا أسمع دائماً حديثاً عن "الإعلان"، لكن الإعلان وحده سيعني إبقاء "خريطة الطريق" حبراً على ورق. ينبغي أن تنفّذ. ثمة حاجة ماسة ليس إلى مجرد التزام شكلي بل إلى التزام جوهري وضمني. نحن نعتقد بأن على أوروبا أن تنجز أكثر مما أنجزت حتى الآن في هذا الإطار. أمامنا، كرئاسة للاتحاد الأوروبي، وكما اتفق معي السفراء العرب في إيطاليا، نافذة من الإمكانات الاستثنائية. انها نافذة ستتيح لنا من الآن وحتى نهاية العام الجاري الفرصة التي يجب علينا استغلالها، لأن علينا أن ندرك بأن العام المقبل سيكون محفوفاً بالكثير من المصاعب لأنه عام الانتخابات سواء في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا. لذا فإن أجواء الانتخابات تضع على عاتقنا مهمة الإسراع والاستفادة من الفرص المتاحة. على أوروبا أن تضاعف جهودها، وعليها أن تضغط بقوة أكبر في إطار "الرباعية" حيث ستكون إيطاليا الممثلة للاتحاد، عليها أن تضغط على الأميركيين كي يلتزموا بشكل مباشر، وعليها أن تقنع الإسرائيليين بأن هذه هي اللحظة التاريخية التي ينبغي فيها التوصل إلى حل. ما ستقوم به أوروبا في هذا الإطار مهم للغاية وعليها أن تمارسه، وإيطاليا راغبة في لعب هذا الدور. من جانب، نحن نرغب في ضمان السلام المنشود لمنطقة الشرق الأوسط. ذلك السلام الذي يمكن التوصل إليه من خلال رسالة واضحة إلى العرب مفادها أن الغرب لا يريد المواجهة والصدام بل الصداقة تجاههم. وهذه ليست رسالة رمزية بل رسالة ملموسة. على الصعيد الآخر، إذا كنا راغبين بالفعل، ونحن عازمون على ذلك، في مكافحة الإرهاب، فإن علينا أن نضمن أن يكون الطرفان العربي والإسرائيلي شريكين من أجل الهدف ذاته، أي دولتان للشعبين وإزالة العنف وتحقيق الحرية لكليهما. أعتقد أن هذا الوضع بات ضرورة وليس مجرد قناعة. أنا مقتنع بذلك بشدة، لأنني أعتقد بأن مكافحة الإرهاب لن تنجح طالما أن هناك عنفاً. أنظر مثلاً إلى العملية الأخيرة وما أرادت تحقيقه، لكن "أبو مازن" وضع نصب عينيه مهمة مكافحة الإرهاب. لكن هل تعتقد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، ارييل شارون، سيقبل هذه التوجهات؟ - في هذا الإطار أيضاً نحن نأمل بأن تكون العلاقة الخاصة والجيدة التي تربط شارون ببيرلوسكوني قادرة على أن توفر لرئيس الحكومة الإيطالية قدرة إقناع شارون، وأن يقول له بأن هذه هي اللحظة المناسبة لخطوة تاريخية. وإذا أضفنا إلى ذلك العلاقة الخاصة التي تربطنا بالأميركيين فأنا أعتقد أن في إمكان الاتحاد الأوروبي برئاسة بيرلوسكوني والولاياتالمتحدة برئاسة بوش العمل في اتجاه دفع شارون. وسيكون صعباً على شارون غلق الباب. ينبغي الإشارة إلى أنه حتى على أولئك الذين يشككون بشارون الاعتراف بأن الانفتاح الذي أبداه أخيراً في شأن مستقبل المستوطنات يعد خطوة إيجابية لم يكن حتى وقت قريب ليخطر ببال أحد أنها ممكنة الحدوث، ومع ذلك فقد جاءت الخطوة. أنا أدرك بأن القضية صعبة ومعقدة، لكني أعرف أيضاً أن ليس علينا أن نُحبط، بل على العكس علينا أن نكثّف الجهود كي يُدرك شارون ويتفق مع هذه الضرورة. لدي تفاؤل حذر بأن الضغوط ستتمكن من اقناعه. واضح أن إعلان النيات من جانب "أبو مازن" إيجابي للغاية، لكن ذلك ينبغي أن يتزامن مع فعل ملموس على الأرض لأنه واضح أيضاً بأن "كتائب الأقصى" تمثل تهديداً خطيراً يترك ثقله على الأرض، لهذا السبب طلبت بشكل علني أن لا يقتصر الأمر على الفلسطينيين من خلال الحكومة الجديدة، بل ان يساهم السوريون أيضاً وأن يبذلوا ما بوسعهم من جهد، خصوصاً لما لهم من تأثير في لبنان وعلى بعض الفصائل الفلسطينية. لذا أرى من الضروري ضم سورية أيضاً إلى عملية السلام وأن تُشجّع في هذا الإطار كي تنشط في إطار مراقبة وتحجيم المنظمات الأكثر تشدداً. وإذا ما تحقق هذا الوضع نكون قد أنجزنا خطوات كبيرة إلى الأمام. براغماتية باريس وواشنطن رئاستكم للاتحاد الأوروبي تتزامن مع ظرف عسير للاتحاد، ما هي الخطوات التي ستتخذونها من أجل لملمة القطع المتناثرة؟ - الخطوات الأولى ستكون على ثلاث جبهات: الأولى على صعيد الإصلاح الدستوري. علينا الاتفاق على دستور جديد لأن أوروبا الجديدة المكوّنة من 25 دولة تحتاج إلى اتخاذ القرارات بشكل سريع ومن دون إبطاء. وثمة اتفاق ضمني بين جميع الدول الأعضاء على ضرورة صدور الدستور الجديد للاتحاد. ومن ثم هناك حاجة إلى علاقة مبنية على الصراحة مع الولاياتالمتحدة. وعلى الولاياتالمتحدة أن تدرك أن لها مصلحة في أن تكون على صداقة مع أوروبا قوية وقادرة على الفعل بشكل جيد، خصوصاً في القضايا ذات الاهتمام المشترك، كمكافحة الإرهاب. إلى ذلك نحن أمام القضايا الإقليمية الكبرى، كالوضع في حوض الأبيض المتوسط ومنطقة البلقان. الرئاسة الإيطالية للاتحاد عازمة على السير قدماً في هذين الملفين. لقد تحدثت عن المتوسط، لكنني أشير إلى ما نرغب في إطلاقه وهو "البنك المتوسطي" الذي نعتبره من الأولويات التي سنعرضها في كانون الأول ديسمبر المقبل على المؤتمر الأوروبي المتوسطي الذي سيعقد في مدينة نابولي. نسعى إلى تأسيس أول مصرف أوروبي متوسطي مشترك تتركز مهماته على تحقيق التنمية في جنوب المتوسط وشرقه. وقد حصلت من نظرائي على دعم وتأييد كبيرين لهذه الفكرة. إلى جانب ذلك، نسعى إلى توكيد برامج التطوير والتبادل الثقافي بين شمال المتوسط وجنوبه وما بين مغربه ومشرقه وتأسيس منطقة أمن واستقرار. لكن تصريحات كالتي أدلى بها كولن باول عن "معاقبة فرنسا" بسبب موقفها من الحرب ضد العراق لا تساعدكم في هذه الجهود... - أنا أعتقد أن الولاياتالمتحدة ستنظر بشكل جوهري إلى أن أوروبا موحدة تتطلب مساهمة ومشاركة الجميع. لقد قلت في مناسبات أخرى أنه ينبغي على الدول الأكثر قرباً إلى الولاياتالمتحدة، كإيطاليا واسبانيا، أن تشجع فرنسا وألمانيا على البقاء ضمن الأطر الجامعة، وأن لا تزيد من الهوة بل أن تعمل على جسرها. هذا ما نسعى إليه، وأعتقد أن الولاياتالمتحدة من جانبها تدرك هذه الضرورة. ليس في مصلحة أحد أن تكون أوروبا منقسمة على نفسها. لكن الولاياتالمتحدة تحاول ذلك مع روسيا، وهي مستعدة للتغاضي عن الموقف الروسي الذي كان مشابهاً للموقف الفرنسي الألماني... - أعتقد أن باريس بدأت تشعر يوماً بعد يوم بأن عليها أن تكون جزءاً من الإطار الاستراتيجي الاقليمي. وما قاله دومينيك دوفيلبان أخيراً عن ضرورة العمل بشكل براغماتي دليل على هذا الإدراك. البراغماتية تعني أنك استوعبت بأن الوضع قد تغيّر، وأنه حان الوقت للتغيير. أخيراً، هل أنت متفائل بالنسبة إلى وضع الشرق الأوسط بعد ما حصل في العراق؟ - في ضوء لقائي مع السفراء العرب قبل يومين، يمكنني القول انني متفائل. لقد أكدوا أنهم يدركون بأن من مصلحة الجميع بعد هذه الأزمة الخطيرة التي عشناها، والحرب أزمة خطيرة دائماً، تحتاج الشعوب إلى أن تلمس بشكل واضح بأن المجتمع الدولي في حال حركة. إذا توقفنا عن العمل، فإن الأصولية والتشدد يمكن أن يحتلا مساحة الفراغ التي نتركها. نحن نشعر بالاحترام الكبير لتلك الحكومات العربية التي تجد نفسها في مواجهة حالات صعبة وملتهبة لكنها تحافظ دائماً على الاعتدال، لذا فهي تساهم إلى جانب دول أخرى في المنطقة في توفير أجواء الاستقرار. إذا لم نعمل، نحن المجتمع الغربي، بشكل لصيق مع أصدقائنا العرب فإننا سنوجه إلى الشعوب مؤشرات سلبية للغاية. إن تفاؤلي نابع ليس من المنطق فحسب بل من الحاجة أيضاً. علينا أن نصل إلى هذا الهدف.