نما الاقتصاد الاميركي بخطى متثاقلة في الربع الاول من السنة الجارية بسبب الحرب على العراق والمناخ الشتوي الشديد البرودة، الا ان تحسن معنويات المستهلكين وزيادة مبيعات المساكن الجديدة يبعثان بارقة أمل. وأثار الوضع القاتم للمؤسسات والشركات الاميركية قلق وحيرة المسؤولين الذين أعربوا عن شكوكهم في تحقيق قفزة فورية في أداء هذه الشركات على رغم انتهاء الحرب. قالت وزارة التجارة ان اجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، وهو اوسع مقياس لصحة الاقتصاد، نما بنسبة 1.6 في المئة في اول ثلاثة شهور من السنة الجارية. وكان اقتصاديون من القطاع الخاص توقعوا نمواً بنسبة 2.3 في المئة. وقال جون سيلفيا كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك "واشوفيافي تشارلوت بنورث كارولينا": "هذا يشير الى ان الاقتصاد لا يشهد الكثير من قوة الدفع الى الامام واننا حقاً نكاد لا نتحرك". وعقب البيانات انخفضت أسعار الأسهم الاميركية متخلية عن مكاسبها في وقت سابق من هذا الاسبوع بفضل بيانات تبعث على التفاؤل في شأن أرباح الشركات. غير ان الصورة لم تكن قاتمة في جميع البيانات الاقتصادية، اذ اعلنت جامعة ميشيغان ان مقياسها لمعنويات المستهلكين، الذي يراقب عن كثب في الاوساط الاقتصادية، ارتفع في نيسان ابريل الماضي بعد ان بلغ ادنى مستوى في تسعة اعوام في آذار مارس. كما اظهرت بيانات وزارة التجارة ارتفاع مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 7.3 في المئة في آذار. وارتفع مؤشر جامعة ميشيغان النهائي لشهر نيسان الى 86 نقطة، متجاوزاً تكهنات الاقتصاديين الذين توقعوا ارتفاعه 84.8 نقطة، مقابل 77.6 نقطة في آذار، وهو أدنى مستوى للمؤشر منذ أيلول سبتمبر عام 1993. وساعد انتهاء الحرب على العراق في وقت سابق من هذا الشهر على تحسن معنويات المستهلكين، الا انه لم يتأكد بعد اذا ما كانوا سيبدؤون في التوسع في الانفاق. وقال جويل ناروف رئيس ناروف للمستشارين الاقتصاديين في هولندا ولاية بنسلفانيا الاميركية: "الآن بعد انتهاء الحرب من المهم ان نتطلع للمستقبل. إذا رأينا زيادة في انفاق المستهلكين فيما تبدأ الشركات في الاستثمار وتوظيف عمال فيمكننا ان ننحى باللائمة على الحرب ونواصل الانتعاش. ولكن اذا كان التباطوء نتيجة عوامل اساسية فربما نتعرض لأزمة". وعلى رغم احجام المستهلكين الى حد كبير عن انفاق الاموال على عطلات باهظة التكاليف وارتياد المطاعم فإنهم يواصلون الانفاق في سوق الاسكان، اذ ربما سيجتذبهم استقرارها في الوقت الذي تتراجع فيه اسعار الاسهم. واظهر تقرير اجمالي الناتج المحلي ان الاستثمار في مجال الاسكان زاد 12 في المئة في الربع الاول. وقال تقرير منفصل لوزارة التجارة انه في آذار الماضي استغل الاميركيون ضعف اسعار الفائدة وأقبلوا على شراء منازل جديدة بمعدل سنوي مقداره 1.012 مليون وحدة، ويفوق ذلك معدل المبيعات المتوقعة عند 898 الف منزل. إلا أن تقرير الاتحاد الوطني لوسطاء العقارات سجل انخفاضاً في مبيعات المنازل القديمة للشهر الثاني على التوالي في آذار. وانخفضت مبيعات المنازل القديمة 5.6 في المئة الى معدل سنوي مقداره 5.53 مليون وحدة مقارنة بتوقعات عند 5.77 مليون وحدة. وستكون هذه البيانات الاخيرة الخلفية لشهادة رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الاميركي الن غرينسبان أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب يوم الاربعاء المقبل. ويترقب المحللون اي تلمحيات من غرينسبان لاحتمال خفص اسعار الفائدة لتنشيط الاقتصاد. وخفض البنك المركزي كلفة الاقراض 12 مرة خلال العامين الماضيين. ومن المقرر ان تجتمع لجنة السياسات في البنك المركزي في السادس من أيار مايو المقبل، إلا أن معظم المتعاملين في حي المال في نيويورك وول ستريت يراهن على الابقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. وشهد الربع الاول من السنة الجارية نمو الانفاق الاستهلاكي بنسبة 1.4 في المئة وهي اقل زيادة منذ الربع الثاني عام 2001 وسط أحدث موجة ركود. وأضر تراجع مبيعات السيارات بالانفاق، كما اشارت تقارير الى ان الاحوال الجوية السيئة أدت الى تراجع عدد زيارات المستهلكين لمراكز التسوق عما هو متوقع، كما ان الحرب أدت الى تراجع الانفاق على الخدمات فيما تضررت السياحة والسفر. وتراجع استثمار الشركات بنسبة 4.2 في المئة والانفاق على المعدات وبرمجيات الكومبيوتر 4.4 في المئة، وهو أشد انخفاض منذ الربع الثالث عام 2001. وانخفض الانفاق الدفاعي بشكل مفاجى بنسبة 1.5 في المئة وحدث ذلك حتى فيما كان البنتاغون وزارة الدفاع الاميركية يرسل آلافاً من القوات وشحنات الاسلحة للشرق الاوسط. وترجع هذه المفارقة الى ان قياس اجمالي الناتج المحلي يتحدد بحجم الانتاج ومن ثم يتضمن الانتاج الاقتصادي فقط الاسلحة التي يجرى انتاجها وتسليمها في الربع الاول. ولم يدرج ضمنه الدبابات والسفن والذخائر التي سحبت من المخزون. ومن المرجح ان ينتعش الانفاق الدفاعي بافتراض ان وزارة الدفاع ستعوض السحب من المخزون. وفي اطار الانفاق الحذر، استورد الاميركيون سلعاً اقل، ما دعم اجمالي الناتج المحلي، إذ أن شراء كميات كبيرة من السلع المستوردة من دول اخرى عادة ما يقلص النمو. اوروبا واليابان قال مسؤول في وزارة الخزانة الاميركية ان اوروبا ستكون سعيدة الحظ اذا تجاوز معدل النمو الاقتصاي فيها واحداً في المئة هذه السنة وان النشاط الاقتصادي في اليابان سيسجل معدل نمو اقل من ذلك. وفي حديث لشبكة "سي ان بي سي" قال ريتشارد كلاريدا مساعد وزير الخزانة للسياسة الاقتصاية يوم الاول من أمس ان النمو البطيء في بقية انحاء العالم احد اسباب التباطؤ الاقتصادي في الولاياتالمتحدة. وأضاف: "في واقع الأمر فإن ركود قطاع كبير من الاقتصاد العالمي احد العوامل الحقيقية لتباطؤ النمو في الولاياتالمتحدة. سيكون من حسن الطالع ان تسجل اوروبا نسبة نمو اكثر من واحد في المئة وربما يكون ابطأ في اليابان. كما لا ينمو سريعاً كثير من الاقتصادات الصاعدة التي كانت تصدر كميات كبيرة للولايات المتحدة في الماضي". وزاد كلاريدا ان امكانيات النمو للاقتصاد في الولاياتالمتحدة على المدى الطويل تبلغ 3.1 في المئة. وتابع: "نعتقد ان نسبة 3.1 في المئة هي المحتملة على المدى الطويل. ولكننا نريد بكل تأكيد معدل نمو اسرع من ذلك على المدى القصير مع بلوغ معدل البطالة 5.8 في المئة". الشركات الاميركية أثار الوضع القاتم للمؤسسات والشركات الاميركية، التي تعتبر مفتاحاً لانتعاش الاقتصاد الاميركي، قلقاً وحيرة لدى مسؤولين في مجلس الاحتياط الفيديرالي، اعربوا الاسبوع الماضي عن شكوكهم بتحقيق قفزة فورية على رغم انتهاء الحرب على العراق. وقال حاكم مصرف الاحتياط الفيديرالي بن برنانك: "من الواضح ان تياراً من التشاؤم يسود منذ بعض الوقت لدى رؤساء الشركات". واعتبر "ان اكثر ما يثير قلق المسؤولين عن السياسة النقدية في هذا التشاؤم هو عدم قدرتنا على تحديد أسبابه". وتسأل: "اهو انعدام الثقة الجغرافيا السياسية؟ ام انعكاسات الفضائح المالية التي شهدها العام الماضي؟ ام الشكوك حول ربحية التكنولوجيات الحديثة؟". وفي نظر رؤساء الشركات فإن الفترة الحالية ليست فترة مريحة. ويثير ضعف الاقتصاد حالياً قلق رؤساء الشركات اكثر مما كان يثيره منذ ستة شهور، وفق تحقيق اجرته الطاولة المستديرة للاعمال بزنيس راوند تيبل، التي تضم المديرين العامين الاميركيين، ونشر في منتصف نيسان الماضي. أظهر هذا التحقيق ان تسعة في المئة فقط من رؤساء الشركات تراهن على نمو العمالة خلال الشهور الستة المقبلة. وظهر مجدداً ضعف ثقة رؤساء الشركات في ارقام النمو للفصل الاول، اذ سجلت استثمارات الشركات انخفاضاً وتراجعت بنسبة 2،4 في المئة، وهو تاسع تراجع خلال عشرة شهور. ويمكن ان يتحول التشاؤم إلى احجام عن التوظيف، والأرقام في هذا المجال حاسمة، اذ خسر الاقتصاد الاميركي 500 الف فرصة عمل في شباط فبراير وآذار مارس الماضيين. وما يزيد من أهمية المسألة هو امساك المؤسسات بزمام استعادة النشاط الاقتصادي فيما يطلق المستهلكون مؤشرات متناقضة. إذ سجلت نفقات الاستهلاك ارتفاعاً ضئيلاً في الفصل الاول لتصل الى 7،1 في المئة مقابل 4،1 للفصل السابق. وقال سونغ ون سون المحلل في مصرف "ويلز فارغو" ان المستهلكين منهكون وسيؤثر ذلك في الشركات. وقال سال غواتييري من مجموعة "بي ام اف جي" المالية ان مؤشر ثقة المؤسسات يجب ان يسجل قفزة لنكون على ثقة بأن وتيرة استعادة النشاط الاقتصادي ستكون سليمة ومتينة. يشار الى ان الحرب على العراق والمخاوف من الارهاب اعتبرت خلال الشهور الماضية من ابرز عوامل تفسير شلل المؤسسات. لكن رئيس مصرف الاحتياط الفيديرالي في شيكاغو ميكايل موسكو لفت الى ان ما ظهر خلال الاشهر الاخيرة يثير القلق من ان تكون هذه الاسباب قد اخفت مصدر ضعف اساسي في قطاع المؤسسات. وأقر وزير الخزانة الاميركي جون سنو بذلك شخصياً عندما اكد "وجود نقاط ضعف في قطاع المؤسسات"، خصوصاً بسبب لجوء بعضها الى عمليات تفوق قدراتها. وفي المقابل رأى موسكو ان تردد المؤسسات في الاستثمار والتوظيف يوحي بأن أسس الاقتصاد ليست صلبة كما يجب ان تكون، لافتاً الى انه لايمكن توقع نمو ملحوظ قبل الفصل الثاني من السنة الجارية. ولخص بعض المحللين ابرز نقاط الضعف البنيوية بمستوى عجز الموازنة المرتفع والمستوى القياسي للحسابات الجارية. وقال سون: "اجلاً او عاجلاً قد يؤدي هذا الى انخفاض قيمة الدولار انخفاضاً كبيراً، وسيتبعه ارتفاع التضخم ومعدلات الفوائد".