تشهد سوق الذهب في مصر حال ركود لم تشهدها من قبل، من بين أهم اسبابها تحرير سعر الصرف الذي أدى الى ارتفاع سعر غرام الذهب الخام عيار 21 من 54 جنيهاً إلى 62 جنيهاً، اضافة الى زيادة كلفة المصنعية والدمغة، فيما ارتفع سعر الغرام عيار 24 الى 71 جنيهاً وعيار 18 زاد من 16،46 الى 53 جنيهاً. وتزامن تحرير سعر الصرف مع حرب العراق وتدهور الاوضاع الاقليمية، ما أثّر سلباً في السوق، وبمجرد ظهور نوايا الحرب زاد إقبال المؤسسات الكبرى في العالم على شراء الذهب الذي قفز سعره فوق 370 دولاراً للاونصة في الفترة السابقة للحرب، علماً انه تراجع خلال اليومين الماضيين الى نحو 330 دولاراً للاونصة. وتأثر سعر الذهب في السوق بعاملين رئيسيين هما سعر الدولار وسعر الذهب الخام عالمياً، ما يعني ان اسعار الذهب في مصر ارتفعت بالقيمة نفسها نتيجة انخفاض الجنيه أمام الدولار، وهي نسبة تقارب 30 في المئة. وأدى ذلك الى تراجع القوة الشرائية في السوق ولم يعد أمام العائلات سوى تدبير حاجاتها اليومية من دون النظر الى المستقبل، ما أدى الى تغير في مزاج المصريين في شأن اقتناء الذهب واعتباره أماناً اجتماعياً للزوجة، أو ما يسمى ب"الشبكة". لا يمكن توقع انتعاش سوق الذهب في مصر في المرحلة المقبلة من دون النظر الى بقية القطاعات، ما يعني ان انتعاش سوق الذهب رهن بانتعاش الاسواق الاخرى التي تئن تحت ضغط مشاكل عدة بسبب عدم ضبط السوق على رغم المبادرات الايجابية. وبالنظر الى وضع السوق حالياً هناك ضرورة لتعديل اسلوب التعامل في مصر مع الذهب لتحقيق النجاح في تنمية هذه الصناعة، فمعظم دول العالم تتعامل مع الذهب على أساس أنه نوع من النقود أي احدى العملات ذات السعر المعروف، وبالتالي فإن أي اضافة كبيرة للرسوم عليها أو المبالغة في اجراءات فحصها عند دخولها الى مصر، خصوصاً الخام منها تؤدي الى ضياع في الوقت وارتفاع كبير في الكلفة. ومراعاة هذا العنصر أمر أساسي لنجاح الصناعة في البلاد، وهي صناعة لديها امكانات وطاقات انتاجية ضخمة، ما يعني ان المبالغة في فرض الرسوم عليها في مصر تؤدي الى تراجع كبير في حجم نشاطها، فسبيكة الذهب وهي الخامة الرئيسية للانتاج، تحمّل برسوم كبيرة بمجرد دخولها الى مصر، ويشمل ذلك خدمات جمركية ودمغة بحيث تراوح قيمة ما تتحمله سبيكة الذهب زنة كيلو غرام واحد ما بين 800 الى 1000 جنيه. واذا اضيف الى ذلك رسوم ضريبة المبيعات نجد أن كل غرام من الذهب عيار 18 مثلاً يتحمل نحو 5،2 جنيه وذلك قبل اضافة أي رسوم اخرى مثل قيمة الذهب وسعر المصنعية. ويشجع تحميل الصناعة المحلية أعباء مرتفعة أحياناً على التهريب وعمليات الغش، وأدى ذلك كله الى توقف العديد من مصنعي الذهب عن العمل وتراجع كبير في حجم انتاج العديد من المنتجين الآخرين الملتزمين بالنظم والقواعد. أما بالنسبة للتصدير فإن ذلك أمر بعيد في ظل الظروف الحالية خصوصاً بالنسبة لفرض رسوم أخرى إضافية، غير التي سبق ذكرها وضريبة مبيعات يصعب استردادها. كما أنه اذا قارنا هذا الوضع مع الوضع في سوق الذهب في دبي مثلاً، نجد أن الصانع هناك لا يتحمل أي رسوم مماثلة على الاطلاق. والحل، يقول العاملون في السوق ببساطة هو تخفيض هذه الرسوم في مصر لتصبح واقعية ومناسبة. واللافت أن الأسر المصرية كانت حريصة على شراء الشبكة من المشغولات الذهبية. ويسري ذلك على المواطنين محدودي الدخل ومن الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة ويرجع ذلك الى اعتبار ان الشبكة ليست مجرد مظهر للتفاخر بل صندوق ادخار للأسرة المصرية يستخدم في أوقات الطوارئ عند حدوث أي مشكلة تواجهها مثل المرض أو مصاريف التعليم وغيرها من الظروف الطارئة. أما بالنسبة للطبقات ذات الدخول المرتفعة فإن النظرة للشبكة تختلف نسبياً، إذ يكون التركيز في معظم الاحيان على مواصفات معينة للشبكة كالماس مثلاً باعتبارها وسيلة لإظهار المقدرة المالية للمشترين. ويلاحظ الجميع انه بسبب انخفاض حجم السيولة المتاحة لدى العديد من المواطنين، نتيجة الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وخصوصاً الشباب الراغبين في الزواج، فإنهم يضطرون بسبب اولويات اخرى كتوفير ثمن الشقة مثلاً الى تخفيض المبلغ المخصص لشراء الشبكة، ما يؤدي الى تخفيض حجم الشبكة ونوعيتها. وهذه الصعوبات كلها ادت الى تخفيض حجم الطلب على الذهب وبالتالي فإن عمليات تصنيع الذهب في معظم المصانع والورش التي تنتج المشغولات الذهبية انخفضت ومن ثم اضطرت هذه المصانع والورش الى تخفيض فترات العمل، بل وأغلقت كثيراً من هذه المصانع. في الوقت نفسه لا بد من إعادة النظر في ضريبة المبيعات التي تطبق على 20 في المئة فقط من التجار، اذ ينبغي تطبيقها على الجميع، اضافة الى ان تطبيقها يتم بصورة خاطئة. الأمر نفسه ينطبق على الضريبة العامة وهي مؤثرة بدرجة كبيرة والمفروض أن يضع المسؤولون قيمة صحيحة لضريبة الدخل بالنسبة لقطاع المجوهرات، وبالتالي لا يضطر بعض التجار الى الكذب على الحكومة، ما يعني ضرورة وجود تقدير حقيقي للأرباح بالنسبة للضريبة العامة التي يتم تحصيلها من أرباح التجار. على أي حال وعلى رغم الركود غير المسبوق حالياً والمشاكل التي يعاني منها القطاع، هناك توقعات بانفراجة قريباً ينتظرها الجميع.