شباب في مقتبل العمر، يغرقون في البطالة، لا شغل لهم سوى التسكع بانتظار صيد فرصة عمل عابرة قد لا تكفي لسد رمق يوم أو لشراء جرعة مخدرات... يقابلهم أجساد تتلوى وتوحي... وتسد فراغ الأعين. هذه هي المعادلة التي أنتجت سلسلة من الجرائم طاولت أخيراً سبع نساء إيرانيات في ضواحي مدينة "أراك" الى الجنوب من طهران. وتأتي هذه السلسلة بعد حالتين4 سابقتين، واحدة في طهران، قبل نحو ست سنوات، وأطلق على بطلها اسم "خفاش الليل" الذي كان يخطف الفتيات والنساء من شوارع المدينة ثم يقوم بالاعتداء عليهن وقتلهن، ومن ثم يرميهن في أماكن متفرقة من المدينة حتى الآن لم يعلن عن العدد الدقيق لضحاياه. والأخرى في مدينة مشهد القريبة من الحدود الأفغانية، قبل نحو سنة ونصف، وراح ضحيتها ست عشرة فتاة في أكثر عمليات القتل المتسلسلة إثارة للرعب بين سكان المدينة. وقد أطلق على الفاعل اسم "العنكبوت" وباتت جرائمه تعرف بالقتل العنكبوتي. في البطاقة الشخصية للشخصين المتورطين في آخر سلسلة، والتي أعلنتها الشرطة الإيرانية أخيراً، نقرأ عن الأول: الاسم "أبو طالب"، عمره 31 سنة، من أهالي منطقة "استانة شازند" التابعة لمدينة "أراك"، عاطل من العمل يقوم بأعمال يومية لكسب بعض المال، متزوج وله ثلاثة أولاد، لا يملك أي سابقة جنائية. وعن الثاني: الاسم "يزدان"، عمره 32 سنة، كان متزوجاً، طلق زوجته بسبب خلافات عائلية تعود الى البطالة، وله ولدان، اعتقل مرة واحدة بتهمة السرقة. وعندما جاء "أبو طالب" الى مدينة أراك سعياً وراء فرصة عمل يكسب بها دخلاً يساعده على العيش، استطاع ايجاد عمل في ورشة لتصليح البرادات، ومن هناك، كان يرافق صاحب الورشة في جولاته على منازل الزبائن لتصليح أعطال براداتهم في المنازل داخل المدينة وخارجها، وهي الفرصة التي مكنته من التعرف على عدد من ضحاياه وقرر سرقتهم وقتلهم من بعد ذلك. وإضافة الى هذا العمل، كان "أبو طالب" يقوم بوضع "بسطة" في سوق بيع الأشياء العتيقة والمتفرقة، وهناك تم التعارف بينه وبين "يزدان" واتفقت الإرادتان على القيام بأعمال السرقة والقتل من أجل الحصول على اللذة والمال. أما الضحايا السبع، فكانت اثنتان منهما مطلقتين وتعيشان في بيوت خاصة، أما الخمس الاخريات فكن متزوجات ولهن أولاد وينتمي أكثرهن الى عوائل لا تتمتع بوضع مالي جيد. القبض على القاتلين ويقول اللواء "روحي" قائد شرطة المحافظة المركزية في إيران ان الشك بدأ يحوم حول المتهم الأول "أبو طالب" بعد أن اكتشفت الشرطة جثة امرأة تدعى فاطمة تبلغ من العمر 47 عاماً، على الطريق الدائري للمدينة بالقرب من محطة النقل الرئيسة. وعندما أفاد أحد الشهود بأنه شاهد المرأة برفقة أحد الأشخاص قبل يوم من الحادث بالقرب من منزلها الواقع في ضاحية شازند في أراك، قرر فرع التحريات وضع منزل القتيلة تحت المراقبة السرية علّ الأمر يساعد في الوصول الى الجاني، خصوصاً أن القتيلة كانت تعيش وحيدة في منزلها. ولم يطل انتظار الشرطة طويلاً، ففي اليوم الثاني لاحظ أحد أفراد فرقة المراقبة أن شخصاً يحوم حول المنزل بحذر شديد، فأبلغ زملاءه الذين لم ينتظروا كثيراً إذ أن الشخص دخل خلسة الى منزل القتيلة، فتدخل عناصر الشرطة وألقوا القبض عليه. بعد محاولته التملص من التهمة الموجهة له وإنكار معرفته بالقتيلة، واجهته الشرطة بما كان لديها من معلومات ومستندات ساعدت في الكشف عنه وتثبيت التهمة عليه، فأسقط بيده، وبدأ مسلسل اعترافاته. وقال انه عندما ذهب الى بيت "فاطمة" لتصليح براد منزلها، استطاع أن ينسج معها أواصر الصداقة. أضاف المتهم: "كان وضعها المادي جيداً، وحاولت أن أحصل منها على بعض المال باستغلال هذه الصداقة، وفي أحد الأيام طلبت أن تستخدمني مع السيارة التي كانت معي كسائق تاكسي طوال اليوم، وأن أنقلها الى المدينة لأنها تريد شراء ذهب من أحد متاجر المجوهرات لأنها كانت مغرمة بهذا النوع من الأشياء التي كانت تقتني منها الكثير، ما وسوس لي بقتلها، لذلك توقفت على الخط الدائري، وبسرعة عمدت الى لف غطاء رأسها حول عنقها ثم بدأت بالضغط وهي تصرخ وتترجاني ألا أقتلها، لكنني استمريت بفعلي الى أن همدت بلا حراك، بعد ذلك نزعت ما في معصميها وأصابعها من حلي وأخذت ما في حوزتها من مال ورميت جثتها الى جانب الطريق وغادرت المكان بكل هدوء. ثم بعت 13 إسوارة كانت لها في السوق". وقال "أبو طالب" انه "بعد الحادث بيوم واحد، وأثناء مروري من ذلك المكان، شاهدت رجال الشرطة والأهالي، فعرفت أنهم اكتشفوا جثة فاطمة". هذه الجريمة، وان كانت الأخيرة في هذا المسلسل، إلا أنها شكلت بداية الخيط للكشف عن مرتكبها ومرتكب جرائم أخرى استطاعت الشرطة والتحريات أن تجد بينها قاسماً مشتركاً هو أن عمليات القتل السبع تمت بطريقة واحدة: الخنق بغطاء الرأس. لذلك ضاعف المحققون الضغط على "أبو طالب" علهم يصلون الى حل أسرار الجرائم الأخرى التي كان بدأ اكتشافها قبل نحو عامين وصولاً الى آخر شهر كانون الثاني يناير من هذا العام. وقد أثمرت جهودهم، خصوصاً انهم كانوا يسعون الى معرفة ما إذا كان له شركاء. واعترف "أبو طالب" في البداية بالمسؤولية عن ثلاث جرائم أخرى، أما الجرائم الثلاث المتبقية فكان الفاعل فيها شريكه يزدان. وعندما سمعت الشرطة بالاسم الجديد، بدأت تحقيقاتها، التي ساعدتها في الوصول الى منزل والدة الفاعل التي أرشدت رجال الأمن الى مكانه بعد أن تم التحقيق معها. وبعد اعتقاله، حاول يزدان انكار التهم الموجهة اليه، لكن وبعد اجراء مقابلة بينه وبين "أبو طالب" أقر بارتكابه الجرائم الثلاث الأخرى. وهو ما ولد الاعتقاد لدى الشرطة بأن يكون عدد اللاتي قتلن على أيدي الرجلين يفوق العدد المعلن، لذلك فهي تواصل السعي الى الحصول على المزيد من المعلومات منهما. وقال المتهمان انهما لم يعانيا من أي تأنيب للضمير من عمليات القتل التي قاما بها، وأضاف "أبو طالب" انه كان ويزدان يتمتعان ببرودة أعصاب عالية، "لا نعلم كم هو عدد الأجساد التي اكتشفتها الشرطة وما هو عدد تلك التي أكلتها الحيوانات في البراري". وزاد انه في أثناء عملية القتل لا يستعمل عقله أو فكره أبداً. وروى يزدان إحدى عمليات القتل: تعرفت في أحد الأيام على امرأة متوسطة العمر كانت حصلت على الطلاق من زوجها منذ مدة وتعيش بمفردها، وكانت تملك مجوهرات وذهباً كثيراً إلا أنها تمتاز بالبخل الشديد لدرجة أنها ترفض أن تصرف فلساً على أحد. وفي أحد الأيام قررت أن أتخلص منها، قلت لها انني وجدت لها رجلاً غنياً يسكن في إحدى المناطق القريبة من المدينة. وعلى استعداد للزواج منها، واستطعت بذلك أن أسحبها الى خارج المدينة وفي أثناء الطريق الخالية تحينت الفرصة وعمدت الى لف غطاء رأسها على عنقها وقتلتها ثم أخذت ما في حوزتها من مجوهرات وبعتها لاحقاً. وبحسب اعترافات يزدان و"أبو طالب" فإن أول ضحية لهما كانت سيدة باسم كوكب كارجاني 48 سنة حملاها تحت التهديد بالسيارة الى أحد الطرق البعيدة، وقتلاها "على رغم مقاومتها الشديدة". أما "الصيد الثاني" فكان سيدة باسم أكرم عبدي وتبلغ من العمر 45 سنة، استطاع يزدان أن يقنعها بأنه وجد لها شخصاً على استعداد للزواج منها في إحدى القرى، ثم عمدا الى قتلها في الطريق. وفي أحد الأيام كان الرجلان يجمعان نوعاً من الأعشاب في البراري القريبة من المدينة "فإذا بفتاة تدعى معصومة جعفري كرمان وعمرها 29 سنة تسألنا عن طريق أحد الأماكن، فما كان منا إلا أن استغلينا الفرصة، جررناها تحت التهديد الى مكان ناءٍ ومن ثم خنقناها بغطاء رأسها". الفريسة الرابعة كانت فتاة اسمها شهربانو جهانكيري وكان عمرها 28 سنة، "وقد تعرفنا عليها عندما نزلت من إحدى السيارات على طريق إحدى الضواحي وسألتنا إذا كان في إمكاننا أن نؤمن لها كمية من الترياق الأفيون، فما كان منا إلا أن استدرجناها الى الصحراء بعد أن صعدت الى سيارتنا، وفي أثناء الطريق وبعد...، بدأت بالصياح والصراخ عندها قمنا بالتخلص منها قبل أن نصل الى المكان الذي كنا ننوي الذهاب اليه". زهرا حسين آبادي وعمرها 29 سنة، كانت الضحية الخامسة في المجموعة، "وقد تم التعارف بيننا عندما كنا نبيع المعلبات أمام أحد المستشفيات، وبعد أخذ ورد، أغريناها بدفع مبلغ مالي كبير في مقابل لذة عابرة و...، فوافقت على الذهاب معنا، فعمدنا لاستدراجها الى خارج المدينة وهناك قتلناها بعد أن قضينا منها وطراً". الهدف السادس لهما كان فاطمة إبراهيمي وكانت تبلغ من العمر 34 سنة، "وقد تم اللقاء بها عند مدخل أحد الأسواق المخصصة لبيع الأشياء القديمة والمستعملة، وأقنعناها بإمكان مساعدتها في شراء ألبسة قديمة، وبعد صعودها الى السيارة، انتبهت الى أننا عمدنا الى تغيير الطريق باتجاه خارج المدينة، فما كان منها إلا أن اعترضت وبدأت برفع صوتها، فهددناها الى أن سكتت، وعند وصولنا الى الصحراء والانتهاء مما كنا نريده منها قمنا بقتلها وتركها هناك". أما الضحية الأخيرة، فكانت المفتاح الذي أوقع بهما في أيدي الشرطة. والى أن يتكشف المزيد من الحقائق، يبدو أن ظاهرة "القاتل المتسلسل" لا تغيب طويلاً عن ساحة الجريمة في إيران.