هناك حيز نتجاهله كما هم يتجاهلونه. وهناك دائماً من هو على استعداد للزج بنا في احدى الخانتين قسراً: "إما مع وإما ضد". وبدأت هذه العقلية تأخذ طريقها جهاراً منذ خطاب الرئيس الاميركي الاشهر جورج بوش امام الكونغرس الاميركي في العشرين من ايلول سبتمبر 2001، وقوله: "اما معنا او ضدنا". فبدا كأن الحيز بين الخيارين من المحرمات، وقد تكون حرمته اشد قسوة من حرمة من اتخذ موقف "الضد". وعندما وجه احد مذيعي قنواتنا العربية سؤالاً لأحد اساتذة العلوم السياسية العراقيين في السادس من نيسان ابريل الماضي، عن رأيه في ما يشاع عن مقتل علي حسن المجيد، الملقب ب"الكيماوي"، وأثر هذا على المقاومة العراقية، اجاب الرجل بكل حزم. لا يجوز في اي حال من الاحوال تجزيء المقاومة للعدوان الاميركي، واختزالها في شخص واحد او اشخاص بعينهم مهما كان هذا الشخص، حتى لو كان الرئيس العراقي نفسه. وقد تمر هذه الجملة كما مرت على مذيع القناة. ولكنها بكل تأكيد ليست بالبلاهة التي استقبلت بها. والشاهد ان العلاقة بين الحيز الذي يتجاهلونه - وهم كثر - وبين ما ذكره الرجل حول المقاومة العراقية وثيقة. وقد تعود بنا الى ما اكدته الحكومة الاميركية، قبل بدء حملتها ضد العراق، عندما اعلنت انها ستدخل العراق حتى لو تنحى الرئيس العراقي صدام حسين. حسناً! فليقبل الاميركيون اذن المقاومة العراقية الباسلة ضدهم، كونها دفاعاً مشروعاً ضد اعتداء غير مشروع على اراضيهم. وهم بذلك لا يدافعون عن نظام صدام، فهم ليسوا معه، غير انهم على رغم هذا ليسوا مع القوات الغازية. وهذه العلاقة، على رغم بساطتها، تبدو معضلة ومستحيلة الحل. وليس ادل على هذا عدم قدرة المسؤولين الاميركيين على تمييز هذا الحيز حتى بين صفوف افراد شعبهم. في تظاهرة اوكلاند، في كاليفورنيا، استخدمت الشرطة الاميركية ذخيرة مطاطية وخشبية في وجه المتظاهرين، اسفر عن 12 اصابة، والمتظاهرون لم يبدوا تحركات استفزازية. وتصرفت الشرطة بناء على توجيهات. كذلك حال الصحافيين الذين ارادوا التعامل مع الحوادث بمهنية، والتحرك في المساحة التي يتعمد الحكام تجاهلها. فكان ان اصابتهم لعنة هذا الحيز. السعد عمر المنهالي [email protected]