"مع ان بعض تلك الوقائع جرى منذ سنوات، فالساحة لم تتغير البتة، كما ان اللاعبين ما زالوا على حالهم يستخدمون الأساليب نفسها ويخوضون المباريات نفسها". كان هذا رأي الاعلامية رندة الخالدي في كتابها "امرأة ذات قلب" الذي تحكي فيه تجربة امرأة عربية في عالم الديبلوماسية والإعلام، غيرت رأيها اليوم لتقول: "ما نشهده اليوم مختلف تماماً عما خبرناه، وحربنا الاعلامية لم تعد مجدية". في كل منصب كانت تشغله من التدريس في الجامعات السورية واللبنانية، الى العمل مذيعة وصاحبة برامج في اذاعة دمشق، ومن ثم تبوؤ رئاسة تحرير مجلات انكليزية عدة وصولاً لادارة مكتب الجامعة العربية للإعلام في نيويورك. أكدت عروبيتها وايمانها بالقضية وفهمت لعبة الإعلام الأميركي واستفادت من قوانينه، لكنها تسأل اليوم: ماذا فعلنا؟ وما الذي سنفعله؟ معركتنا ليست إعلامية ركّزت رندة الخالدي ومن معها على الاعلام المرئي، متنقلين بين المحطات التلفزيونية الأميركية، للحديث والدفاع عن العرب والحق الفلسطيني، لكنها اليوم تؤكد ان "معركتنا ليست إعلامية. سابقاً لم نكن نتبارى مع الزمن، نستغل أي محاضرة أو برنامج لتثقيف الأميركيين بحضارتنا وتاريخنا وفلسفتنا وفنوننا... اليوم وبعد حرب العراق أصبح التدخل الأميركي مباشراً، حدودنا أميركا، وحاكم أميركي في بلد عربي...". لم يعد اعلامنا مجدياً، لكن ما هو البديل؟ ترى رندة حلاً وحيداً يستخدمه اليهود في مثل هذه الظروف، وهو التأثير في الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض ومواجهة أصحاب القرار وصانعيه باستخدام الأميركي ذي الأصل العربي الذي يستطيع التحدث بلسان عربي وأميركي في الوقت نفسه. لا يعني هذا محاربة أميركا للإعلام العربي، لكنها تمتلك وسائل للرد أو التشويش. وتعلق الخالدي على ذلك بقولها: "اختبرت حرية العمل في أميركا، لا حدود توقفهم أو ضوابط، لكننا اليوم ولأول مرة في التاريخ لا نشعر بحرية إعلامهم، هناك رقابة إما لتعليمات موجهة، أو لأسباب نفسية ارتأتها الشركات القائمة على العمل، كل ما صورته التلفزيونات العربية لم نره على CNN مثلاً، وإن عرضت جثة طفل فتقابلها جثة جندي أميركي... استفاد الإعلام من تغير العقلية الأميركية بعد 11 أيلول سبتمبر، فقد جُرحوا. وقتلوا في بلادهم، ولم يعودوا يفرّقون بين بن لادن وبين العرب...". ومن خرج للتظاهر ضد الحرب منهم كان إما من أصول عربية أو من حركات سلمية أو غير ذلك. لم يستطع الاعلام العربي في الخارج فعل أي شيء حيال الحس الانتقامي الأميركي بعد أحداث أيلول، فماذا عن الإعلام في الداخل؟ ترى رندة الخالدي جرأة جديدة في نقل الكاميرا للأحداث، لكننا كما أضافت: "ما زلنا واقعين في المطب نفسه، نصوّر نفسنا كضحية في أجواء جنائزية، من قال اننا نريد رؤية الجنازات فقط، ربما برعت مي مصري في نقل الحياة الحقيقية للشعب الفلسطيني في أفلامها، ما أثر في العربي والأميركي أيضاً، لكن كل ما نفعله هو نقطة في بحر". ربما حوّل الإعلام العربي أحداث الحرب الى برنامج ترفيهي مؤثر نتابع أحداثه، يتلاعب بعواطفنا من دون ان يقدم أي تحليل منطقي أو علمي، ابتسمت الخالدي معلقة: "لا أدري هل نقلوا الاحداث بعاطفة، أم نحن من تجاوب بعاطفة، اللوم يقع على الإعلام أم علينا؟". بين الغزو والحرب ربما تلعب سيكولوجية الشعوب دوراً مهماً في كيفية تلقيها للأحداث، يختلف الأوروبي عن الأميركي، والاثنان عن العربي...، لكن ماذا تعني الحرب للأميركي، وهل هناك فرق بين الغزو والحرب أو الاستعمار الكلاسيكي أو الجديد؟ ماذا تركت الحروب القديمة لدى الأميركيين الحرب العالمية الأولى، الثانية، كوريا، فيتنام، ثم حرب صدام... على مستوى الثقافة الأميركية؟ ربما كان الأوروبي أكثر علماً ووعياً بما يجرى حوله، أما الأميركي بحسب قول رندة الخالدي: "فمرجعه الدائم في الحديث عن الحرب هو فيتنام، لم تكن مشرفة له، ونرى انعكاس هذا على الأفلام والقصص والروايات. حرب اليوم هي دفاع عن النفس بالنسبة اليهم، لا فرق بين بن لادن في أفغانستان وبين صدام وكذلك العرب، هم معبأون بروح انتقامية، أما الذاكرة لديهم بالنسبة الى الحروب السابقة فهي قصيرة جداً". وضع اقتصادي لم يدخل الجيل الجديد أي حرب لكن القرن العشرين امتلأ بكتابات أميركية رائعة عن الحروب، لأي مدى يفهم الجيل الجديد ما معنى الحرب ولماذا؟ وهل الفهم متعلق بممارسة الحرب؟ لم ترق الفكرة لرندة إذ لا ضرورة لعيش المأساة كي نحسها. "في أميركا تعلو الروح الوطنية في الأزمات. وترفع الاعلام فوق كل منزل، على رغم ان المواطن غير مسيس، عكس العربي الذي يملك فلسفته السياسية مهما كانت بسيطة وساذجة، كل ذلك أثر في تلقيه، لم يعد يتأثر، يختار ما يريد من القنوات الفضائية وبالتالي فإن انفعاله اختياري، من جهة أخرى أعزو ضعف التأثر الى الاحباط المسيطر والوضع الاقتصادي المتدهور، لا يمنع هذا تأثرنا وحزننا، فما الذي يعرفه الأميركي عن بغداد؟ كنا نركز في إعلامنا على الدفاع عن أنفسنا... مع استثناءات بسيطة، وهنا تعود الخالدي لذكر سينما مي مصري واختلاف ما تقدمه، لكن ماذا تشكل أمام السينما الأميركية التي دخلت الحياة الأميركية للتصدير، وهل استطاع الفن الأميركي فهم سياسته؟ رأت رندة ان الأميركي غير مضطر لذلك عكس اليهودي الذي يربط فنونه دوماً بالوضع السياسي، مشوهاً صورة العربي. لكنها تعتقد بأن السينما الأميركية سببت الضرر لنفسها، أظهرت في بداياتها الحياة الجميلة الرومنسية وأكثرت في ما بعد من العنف من دون ان تأبه لصورتها في الخارج واستهتارها بالحياة البشرية، على رغم محاولاتها اليوم للعودة الى الرومانسية. بين السياسي واليومي استطاعت رندة الخالدي ربط السياسة بالحياة اليومية والعمق الانساني، ربما هي خصوصيتها كامرأة. نادراً ما نرى إعلامية قيادية، تكون أداة للتنفيذ عادة. وإن ظهر نموذج فاعل فلا يستمر، عن هذا سألنا الخالدي فأجابت: "أجهل السبب الحقيقي، لكنني أعتقد بأن المرأة أقدر من الرجل في المجال الإعلامي وتحديداً الدعائي، يجب التركيز عليها فهي تؤنث الصورة وتركز على الحال الانسانية المؤثرة...". لكنها بعد كل إجابة كانت تؤكد ان معركتنا ليست إعلامية، فكيف ترى المشهد الحاضر الآن خصوصاً أنها قابلت بوش حينما كان سفيراً وكشفت آلية تفكيره من جملة وجهها لفتاة يهودية كانت ترافقها محذراً إياها: "انتبهي ان تخطف عقلك كما خطف الفلسطينيون جسدك؟". امتنعت رندة الخالدي عن الجواب وقالت: "أخشى التعبير عن مخاوفي وتشاؤمي، لا أرى أملاً، بل وضعاً مأسوياً متصاعداً، أصبح الوجود الأميركي في المنطقة الآن وفي المستقبل مخيفاً بوجود نظام آت في العراق متحالف مع اسرائيل، استرخينا لسنوات محاولين لعب لعبتهم وتقليدهم لكن هذا لم يعد ينفعنا على الاطلاق". رندة الخالدي امرأة فلسطينية توجهت دوماً للشباب وأشرقت بعيونهم مشجعة اياهم زارعة التفاؤل بنشاطها ونجاحاتها، ويبقى السؤال: هل باستطاعتنا التفاؤل لرؤية هذه النماذج النادرة؟ أم التشاؤم حينما ننظر الى تجاربها وتأثيراتها؟