إحدى صور الانتصار السريع والمرير للأميركيين في العراق، غزوات النهب التي تشاء أن تكمل على ما بقي لأهل البلد من ممتلكات وكرامة أيضاً، لأن صورة العراقي يلطخها "حزب" اللصوص... "حزب" انفلت من عقاله ما أن تهاوى "البعث" تحت وطأة القنابل التي ثبت أنها "ذكية" جداً، بدليل ما لم يكشف بعد من الفصول الدموية الرهيبة للحرب. لا أسوار لبغداد لتحميها من غزوات السلب، بل لم تكن هناك أسوار حين اختفت القيادة التي أسرت شعباً تحت راية شخص، وكان أولى بها أن تستسلم لهذا الشعب قبل أن تطأ أرجل العسكر الأميركي والبريطاني أرض العراق... وإذا قيل ان الجحيم كان حتمياً، ألم يجدر بصدام حسين وقيادته اختزال أرواح من حسابات القتل، على الأقل للتكفير عما ارتكب على مدى 35 سنة؟ لو قاتل هؤلاء وماتوا كما قاوم جنودهم، ربما لم يكن ذلك الجندي الأميركي ليتجرأ على وضع علم بلاده على رأس الرئيس التمثال في قلب عاصمة الرشيد. والنهاية السوداء لقيادة اختارت خطف شعب الى سجن كبير، ستبقى مريرة، خصوصاً لأنها لم تكن على يد العراقي الذي دفع وحده ثمن ثلاث حروب، وآلاف من المعتقلات، ومئات من "الدسائس"، لتبقى ايماءة "الزعيم" في كل حارة وشارع. مريرة ايضاً تلك النهاية، لأنها لطخت وجدان أمة، التبس في وعيها الدفاع عن أرض عربية، ربما باعتها تلك القيادة بصفقة، أو فرّت تاركة الملايين من الناس أمام دبابات الأميركيين وصواريخهم، ومعهم بضع عشرات من المتطوعين العرب، في المصيدة. وقد يكون بعيداً من الانصاف في حق العراقيين القول إن التمثال ذاته لم يسقط من دون عون من الأميركي، لكن الصورة تبقى هي هي، مؤلمة لشعب السجن، ولشعوب ظنت ان الحرب غير العادلة فرصة للعرب لاستعادة شيء من كرامة أهدرتها عقود من العجز، وشعارات التضليل... عقود لتحرير فلسطين، وسنوات عصيبة ل"تحرير العالم" من أميركا!... ولا فلسطين تحررت، بل بلد عربي آخر يدخل النفق الأميركي، فيما مئات الاستشهاديين لا يزيدون صقور واشنطن إلا اصراراً على الاقتصاص من المنطقة، تحت راية فرض الديموقراطية بقوة الصواريخ. انتهت حقبة طويلة من تاريخ شعب وأمة، ما زالت نهباً لصوت القائد الوحيد يدخلها بازار الشعارات، فيما المصالح الحزبية لا تعد إلا بمصير اسوأ، لأنها تنتهي أيضاً عند سوق أكبر، يتلطى خلفه مصير عشرات من "أصحاب" الأحزاب، أي ملاكها. فهل هي الحال في العراق، بعد أن يختفي "حزب" اللصوص؟ لا شيء سيحرر البلد من تركة النظام ومآسيه والصفحات السود، سوى تعلم قادة المعارضة في الخارج والداخل دروس الانقاذ، لأن الامتحان كبير. وكلهم يسمع صرخات استغاثة في بغداد التي استبيحت ليلاً نهاراً بغزو آخر، جعل بعض الذين خالوا ان النصر اكتمل على نظام صدام يذكرون له "مأثرة" حفظ أمن الشارع وممتلكات المواطنين الأبرياء! ... حتى في حضور الجنرال تومي فرانكس و"الحاكم الموقت" جاي غارنر، يمكن قادة المعارضة أن يختاروا تعلم الدرس، لانقاذ البلد من مشاريع الادارات العشائرية التي ستزرع بذور حروب صغيرة بلا نهاية. فايقاظ الروح القبلية العشائرية لا يمكن إلا أن يغذي الرغبة في تقويض أسس الدولة الموحدة، لتنكفئ الطوائف والقوميات على ذاتها. أكثر من ذلك، لن يكون للمعارضة خلاص من نار تفكيك البلد وتشرذمه، اذا تمسكت بأصوات الأشخاص - الرموز في معركة البقاء، وتصارعت على المقاعد والمناصب لتنتهي مستنجدة بالأميركي كقوة "ردع" وحيدة بين الفصائل والأحزاب، الطوائف والمذاهب والعشائر، و"الأقليات". الأقلية الوحيدة في العراق اليوم هي العراق الوطن، فالأميركي انتصر بالقوة، والمعارضة ما زالت مشروع انتصار وستبقى كذلك، الى أن تتمكن من استعجال رحيل الأجنبي، وهزيمة الغرائز والمصالح الذاتية، والثارات المتراكمة. لن تربح في كركوك ولا بغداد ولا الناصرية، إلا إذا انقذت وحدة العراق وأعادته الى شعبه. في هذه الحال فقط لن يؤرخ 9 نيسان ابريل لبداية فصل جديد من الكوارث.