رئيس لجنة مراقبة وقف النار يصل لبنان    وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    بالله نحسدك على ايش؟!    الاستدامة المالية    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب العراق . اقتصادات المشرق العربي الاكثر تضرراً بعد دول الخليج 2 من 2
نشر في الحياة يوم 10 - 04 - 2003

اذا كانت تأثيرات الحرب الدائرة في العراق تتفاوت في منطقة المغرب العربي بين متضرر نسبياً، كما هي الحال مع المغرب وتونس، ومستفيد من "المصيبة" في مثل وضع الجزائر وليبيا، الغنيتان بالنفط والغاز، وحتى البتروكيماويات، الا ان غالبية الدراسات التي اعدتها كبريات المؤسسات الغربية المختصة بتحديد تقويم المخاطر مثل "ستاندرد اند بورز" و"موديز" و"فيتش ريتينغز"، الذي عرض لبعض منها خلال اجتماعات قمة وزراء مال الدول الصناعية السبع الكبرى الذي عُقد في بارس بين 21 و22 شباط فبراير الماضي، ذكرت بأن اقتصادات دول المشرق العربي المتعارف على تسميته ب"الادنى" الذي يضم كلاً من مصر وسورية ولبنان والاردن ستكون الاكثر تضرراً بعد الدول المجاورة للعراق، في طليعتها الخليجية.
على رغم شبه الاجماع حول سلبية الانعكاسات على الدول المذكورة الا انه يصعب التكهن سلفاً بحجم تأثيراتها في كل من القطاعات المعنية. كما لا يبدو أن التقديرات التي صدرت عشية هذه الحرب عن بعض المحللين الماليين او التقارير التي نشرتها مراكز معلومات عربية، او ندوات ومؤتمرات نظمتها مؤسسات رسمية او خاصة كاتحاد المصارف العربية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الأسكوا، او مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، كانت دقيقة الى حد اعتمادها كمراجع يمكن الاستناد اليها كلياً في عملية التقويم المستقبلية.
في هذا السياق يمكن ادراج التصريح "المتسرّع"، حسب رأي المتتبعين لهذا الشأن للخبير الاقتصادي والمالي، للنائب السابق لحاكم مصرف لبنان، مكرديش بولدوغيان، الذي اعتبر فيه أن لبنان يمكن ان يستفيد من ازمة الحرب القائمة، مؤكداً انها ستدفع باستثمارات منطقة الخليج الى السوق اللبنانية.
ويتقاطع هذا التصريح المتفائل مع بعض الاحاديث التي دارت بين مسؤولين ماليين اردنيين ونظرائهم في لجان الاتحاد الاوروبي في بروكسيل في شأن الانعكاسات المحددة لحرب العراق على الاقتصاد الاردني، لان القيمين عليه وضعوا الخطط الاستباقية لاستيعاب الصدمات المتوقعة، بمساعدة الولايات المتحدة الاميركية التي تعهدت بتغطية كل الخسارات التي قد تنجم سواء لناحية الفاتورة النفطية، او المبادلات التجارية والصادرات الى العراق.
لكن المسؤولين الاردنيين لم يقدموا ارقاماً تقديرية تعطي فكرة واضحة للاوروبيين عن حجم المخاطر الاقتصادية، ما يجعل امكانات الدعم المرجوة من عمان صعبة المنال فيما عدا ما هو مقرر في اطار برنامج "ميدا 2"، العائد للشراكة اليورو - متوسطية. ولا تأخذ المؤسسات المالية الدولية البنك وصندوق النقد الدوليان ولا غيرها من صناديق التنمية او دعم الصادرات بجدية الارقام المتناقضة بوضوح التي ينشرها خبراء في الدول العربية المشرقية لناحية فقدان فرصاً استثمارية تقدر تارة بنحو 150 بليون دولار، وتارة اخرى بنحو 220 بليون دولار، واحياناً 350 بليون دولار. توقعات لا تخضع لمقاييس محددة، وبالتالي تأتي خالية من اي صدقية.
الاردن او الحلقة الاضعف
يجزم الخبراء الاقتصاديون بأن الأردن سيكون البلد الاكثر تأثراً بعد العراق بهذه الحرب، فهذا الاخير هو المورّد النفطي الاكيد للمملكة الهاشمية بمقدار 5.5 مليون طن، ما يشكل الارث المكافأة الذي حصلت عليه من دعمها للنظام العراقي في حرب الخليج الثانية عام 1991. وصنف العراق الفاتورة النفطية الاردنية بانها "مكرمة" من الرئيس صدام حسين، اما الباقي فيُسدد وفق ثمن تفضيلي اقل من سعر السوق حالياً، اي ب19 دولاراً للبرميل.
من ناحية اخرى تستوعب السوق العراقية نحو 20 في المئة من مجمل الصادرات الاردنية. ويتعلق الامر بالاساسيات من المنتجات المشتريات في اطار برنامج "النفط مقابل الغذاء" الادوية، المواد الغذائية، الاسمنت والفوسفات، من دون حساب مبيعات الاسواق الموازية القائمة على التهريب عبر الحدود التي تشمل قطع الغيار بمختلف انواعهاً وصولاً الى تجهيزات القطاع النفطي المحظورة عملياً بفعل العقوبات المطبّقة من قبل الامم المتحدة التي تؤمن مداخيل غير منظورة لا يجوز التقليل من اهميتها، وبالتالي من تأثيرها على الدورة الاقتصادية للاردن.
في هذا السياق يشير بعض التقارير المتوافرة لدى المنظمة الدولية، بأن قيمة هذه المداخيل تراوح بين 1.6 و2.2 بليون دولار سنوياً، اذا ما اضيفت اليها المشتقات النفطية المهربة عبر الصهاريج بعلم الجمارك الاردنية، ما تنفيه السلطات الرسمية في عمان جملة وتفصيلاً.
لذا، فان توقف هذه المبادلات مع العراق ستؤدي حتماً الى شلل في عجلة الاقتصاد الاردني الذي يعاني من عجز مزمع لا تسد اجزاء منه سوى المعونات الخارجية، وتتوقع الحكومة عجزاً للعام الجاري في حدود 316 مليون دينار الدولار يساوي 0.709 دينار اردني اي ما يوازي 4.3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي مقارنة ب3.8 في المئة عام 2002.
ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، فالاضرار المحتملة اقتصادياً ليست مرتبطة فقط بحدود الضربة العسكرية، بل بالمدة التي ستستغرقها كذلك بتذبذب اسعار النفط وايضاً، وهو الاهم، باستقرار الحكم الذي سيأتي في حال تغيير النظام الحالي في بغداد.
واذا كانت الحكومة الاردنية اتخذت اجراءات لضمان احتياط استراتيجي من النفط يكفي لمدة معينة، يبقى السؤال: ماذا ستفعل هذه الاخيرة في حال طال امد هذه الحرب اكثر من التوقعات، اذا اخذنا في الحساب أن واردات الاردن النفطية بلغت 413 مليون دينار العام الماضي، اي ما نسبته 12 في المئة من اجمالي الواردات الكلية، وبهدف تفادي ذلك، بادر الملك عبدالله الى القيام بجولة على الدول العربية النفطية طالباً مساعدتها كي يتمكن الاردن من مواجهة مخاطر الازمة الاقتصادية التي تلوح في الافق والحصول على وعد بتغطية فاتورته النفطية، علماً ان ديون الاردن وصلت الى 7.4 بليون دولار نهاية 2002.
واذا كان الاردن سيضطر الى شراء احتياجاته النفطية بسعر السوق، اي بما يقارب 30 دولاراً للبرميل كحد ادنى، فانه يتوجب عليه، ايجاد 800 مليون دولار اضافية وفوراً.
وأمر صعب في ظل المعطيات الدولية الصعبة والركود الاقتصادي في كل مكان ما يعرقل من جهة اخرى كل خططه الاصلاحية التي نسقها مع صندوق النقد الدولي وحصل على وعود بدعم مادي مقابل تنفيذ مراحلها. فالوضع يبدو قاتماً في هذا البلد على رغم تحقيق معدل نمو مقداره 5 في المئة لكن في مقابل ذلك هناك زيادة في عدد السكان بنسبة 2 في المئة تمتص كل الجهود في هذا المجال، ويخشى المسؤولون الاردنيون من ان تؤدي هذه الحرب الى ارتفاع معدلات البطالة التي تشكل نحو 23 في المئة من مجموع القوى العاملة، نسبة اقل من التقديرات الواردة في تقارير الاتحاد الاوروبي التي تشير الى 31 في المئة ما يمثل اكثر بقليل من نصف الفاتورة النفطية الحالية.
القنبلة الموقوتة
ويعتبر هذا الجانب الاجتماعي المقلق بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن ان تهدد الاستقرار الداخلي بغض النظر عن السيطرة الامنية الناجحة حتى الآن. وتجدر الاشارة الى ان احداث مدينة معان في الشهور الماضية كانت بمثابة جرس انذار للحكم في الاردن الذي بات يخشى انتقال العدوى الى العاصمة اذا طال امد الحرب وتدهور الوضع المعيشي.
وفي مواجهة هذه الاحتمالات السلبية، تراهن الحكومة على تدفق المساعدات بحيث تغطي النقص، خصوصاً بعد فقدان الامل بقدوم الاستثمارات الموعودة وتأخر تخصيص قطاعي الفوسفات والاسمنت. ووصول هذه المساعدات في الوقت المناسب، اي خلال هذه المرحلة الصعبة في ظل الحرب، يعتبر من العناصر التي تقطع الطريق على محاولات ضرب الاستقرار.
وكانت عمان تلقت اكثر من نصف المساعدات الاميركية المقررة لسنة 2003 نهاية كانون الثاني يناير اي قبل موعدها، والمحدد ب250 مليون دولار. كما تأمل بان يعطي الاتحاد الاوروبي توجهاته بتحويل اجزاء من ديون بعض بلدانه الى استثمارات بهدف التخفيف من الضغط على مالية الاردن.
مصر: الامتحان الأصعب
وعلى رغم تحضيرها للمناخات السلبية التي يمكن أن ترافق هذه الحرب، لم تتمكن الحكومة المصرية من استيعاب الصدمات الاقتصادية والاجتماعية بالشكل الذي كانت تأمل به. وجاءت الوقائع بالتالي مغايرة الى حد المقارنة مع السيناريوهات الواردة في الدراسات المقدمة الى "مؤتمر" الاقتصاد العربي في ظل التوترات الراهنة الذي نظمه مركز معلومات مجلس الوزراء المصري. ولم تمنع الاجراءات المتخذة من قبل الدولة سواء لناحية جعل نظام القطع أكثر مرونة كي يفي بشروط صندوق النقد الدولي الذي تعهد بتقديم مساعدات مالية سريعة لمواجهة تداعيات حرب العراق التي ستترك تأثيرات خطيرة على السياحة، المصدر الأول للعملات الأجنبية ولا حصول الحكومة على 2.1 بليون دولار كدفعة مبكرة من المعونات الخارجية الاميركية في بداية السنة، أي عشية الحرب، في خفض الضغوطات الحاصلة على مالية الدولة. فالدين العام لا يزال يتجاوز ال90 في المئة من ناتج الدخل القومي وعجز الموازنة مستمر بالارتفاع منذ خمس سنوات ما يجعله مع هذه الحرب يفوق توقعات ال7 في المئة بالمقارنة مع الناتج المذكور.
وتتخوف السلطات النقدية المصرية من أن تؤدي اطالة هذه الحرب أكثر من شهر الى زعزعة الثقة في السوق المالية المصرية التي دخلت في نهاية العام الماضي مرحلة نقاهة مشروطة، وما يترتب ايضاً على الاقتصاد من ارتفاع في أسعار الفائدة بدأت تشعر به الأوساط المالية، فضلاً عن هروب رؤوس الأموال.
وتتخوف الحكومة من انخفاض متوسط معدل نمو الناتج المحلي مع زيادة معدلات البطالة، خصوصاً بعد اغلاق عدد من فروع الشركات الدولية سواء في المناطق الصناعية أو في المناطق الحرة.
وكانت القطاعات الرئيسية للاقتصاد المصري، خصوصاً التجارة الخارجية والسياحية ومختلف الصناعات التحويلية، شهدت قبل شهور قليلة من قيام هذه الحرب تراجعاً في اداءاتها، مترافقة مع انخفاض ملحوظ لايرادات قناة السويس التي من المتوقع أن تنتقل من نقص بنسبة 10 في المئة في بداية شباط فبراير الى 21 في المئة بعد مرور شهر على الدخول في الوضع الاحترابي. ناهيك عن التضخم الذي يقفز معدله بشكل ملفت، في حين تقف الدولة عاجزة عن استيعاب العمالة العائدة بفعل هذه الحرب من دول الخليج تحديداً التي من المتوقع ان تزيد على 100 ألف، يضاف اليها ال20 ألفاً من العراق. ما حدا بالرئيس مبارك لاثارة هذا الموضوع مع العقيد معمر القذافي خلال لقائه بهذا الأخير في شرم الشيخ. كما طلب منه أيضاً، حسب المعلومات، وديعة جديدة بقيمة 200 مليون دولار، لمواجهة كل الاحتمالات الأخرى.
وبدأت مصر تعاني أيضاً من تباطؤ استثمارات الشركات الاجنبية، وتراجع البعض الآخر عن التزاماته في هذا المجال. ولم تحصل القاهرة من الولايات المتحدة الاميركية خلال زيارة جمال مبارك على رأس وفد رفيع الى واشنطن، سوى على وعد بالالتزام ببرنامج المعونات المقرر سابقاً من دون أية زيادة نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها اميركا من جهة، والى ضخامة كلفة هذه الحرب. في هذا السياق، لا تتردد مصادر حكومية مصرية بالاشارة الى أن مصر قد تخسر فرصاً استثمارية بقيمة ثمانية بلايين دولار سواء أكانت هذه الحرب قصيرة الأجل أم متوسطة.
سورية ولبنان: تداعيات مقلقة
لا يقل التخوف السياسي عن التخوف الاقتصادي بالنسبة الى سورية، حسب ما تؤكده المصادر المطلعة في هذا البلد. فإذا كانت مالية هذا البلد لا تدعو للقلق، إلا أن حجم خسارة السوق العراقية تشكل ضربة للاقتصاد السوري الذي يتكل منذ اعوام عدة على العائدات منها ليصحح غالبية موازينه. ومع حديث الأوساط الاقتصادية السورية عن عائدات من التجارة تبلغ 1.5 بليون دولار، تفيد المصادر العراقية بأنها تجاوزت بليوني دولار في بداية العام. أما في ما يتعلق بأنبوب النفط الشهير الذي يصل الحقول العراقية مع بانياس، فإن خسارته ستشكل ضربة قوية للاقتصاد السوري وتعيد الوضع الصعب الى المربع الأول.
ومن المتوقع أن يعاني الاقتصاد السوري من جراء هذه الحرب من زيادة في انحسار المساعدات الخليجية في أحسن الحالات؟ علماً أن دولاً مثل الكويت توقفت كلياً منذ فترة عن تقديم الدعم للاقتصاد السوري بسبب انفتاح دمشق المتزايد على العراق. وتخشى الحكومة السورية من جهة أخرى أن تؤثر هذه الحرب في تدفق السياح اليها كما كانت الحال في نهاية العام الماضي والشهرين الأولين من سنة 2003.
من ناحية أخرى، تجدر الاشارة الى أن الحملة الترويجية التي قامت بها الحكومة منذ شهور لجذب قسم من ودائع المتمولين السوريين في الخارج لم تعط ثمارها كما كان مرجواً، فالتأزم الحاصل في المنطقة والتهديدات التي تتعرض لها سورية من اسرائيل، والمترافقة مع ضغوطات اميركية واشاعات عدة، أدت الى فرملة هذه العملية.
كما ولا تعلق سورية الكثير على وعود شركة "لوك أويل" الروسية للتنقيب في حقولها طالما لا تريد هذه الأخيرة الاستثمار الفوري بالعملات الصعبة. باختصار يمكن القول أن الاقتصاد السوري القائم أساساً على التقشف والمتمسك حتى الآن بنظام الاقتصاد الموجه على رغم الانفتاح الجزئي لبعض قطاعاته، قادر على الصمود ولفترة على رغم تلقيه الخسارات من جراء فقدان سوق باتت أساسية لتوازنه، مثل السوق العراقية.
أما بالنسبة للبنان، فإن هذه الحرب ستخفض توقعات نموه الضعيفة أصلاً. فتراجع التبادل التجاري بين لبنان والعراق البالغ نحو 450 مليون دولار سنة 2002، نتيجة حدة التنافس والتي تمثل 45 في المئة من اجمالي الصادرات اللبنانية، سيزيد مع هذه الحرب، وربما يؤدي الى وصوله الى نقطة الصفر. ما سيؤدي بالعديد من المصانع لاغلاق أبوابها واللجوء لسيل من التسريحات العمالية، ما يزيد في حجم البطالة القائمة.
وسبق لجاك صراف رئيس اتحاد الصناعيين اللبنانيين أن حذر من خطورة هذا التحول نتيجة الحرب، وبالتالي تضرر الصناعات اللبنانية المخصصة للسوق العراقية التي تقدر قيمة استثماراتها ب150 مليون دولار، ناهيك عن تعرض استثمارات اللبنانيين في العراق لخسائر جسيمة.
من جهة أخرى، ستؤدي قيام هذه الحرب من دون أدنى شك الى تجميد كل مشاريع الدولة، بدءاً بتخصيص بعض القطاعات الرئيسية التي كانت الحكومة الحريرية تأمل من خلالها بجذب نحو خمسة بلايين دولار للخزينة للتخفيف من حجم الدين وأعبائه. كذلك، من الممكن ان تؤدي اطالتها الى عدم تحصيل لبنان لكامل القروض الموعودة في نطاق "باريس 2". وشهدت تحويلات اللبنانيين عشية الحرب هذه تراجعاً ولو طفيفاً في حجمها، الذي سينحسر بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة. وعلى رغم نفي الأوساط المصرفية لعودة ارتفاع الفوائد على الودائع، تؤكد مصادر مقربة في مصرف لبنان، بأن اطالة أمد هذه الحرب ستفرض هذا الواقع، باختصار ستشكل هذه الحرب ضربة للاقتصاد اللبناني الذي يحاول عبر سياسة اختراع الأوهام المعتمدة منذ اعوام احتواء الدين العام الذي سيتجاوز، على رغم القروض التي تم الحصول عليها من بارس - 2، عتبة ال 33 بليون دولار في نهاية الفصل الثاني من السنة، في حين ستتجاوز نسبته من الناتج المحلي 200 في المئة نهاية 2003.
* اقتصادي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.