ذكّر وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في كلمته أمام مجلس الأمن أمس بالاجتماع الوزاري السابق للمجلس قبل ثلاثة أسابيع، مشيراً إلى "تطورات مهمة ومتسارعة" حدثت خلال هذه الفترة ستترك "تأثيراً بالغاً على الوضع في الشرق الأوسط، وربما على مستقبل العلاقات الدولية برمتها". وقال الشرع: "في اليوم التالي لاجتماعنا هنا في الرابع عشر من شباط فبراير اندفعت ملايين الناس في أكثر من ألفي مدينة من مختلف قارات المعمورة، ليقولوا "لا للحرب على العراق"، في ظاهرة لا سابقة لها في التاريخ. وفي اليوم التالي الذي أعقب هذه التظاهرات، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً في القاهرة في حضور وزير خارجية اليونان، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، وبمشاركة ممثلين للمفوضية الأوروبية، حيث عبر الجميع عن رفضهم الحرب، والتركيز على حل سلمي للأزمة العراقية تنفيذاً للقرار 1441". ونبه إلى أن "فرنسا وروسيا والصين والمانيا أكدت مرات وبإصرار واضح ان لا مجال للحرب"، وأن هذه الدول "واثقة من إمكان نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية سلماً، إذا تعزز دور المفتشين وتُركوا يمارسون دورهم بحرية". وأضاف الشرع: "في 25 شباط عُقدت قمة عدم الانحياز في كوالالمبور، بحضور مئة وست عشرة دولة، وأكدت في بيانها الختامي على تسوية الأزمة العراقية بالطرق السلمية، واعطاء المفتشين الوقت الكافي لإنجاز مهماتهم، وشدد الجميع على دور الأممالمتحدة والشرعية الدولية في معالجة الأزمة العراقية، بعيداً من ازدواجية المعايير. وعُقدت في الأول من هذا الشهر قمة عربية عادية في شرم الشيخ، أخذت شكل القمة الاستثنائية عندما افتتحت قرارها الأول بالرفض المطلق لضرب العراق، مؤكدة ضرورة اعطاء فرق التفتيش المهلة الكافية لإتمام مهماتها، والتشديد على مسؤولية مجلس الأمن في عدم المس بالعراق وشعبه، والحفاظ على استقلاله وسلامة ووحدة أراضيه. واستدرك: "يجب أن نتذكر نحن العرب والمسلمين بكل تقدير، النداءات المتكررة منذ شهور الصادرة عن قادة كنائس العالم من أجل السلام ومنع الحرب، والتي توجت برسالة نقلها مبعوث قداسة البابا إلى الرئيس الأميركي، واعتبر فيها من دون أي غموض أن الحرب على العراق غير مشروعة وغير عادلة". وذكر أن "التعاون الذي أبداه العراق كان فعالاً كما وصفه السيد بليكس، وبدأ يشمل الشكل والجوهر، ويكفي أن نشير إلى أن عملية تدمير الصواريخ الجارية الآن في العراق هي بحد ذاتها دليل مادي ملموس على هذا التعاون، لا يمكن اعتباره خدعة أو غير ذي شأن. وفي الوقت الذي يحرز المفتشون تقدماً ملموساً تنفيذاً للقرار 1441، نرى أن من حق أي دولة أو فرد أن يسأل: لماذا هذا الإصرار على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يجيز العمل العسكري، وكأن الحرب هي أفضل الخيارات، وليست أسوأها". وتساءل وزير الخارجية السوري: "ما هو المنطق الذي يقف وراء تعاون الولاياتالمتحدة مع إسرائيل في صناعة متطورة للصواريخ تكلف بلايين الدولارات من دافعي الضريبة الأميركيين، في حين تنكر الولاياتالمتحدة ذلك على الدول العربية التي تحتاجها في شكل متواضع، سواء من حيث المدى أو القدرة للدفاع عن نفسها؟ وأي منطق هذا الذي يسمح لإسرائيل بإمتلاك كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، مع أنها هي التي تحتل أراضي جيرانها خلافاً لكل عُرف وقانون، وتواصل تهديداتها لهم؟ وكما تساءل الرئيس بشار الأسد بكثير من الاستغراب والحيرة في قمة شرم الشيخ العربية قبل أسبوع: لماذا يخافون علينا من العراق ولا يخافون علينا من إسرائيل؟ ثم إذا كان القرار 1441 لا يحدد مهلة زمنية لعمل المفتشين، فما خلفية الطروحات القائلة إن الوقت شارف على النفاد، ولم يتبق للعراق سوى أيام محدودة لنزع سلاحه وإلا…؟". وزاد: "خلافاً للحكمة القائلة إن التراجع عن الخطأ فضيلة، يعتقد بعضم بأن التورط في حشد هذا الحجم الكبير من القوات هو مبرر كاف بحد ذاته لشن حرب على العراق وتدميره، إذ لا أحد يتمتع بحس واقعي يمكّنه أن يقبل أن تعود هذه القوات إلى ثكنها صفر اليدين. إذا كان هذا هو الحال، هل نحن أمام قضية عادلة أم عملية سطو مسلح لا أكثر ولا أقل؟". وختم الشرع قائلاً: "بصرف النظر عما يجري تداوله على نطاق عالمي حول الأهداف المحتملة لهذه الحملة العسكرية الأميركية، سواء في ما يتعلق باحتلال آبار النفط أو بالنسبة إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط، فإن هاجس العرب خصوصاً والأسرة الدولية عموماً، يتمحور حول ما يمكن أن يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل من مجازر بشعة ونسف منازل وتهجير قسري، عندما تندلع الحرب على العراق. إنه تخوف مشروع في ضوء ما جرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، وعلى مجلس الأمن أن يأخذ هذا الأمر بالحسبان كلما اقتربنا من ساعة الصفر والتي نأمل بألا نصل إليها". وأعرب عن ثقته بأن "خيار الأممالمتحدة التي تمثل الإرادة الدولية سيكون خيار السلام، وسينتصر على طروحات استخدام القوة، وستبقى الأممالمتحدة بميثاقها ومبادئها الأداة الرئيسية لتحقيق الأمن والسلم للجنس البشري أينما كان".