يواجه الشاعر البريطاني، إرلندي الأصل، توم بولين حملة صهيونية شرسة بسبب مواقفه المساندة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل وسياساتها. فالرجل لا يخفي منذ فترة زمنية طويلة عواطفه النبيلة تجاه الشعب الفلسطيني الذي انتزعت منه أرضه ليحل محله، في غفلة من الزمان، شعب آخر تجمع من كل أقطار الأرض. وقد كتب توم بولين شعراً ضد اتفاق أوسلو، التي عدّها انتهاكاً لحق الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، وكتب قصيدة تحريضية عنيفة ضد مقتل محمد الدرة في بداية الانتفاضة، واصفاً الجنود الإسرائيليين بالنازية. كما صرح أكثر من مرة للصحافة البريطانية أن إسرائيل دولة أنشأها الغرب من الهواء ليحل مشكلته مع اليهود، وهي من ثمّ دولة غير شرعية ستختفي في يوم من الأيام. وقبل أشهر قليلة هاجمه يهود بريطانيا لأنه وصف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، خصوصاً أولئك المولودين في أميركا، في مقابلة أجرتها معه صحيفة الأهرام ويكلي المصرية، بأنهم "نازيون وعنصريون... وأنا لا أكن لهم سوى الكراهية". كما صرح بولين لصحيفة الغارديان البريطانية بأن "شارون لا يختلف أبداً عن فرانكو"" فرد مجلس اليهود البريطانيين بالدعوة إلى محاكمة بولين وتوجيه تهمة التحريض على القتل إليه. وقبل حوالى الشهرين دعته جامعة هارفارد الأميركية لإلقاء بعض شعره فتظاهر اليهود والموالون لهم في الجامعة لمنع بولين من إلقاء شعره. وقد استجابت الجامعة لهذا الطلب، ثم تراجعت عنه ودعت الشاعر البريطاني البارز لإلقاء شعره انطلاقاً من مبدأ حرية الرأي الذي تسانده الجامعة. توم بولين الذي نشأ في بلفاست، وصعد نجمه في أواسط السبعينات عندما نشر مجموعته الشعرية، بعنوانها الشديد الإيحاء والمتصل بالموضوع الإرلندي: "جمهورية العدالة" 1977، أستاذ مميز في جامعة أكسفورد ووجه مألوف على شاشة التلفزيون البريطاني. ولكن وضعه المميز لم يمنعه من المجاهرة برؤيته الحقيقية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم يدفعه إلى ممالأة جماعات الضغط اليهودية في بريطانيا، وهي القادرة على التأثير في مستقبله الأكاديمي وحضوره الثقافي والإعلامي. لقد أصر على تصعيد مواقفه المعادية لإسرائيل وسياساتها العنصرية إلى حد وصفها بالنازية، وهو وصف محرم في الدوائر الإعلامية والثقافية الغربية كما نعلم. لعل هذا الموقف النادر الذي يتخذه بولين من القضية الفلسطينية نابع من تركيزه على فكرة العدالة، وبحثه الدائب عن صيغ تحققها في هذا العالم المسكون بالصراع. ومن ثمّ فإن قصائده، سواء في "جمهورية العدالة" أو في ما تلاها من مجموعات، تبحث مفهوم العدالة بوجوهه الفردية والجماعية، الطبيعية وتلك المتصلة بالدولة والمؤسسات، مركزة على التوتر الناشئ بين العدالة، بوصفها رغبة إنسانية في المساواة، وتسييس هذه الرغبة بما يحمله هذا التسييس من تأويل للعدالة بصفتها مكافأة لا حقاً طبيعياً من حقوق البشر. وهو لا يحصر اهتمامه الشعري بما يحصل في إرلندا الشمالية فقط، بل إن قصائده الغاضبة الحادة، والمباشرة أحياناً، تتناول الصراع في العالم كله. فالرجل متسق مع نفسه في مواقفه لا يمالئ الفلسطينيين ولا يعادي اليهود، بل يرى العدالة المنتهكة في أنصع صورها. لكن ماذا نعرف نحن العرب عن هذا الشاعر، الذي فاز قبل سنوات قليلة بمنحة ضخمة من مجلس دعم العلوم والفنون والآداب البريطاني تقارب المئة ألف جنيه استرليني ليكتب ملحمة عن الحرب العالمية الثانية؟ وماذا قدمنا له نحن من دعم معنوي في الوقت الذي يواجه فيه دعاوى تطالب بمحاكمته وتتهمه باللاسامية والتحريض على قتل اليهود؟ بل ماذا نعرف عن شعره وهو الشاعر المرموق الذي يعد الآن من أهم شعراء بريطانيا إلى جانب ديريك ماهون ودوغلاس دَن؟ لا شيء البتة، في الوقت الذي نترجم فيه لكل شعراء الأرض ناسين واحداً مثل توم بولين يكاد يخسر كل شيء وهو يدافع عن قضايانا.