أجمع عراقيون تركوا البصرة أمس، وقابلتهم "الحياة" عند جسر المربد على نهر صدام عند المدخل الجنوبي للمدينة، على أن المعارك التي كانت دائرة حول المدينة توقفت، وكذلك القصف منذ فجر أول من أمس. وبالفعل لم نرَ ولم نسمع أي قصف في المنطقة لدى وجودنا معظم نهار أمس جنوبالمدينة وعلى بعد نحو 5 كيلومترات، حيث آخر نقطة حراسة وسيطرة بريطانية على الطريق الجنوبي الحدودي للمدينة. من جسر "المربد" الذي يصل البصرة بالطريق الرئيسي نحو جنوبالعراق، شاهدنا المدينة ساكنة وهادئة تحيط بها أعمدة الدخان السوداء عددها 7 المنبعثة من الحفر النفطية الضخمة التي حفرتها السلطات العراقية حول المدينة واشعلتها في محاولة لمنع الأعداء من رؤية المدينة ومحيطها. ورأينا عشرات المدنيين العراقيين يتركون مدينتهم ويعبرون الجسر بعد أن سمحت لهم نقطة حراسة بريطانية بالعبور، متجهين إلى الزبير أو أم قصر بحثاً عن أهل يقيمون عندهم. لكن ذلك لا يشكل حركة نزوح حتى الآن لأننا رأينا عشرات الأشخاص يعبرون الجسر باتجاه البصرة. والملاحظ أن معظم من رأيناهم يعبرون نحو المدينة هم من الشباب والرجال، الأمر الذي يشير إلى أنهم قد يكونون عسكريين يتجهون نحو البصرة بعدما خسرت قواتهم المعركة في أم قصر والزبير. ومعظم من يتركون البصرة هم من العائلات والأطفال وكبار السن ممن لهم أهل في الجنوب. وما لاحظناه أيضاً أن مزارعين يأخذون طماطم البندورة وبصلاً من الجنوب الى البصرة ليبيعوها هناك ويعودوا. الشيء المؤلم الذي شاهدته "الحياة" عند نقطة الحراسة البريطانية قبل عبور الجسر، ان الجنود البريطانيين الذين تحيط بهم الدبابات يجعلون الرجال يقرفصون على الأرض صفوفاً ويسمحون بين دقيقة وأخرى لمجموعات، منهم بالعبور. القادمون من البصرة تحدثوا ل"الحياة" عن الوضع داخل مدينتهم التي يسكنها نحو مليون نسمة، وملخص حديثهم: ان القصف والاشتباكات متوقفة في المدينة وحولها منذ فجر أول من أمس، عدا قصف تعرض له منزل في حي الأصدقاء غرب المدينة مساء أول من أمس نجم عنه "سقوط" سبعة أشخاص كانوا في المنزل. ولكن الأمر لا يخلو من بعض القذائف هنا أو هناك، ولدى وجودنا عند حدود البصرة الساعة الواحدة والنصف ظهر أمس سمعنا دوي ثلاث قذائف مدفعية. ان القصف الذي تعرضت له البصرة طوال الأسبوع الماضي كان مركزاً حول المدينة حيث يوجد الجيش العراقي بمدرعاته ودباباته. ولكن المدينة لم تنج من بعض الصواريخ والقذائف التي قتلت وجرحت العشرات من المدنيين، خصوصاً في الأيام الثلاثة الأولى من بدء الحرب. وعندما يحصل القصف يختبئ الناس في بيوتهم خوفاً من القذائف والصواريخ الطائشة. الوضع في المدينة تحت سيطرة قوى الأمن، خصوصاً مسلحي حزب البعث و"فدائيي صدام". ونفى جميع من تحدثت "الحياة" معهم، ومنهم السوداني رجب آدم العامل في البصرة، أن تكون قد حدثت انتفاضة أو تظاهرات معادية للنظام في المدينة. وذكر عديدون ان المواطنين يعملون على منع الآليات المسلحة من الاختباء بين المنازل في الأحياء السكنية، وذلك خوفاً من القصف، ونفى من تحدثوا أن يكون الجيش أو قوات "فدائيي صدام" تستخدم المدنيين كدروع بشرية في معاركها. وأخبرنا غير شخص أن هناك نقاط سيطرة للشرطة العسكرية العراقية تفتش عن العسكريين وتمنعهم من الفرار. مواقف من قابلتهم "الحياة" من الحكومة والنظام اختلفت بين مؤيد بقوة للنظام فعبدالمهدي سوادي الجابري 35 عاماً قال لنا إنه شيخ من شيوخ عشيرة "الجابري الموسوية" الذي أكد أن المدنيين والعشائر مع الجيش ستقاتل هذا الغزو ولو لخمسين عاماً، وأمام زملاء فرنسيين أخذ يشيد بمواقف فرنسا من الحرب على العراق. وهناك من قابلناهم معارضون بشدة للنظام حتى أن أحدهم، رفض ذكر اسمه، قال: "أين الجيش الأميركي، لماذا لا يدخل البصرة حتى يحررنا ونحن مستعدون لانتفاضة جديدة". ومساء شاهدنا عربات تقل مزيداً من الجنود الاميركيين. في منطقة البصرة، استمعنا إلى اذاعة "قوات التحالف" التي تبث على موجة "اف ام" نداءات الى المواطنين والعسكريين العراقيين بلغة عربية ركيكة تدعوهم لإلقاء السلاح. وعلق زميل إماراتي، وهو يستمع إلى هذه الإذاعة: "لو كنت عراقياً واستمع لهذه الإذاعة لأصررت أكثر على القتال".