أوقفت القوات الأميركية المتجهة نحو بغداد تقدمها على المحاور كافة انتظاراً لوصول مزيد من التعزيزات ولإراحة الجنود بعد اسبوع من التقدم المتواصل قطعت خلاله أكثر من 250 كيلومتراً من الحدود مع الكويت. كما عملت هذه القوات على تعزيز سيطرتها على خطوط الامداد والمواصلات لتأمين الطريق لقوافل الدعم المحملة بالذخيرة والوقود والطعام لجنود مشاة البحرية الأمريكية وفرقة المشاة الثالثة المتمركزة في منطقتي النجف وكربلاء حتى شرق نهر الفرات. وشهد اليوم الثامن افتتاح العمليات البرية بشكل رسمي على الجبهة الشمالية، اذ كانت تقتصر حتى اليوم على عمليات محدودة لفرق القوات الخاصة مدعومة بغارات جوية. وأنزل ألف مظلي أميركي للانتشار في مطار حرير شمال العراق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية بهدف التمهيد لبدء وصول طائرات النقل العملاقة المحملة بالآليات والعتاد وللتحرك نحو حقول نفط منطقتي الموصل وكركوك. وقد استهدفت القاذفات الأميركية مدينة الموصل بشكل مركز في اليومين الأخيرين مما يوحي بأنها ستكون الهدف الأساسي للعميات البرية الأولى في الشمال. أبرز ما استخلصه المراقبون الغربيون في نهاية الاسبوع الأول للهجوم الأمريكي - البريطاني هو أن قوات التحالف قللت من أهمية الجيش العراقي وميليشيات حزب البعث الحاكم ومن قدراتها. وحسب مصدر عسكري أميركي، رفض الكشف عن اسمه، فإن قوات التحالف تعيد تقويم تكتيكاتها القتالية آخذة بالحسبان عنصر حرب العصابات الذي بدأ يفرض نفسه على ساحة المعركة. وأضاف المصدر أن أجهزة الاستخبارات العسكرية تحاول تحديد ما اذا كانت الميليشيات العراقية منظمة في هيكلية تسمح لها بشن حرب عصابات منظمة وطويلة الأمد أم أنها مشتتة وتتحرك بناء على مبادرات فردية من جانب القادة المحليين لحزب البعث. ويعتقد المحللون بأن قيادة التحالف ستعطي أولوية لمسألة حرب العصابات بهدف منع امتدادها وتحولها الى عمل منظم سيجرّ الأميركيين الى حرب استنزاف مكلفة قد تستمر الى ما بعد سقوط النظام العراقي. تتعامل فرق التحالف مع هجمات الميليشيات بتكتيك يشبه الى حد كبير التكتيك الذي تستخدمه اسرائيل اليوم في الأراضي المحتلة اذ ترسل مدرعاتها تواكبها جواً عن قرب طائرات هليكوبتر هجومية وتترك فرق المشاة والمظليين في المؤخرة تجنباً لوقوع خسائر في صفوفها. ودبابات "ابرامز" التي تستخدمها القوات الأميركية مزودة تدريعاً متطوراً تمكن حتى الآن من حماية أطقم أكثر من دبابتين من هذا الطراز دمرتا في معارك في محيط مدينة الناصرية. ولفت بعض المحللين الى أن المواجهات التي شهدتها الساحة العراقية حتى الآن كانت خارج المدن وأن حرب العصابات ستأخذ منحى مختلفاً داخل المدن بحيث ستجد قيادة التحالف نفسها مرغمة على الاختيار بين التقدم ببطء وتأنٍ منعاً لسقوط اعداد كبيرة من المدنيين أو التقدم بسرعة وبقوة لتقليل الخسائر في صفوفها ومتجاهلة حجم لخسائر الكبيرة المحتملة بين المدنيين. وأظهرت القوات النظامية العراقية تصميماً على القتال رغم التفوق الكبير للتحالف، خصوصاً من الجو. اذ أقدمت فرقة عراقية مؤلفة من أكثر من عشرين آلية عسكرية في اليوم السابع للهجوم على الخروج من مدينة البصرة متجهة جنوباً نحو الفاو متجاهلة سيطرة الطائرات الأميركية على أجواء المنطقة. وحسب مصادر القيادتين الأميركية والبريطانية، فإن طائرات التحالف دمرت عدداً كبيراً من آليات هذ الطابور العراقي قبل بلوغه هدفه المرجح وهو اعادة السيطرة على الفاو. ويبدو أن هناك سوء تقدير من جانب بعض القوات النظامية العراقية أو جهل باسلوب القتال الجديد للقوات الغربية نتيجة الثورة في عالمي التكنولوجيا والاتصالات. اذ حرمت طائرات الرصد الأميركية والأقمار الصناعية الحديثة القوات العراقية من استخدام عامل المفاجأة في هجماتها السريعة ومحاولاتها للالتفاف على الطوابير الأميركية الطويلة. وفشلت حتى الآن هجمات القوات العراقية النظامية بسبب رصدها من طائرات الاستطلاع الأميركية وكاميرات الأقمار الصناعية الموصولة بشكل مباشر بغرف القيادة الأميركية في الدوحة والتي تتصل بشكل فوري بالوحدات على الأرض لتنذرها بتحركات العراقيين لحظة بلحظة. ووجدت الفرق العراقية المهاجمة نفسها عرضة لنيران كثيفة ومباغتة من الجو والبر أدت الى تشتيتها وتدمير غالبية آلياتها. ومع تحسن حال الطقس يتوقع المسؤولون العسكريون في التحالف أن تستأنف الطائرات الغربية هجماتها المكثفة على الأهداف التكتيكية مثل الدبابات والآليات ومرابض الصواريخ والمدفعية العراقية، خصوصاً في محيط بغداد، تمهيداً لبدأ الهجوم قريباً على ألوية الحرس الجمهوري التي تحميها.