يتابع المسؤولون في الاتحاد الأوروبي ردود الفعل الشعبية في العراق على الحرب الأميركية لاكتشاف مدى صحّة التوقعات التي كانت واشنطن أبلغتها للكثير من الدول الأوروبية في محاولة لاستمالتها الى جانبها. وكان الأوروبيون يتوقعون، اعتماداً على التقديرات الأميركية، ان تكون الحرب خاطفة وان يواجه الرئيس العراقي صدام حسين انتفاضات تتمثّل في تمرّد وحدات من الجيش النظامي يمكن توظيفها في اعادة تركيب الجيش فور انهيار النظام العراقي وتكليفها مهمات ضبط الوضع الداخلي بعد ان تكون الوحدات الأميركية والبريطانية أجهزت على العصب القوي الموالي لصدام حسين الحرس الجمهوري وفدائي صدام حسين، والوحدات الخاصة والميليشيا الحزبية. وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي ل"الحياة" ان الادارة الأميركية كانت تراهن على ان تأتي الانتفاضات أيضاً من شيعة العراق باعتبار ان التنظيمات التي تتشكل منهم على عداء مزمن مع النظام العراقي، وهذا ما يسهل لواشنطن - بحسب التصور الأميركي - تفادي الانجرار الى حروب المدن وبالتالي تجنّب عدم اثارة ردّ فعل شعبي عراقي على خلفية إنزال خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين العراقيين. لكن هؤلاء يعتبرون ان الوقائع حتى الساعة، جاءت مخالفة لرغبات واشنطن، خصوصاً بالنسبة الى تقديراتها للواقع الشيعي فور اندلاع الحرب، مشيرين الى انها ربما وقعت في خطأ تقدير ناجم في الدرجة الأولى عن التحليلات السياسية التي كانت حصلت عليها سابقاً مما يسمى بخبراء في الشؤون الشيعية في العراق ومعظمهم يقيمون في الولاياتالمتحدة، ويتولون التدريس في جامعاتها. وعلمت "الحياة" ان الوضع الشيعي في العراق كان مدار بحث بين المستشار السياسي للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وبين رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري من خلال التساؤلات التي طرحها المسؤول الأوروبي انطلاقاً من الأبعاد السياسية والدينية للفتوى الصادرة عن علماء النجف الدعوة الى المقاومة برعاية واحد من أكبر المرجعيات الشيعية السيد علي السيستاني. وسأل سولانا عن مدى إلزامية الفتوى للشيعة في العراق وتأثيرها في مجريات الحرب، خصوصاً لجهة عدم قدرة واشنطن من خلال بعض المؤيدين لها على التأثير في العمق في الموقف الشيعي. واستمع سولانا الى ما قاله الحريري وأخذ يدوّن بعض الملاحظات بعدما كان يعتقد ان لواشنطن دراية مستفيضة بالواقع الشيعي وستعرف كيفية الافادة منه بغية الإطباق وفي سرعة على النظام العراقي. كما ان مسؤولين في المفوضية الأوروبية - بحسب معلومات "الحياة" - حاولوا الاستقصاء عن الموقف الايراني باعتبار ان لطهران مصلحة مباشرة في إقصاء خصم قوي لها، والمقصود به صدام حسين وأن ما يهمها الاطاحة به بصرف النظر عن معرفة طبيعة المرحلة التي ستلي ضرب النظام العراقي وتقويض ركائزه. وكان هؤلاء المسؤولون أحيطوا علماً من خلال التقارير التي وصلتهم امس ان القوى الشيعية الأساسية في بيروت "حزب الله"، حركة "امل" تواصل تحرّكها ضد الحرب على العراق وإدانتها، وهذا ما دفعهم الى السؤال عن نتائج زيارة الرئيس السوري بشار الأسد - الذي يحظى بتقدير لافت لدى المفوضية الأوروبية - لطهران وما اذا كانت هذه النتائج شكلت محطة سرّعت في التحوّل الذي طرأ على الموقف الشيعي؟ حتى ان المسؤولين في المفوضية الأوروبية راحوا يسألون عن الدور الذي لعبته دمشق في تطوير الموقف الشيعي في العراق ولبنان، إذ ان القوى الشيعية الرئيسة بدأت تتصرّف إنطلاقاً من توقعات بمستقبل للعراق، معتبرة أنه لا يجوز بعد الآن الالتفات الى الماضي وإنما التطلّع الى المستقبل، أي ان الظرف السياسي في ظل الهجمة الأميركية على المنطقة من البوابة العراقية لا يسمح بالتصرّف على خلفية الثأر من صدام حسين، لا سيما ان جميع الشروط أصبحت متوافرة للانتقام منه. وعليه، قال المسؤولون في الاتحاد الأوروبي انهم، بحسب ما أبلغوه الى عدد من السفراء العرب في بروكسيل، لم يكونوا على علم بأن الأجواء السياسية الراهنة ستكون مواتية لانخراط القوى الشيعية الأساسية في العراق في الدفاع عنه، ما حال دون اندلاع حروب داخلية على وقع الحرب الأميركية يمكن ان تتّسم بطابع طائفي ومذهبي. وهذا ما قاد الى خروج الشيعة من اللعبة الأميركية التي لا يزال مصيرها السياسي مجهولاً.