تضاربت المعلومات عن حقيقة ما جرى مساء أول من أمس في مدينة البصرة، جنوبالعراق، والتي تحاصرها قوات التحالف الأميركية - البريطانية. لكنها أجمعت على حدوث "تحرك محدود" للمواطنين ضد قوات النظام العراقي في المدينة. وذكرت القوات البريطانية انها قصفت ثلاثة مدافع هاون عراقية كانت تطلق النار على السكان ومقراً لحزب البعث في المدينة. وأعرب رئيس الوزراء البريطاني عن اعتقاده بحصول "انتفاضة محدودة". كما أكد "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" في العراق ان الحركة "ظلت محدودة"، مشيراً الى انه لم يدع سكان هذه المدينة ذات الغالبية الشيعية الى الثورة، والى أن الوضع فيها "على حافة الانفجار". روى ل"الحياة" مصدر مطلع على صلة بمدينة البصرة حقيقة ما جرى في هذه المدينة الثلثاء الماضي ووصفه بأنه "احتكاك بين بعض أهالي البصرة وعناصر حزب البعث أدى إلى اطلاق نار على مسؤول محلي في الحزب اسفر عن مقتله". وأوضح المصدر في اتصال هاتفي مع "الحياة"، ان "الاحتكاك الذي تطور، وهو أقل من انتفاضة، حصل في منطقة القبلة القريبة من ساحة سعد قرب محطة التلفزيون العراقيالبصرة القديمة"، مشيراً إلى أن هذه المنطقة انطلقت منها شرارة الانتفاضة الأولى العام 1991 ضد النظام، حين أطلق جندي عراقي النار على تمثال الرئيس صدام حسين في الساحة إثر هزيمة القوات العراقية في الكويت. وأضاف ان سبب "الاحتكاك" تصرفات "عناصر حزب البعث مع المواطنين واجبارهم على القتال ضد القوات الأميركية والبريطانية وايذاء بعض المواطنين الذين ردوا باطلاق النار، فقتل مسؤول محلي في حزب البعث". وأوضح أن هذه الحادثة تطورت إلى "استنفار بين المواطنين وعناصر حزب البعث من دون أن يرقى إلى انتفاضة، خصوصاً أن عناصر البعث انسحبوا ربما لتفادي تطور الموقف إلى انتفاضة مسلحة". ولم يستبعد المصدر أن تتطور الأمور في البصرة إلى "انتفاضة شاملة ضد النظام العراقي قريباً"، مشيراً إلى أن أهالي البصرة خصوصاً "حذرون من تكرار تجربة انتفاضة 1991 التي سرعان ما قمعها النظام، مستفيداً من ظروف عدة"، وأكد أن "المواطنين في البصرة مستعدون لانتفاضة شاملة حالما يتأكدون من توافر الشروط اللازمة لنجاحها، وأهمها ضعف قبضة الأجهزة الأمنية في المدينة وعدم قدرة النظام على استخدام أسلحة كيماوية ضد أي تحرك شعبي، والتأكد من عدم تأهيل النظام مرة أخرى". وأضاف المصدر ان "مدينة البصرة تخضع لحال طوارئ فرضها النظام العراقي يمنع بموجبها خروج المواطنين من منازلهم إلا بإذن من عناصر حزب البعث التي تسيطر على المدينة مع ميليشيا "فدائيي صدام" والحرس الخاص التابع للاستخبارات العراقية، وهؤلاء الحرس الخاص يجوبون المدينة بملابس شعبية". من جهة أخرى، أشار المصدر إلى أن المعارك بين القوات الأميركية والبريطانية و"فدائيي صدام" وبعض المجموعات العسكرية تتركز الآن في ساحة سعد، التي تبعد عن قلب المدينة نحو 10 إلى 15 كلم. وأضاف المصدر ان "القوات الأمنية غير النظامية للنظام، من عناصر حزب البعث وغيره، بدأت منذ الثلثاء الخروج من البصرة، خوفاً من تطور الموقف إلى انتفاضة شاملة، وربما تحسباً بعد إعلان القوات الأميركية والبريطانية أن المدينة باتت هدفاً مشروعاً". وأكد أكرم الحكيم، عضو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، أن الوضع في البصرة "على حافة الانفجار"، موضحاً أن ما شهدته أمس المدينة "تحرك شعبي" انحصر في حي واحد. وقال الحكيم في حديث هاتفي مع فضائية "الجزيرة" القطرية من مقره في لندن: "الأوضاع في البصرة على حافة الانفجار، لكن الاجراءات الأمنية والقمعية الشديدة من جانب السلطة تمنع تحرك الناس، إضافة إلى عدم ثقة الناس بالأميركيين الذين نكثوا بوعودهم العام 1991". من جانبه، اكد محمد هادي الناطق باسم "المجلس الاعلى" ان قوات التحالف قصفت مبنى المحافظة ومباني تابعة لجهاز الاستخبارات العراقية الثلثاء، وان رئيس الاستخبارات ومساعده قتلا في القصف. واكد ممثل المجلس الاعلى في لندن حامد البياتي: "لم ندع الى انتفاضة لاننا لسنا مستعدين لان نكون جزءا من الغزو" الاميركي - البريطاني. واشار الى ان "المجلس الاعلى" اختار التزام "الحياد" حتى قبل بدء الهجوم. وقال: "نفضل ان يبقى الناس على الحياد لانها ستكون معركة طاحنة بين الحلفاء والنظام ولا نريد ان يعرضوا انفسهم للخطر". ورأى البياتي ان "لا مصلحة للقوات البريطانية في ان تغذي الانتفاضة"، مشيراً الى انها وزعت آلاف المنشورات التي تطالب الناس بالبقاء في منازلهم. وقال: "اذا حصلت انتفاضة سيكون من الصعب على البريطانيين التمييز بين المدنيين الذين يحملون السلاح ورجال النظام المسلحين باللباس المدني". بلير: انتفاضة محدودة وأعرب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن اعتقاده بحدوث انتفاضة محدودة في مدينة البصرة مساء الثلثاء. وقال أمام البرلمان: "التقارير مشوشة فيما يتعلق بما حدث في البصرة، لكننا نعتقد انه حدث شكل من اشكال الانتفاضة المحدودة". وصرح بلير بأن القوات الاميركية والبريطانية "يجب ان تتأكد اولاً من ان لديها اعداداً كافية لحماية اي انتفاضة من الجنود الموالين للرئيس العراقي قبل ان تشجع اي تمرد". واضاف: "علينا ان نتوخى الحرص ونعرف ان لدينا الدعم الذي يمكنه تقديم العون لهم قبل ان نشجعهم على القيام باشياء قد تؤدي الى موتهم". لكن بلير اعترف بأن حدوث تمرد كبير ضد الرئيس العراقي "لا يزال امامه وقت". وصرح بأن العراقيين "سينتظرون الى ان تتضح تماماً اطاحة حكومة صدام، وحين يعرفون ان كل شيء اتضح اعتقد فإنهم سيتحركون بأنفسهم وسنكون هناك لندعمهم". كما أكد وزير الدفاع البريطاني جيف هون في حديث ل"هيئة الاذاعة البريطانية" بي بي سي ان اطلاق نار عراقياً استهدف الثلثاء مدنيين في البصرة. وقال: "نعرف ان عناصر ميليشيات عراقية حاولوا مهاجمة ابناء شعبهم"، مضيفاً: "حصلنا على هذه المعلومات من مصادر عدة". وأضاف: "اننا مستمرون في عمل ما نستطيع لمساعدة سكان البصرة، ولكن الوضع غامض الآن"، وقال: "ان جهوداً تبذل لتقليص عدد عناصر الميليشيات التي تقاتل شعبها، وندرس بعناية الطريقة التي نستطيع فيها تقديم المزيد من المساعدة". وكان عدد من المراسلين افادوا الثلثاء نقلا عن مصادر في الاستخبارات العسكرية البريطانية عن اطلاق قذائف هاون لقمع محاولة انتفاضة قام بها سكان البصرة. وفي الكويت اكد ناطق عسكري بريطاني ان القوات البريطانية هاجمت المقر العام لحزب البعث العراقي الحاكم في البصرة حيث افاد عن حصول انتفاضة شعبية ضد السلطات العراقية. وقال الكولونيل آل لوكوود لهيئة الاذاعة البريطانية: "استخدمنا سلاحاً دقيقاً لضرب المقر العام لحزب البعث" من دون ان يوضح متى حصلت العملية. واضاف: "حصلت انتفاضة اول من، امس ونأمل بأن نتمكن من مساعدتهم اليوم". وقال الناطق ان القوات البريطانية التي تجمعت عند اطراف البصرة قررت مهاجمة القوات العراقية فور فتحها النار على السكان. وذكر لوكوود ان "ميليشيا حزب البعث ومسلحين ينشرون الرعب بين سكان البصرة"، مشيرا الى انهم "بدأوا باستخدام قذائف الهاون"، وان البريطانيين ردوا "بواسطة المدفعية"، ودمروا ثلاثة مدافع "هاون" للقوات العراقية كانت تطلق النار على السكان في البصرة. وكانت وزارة الدفاع البريطانية أعلنت في بيان مساء أول من أمس ان القوات البريطانية والاميركية دمرت ثلاثة مدافع هاون للقوات العراقية كانت تطلق النار على السكان في البصرة. وجاء في البيان: "اثر بعض المعلومات عن اندلاع انتفاضة في البصرة، تم التحقق هناك من ان قوات عراقية اطلقت النيران بمدافع الهاون على السكان". واضافت ان "قوات التحالف دمرت مدافع الهاون هذه ومدافع اخرى". ولم يعط مزيدا من التفاصيل. واعلن ضابط من القوات البريطانية المشاركة في المعركة قرب البصرة ان "انتفاضة شعبية اندلعت في شمال البصرة ... شاهدنا حشودا كبيرة في الشوارع والعراقيون يطلقون النار عليهم بالمدفعية. وستقع مجزرة كبيرة". وقال لوكوود لمحطة "سكاي نيوز" البريطانية ان المتظاهرين "اضرموا النار في بعض المباني وحاولوا السير الى مركز حزب البعث الحاكم الذي رد باطلاق مدافع الهاون". واضاف: "ان مدفعيتنا ردت بدورها" على المركز دعماً للمتظاهرين. وقال احد الضباط البريطانيين ان الوحدات البريطانية الخاصة جرذان الصحراء وضعت في حال تأهب لتدخل محتمل تم ارجاؤه في آخر الامر. واضاف: "لو اردنا الهجوم لما كان بامكاننا ان نميز بين المدنيين ومقاتلي صدام حسين" لان عناصر الميليشيا العراقية يرتدون اللباس المدني. وفي تصريح للصحافيين في الدوحة قال الجنرال بيتر وال ان الانتفاضة لا تزال في "بدايتها" على ما يبدو وان القوات البريطانية تريد دعمها. رامسفيلد ينصح بعدم التمرد وكان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد نصح سكان مدينة البصرة بعدم التمرد على نظام الرئيس العراقي صدام حسين معلناً ان التحالف غير قادر حالياً على حمايتهم من عمليات القمع العراقية. وقال وزير الدفاع الاميركي: "ان الذين يجايلونني يتذكرون الانتفاضة التي جرت في اوروبا الشرقية في منتصف الخمسينات والمجزرة التي تبعتها" في اشارة الى الانتفاضة الشعبية في المجر عام 1956. واضاف: "احرص على ان اكون شديد الحذر في ما يتعلق بتشجيع الناس على التمرد لاننا نعرف ايضاً ان في المدن العراقية اناساً مستعدين لاطلاق النار عليهم اذا حاولوا الانتفاض". وقال: "آمل وأصلي بأن يتمرد سكان البصرة عندما ستصبح هناك قوات كافية للتحالف تتمكن من مساندتهم". من جانبه أعلن وزير الخارجية الاميركي كولن باول امس ان ليس في وسعه تأكيد المعلومات التي تحدثت عن انتفاضة شعبية ضد القوات العراقية في مدينة البصرة. بغداد تنفي وفي بغداد، نفى وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف مساء الثلثاء حدوث انتفاضة في البصرة. وقال الصحاف في اتصال هاتفي مع قناة "الجزيرة" الفضائية: "انفي رسمياً هذه التخرصات التي حاول ترويجها الاميركيون". ونفى مراسل الجزيرة، الصحافي الاجنبي الوحيد الى جانب مراسل قناة "ابوظبي" الموجودان في البصرة بإذن من السلطات العراقية منذ بدء هجوم القوات البريطانية - الاميركية، أيضاً المعلومات حول الانتفاضة في المدينة. وقال المراسلان انهما لم يلاحظا أمس ما يدل على أي تمرد. وقال محمد العبدالله، مراسل "الجزيرة": "ان شوارع البصرة هادئة تماماً، وانه ليس ثمة ما يشير الى وقوع اعمال عنف أو شغب او انتفاضة". ويبلغ عدد سكان البصرة 2،1 مليون نسمة غالبيتهم العظمى من الشيعة الذين ثاروا بعد حرب الخليج عام 1991 ضد النظام العراقي الذي قمعهم بقوة.