اختارت الروائية ليانة بدر وسيلة اخرى للتعبير، إذ منحت خيالها حق اللجوء إلى الفن السابع، فكان فيلمها "فدوى .. حكاية شاعرة من فلسطين" بداية مشوارها مع السينما الذي وصلت حصيلته حتى الآن الى ثلاثة افلام، كما كتبت قصة فيلم "القدس في يوم آخر" الذي اخرجه هاني ابو اسعد وأدت الدور الرئيس فيه كلارا خوري التي نالت عنه جائزة افضل ممثلة في مهرجان مراكش في المغرب. وتستعد حالياً لانجاز عمل جديد. وقبل السينما كانت لبدر انجازات ابداعية تمثلت في 15 كتاباً بين رواية وقصة، وقصص اطفال وديوان شعر بعنوان "زنابق الضوء". "الحياة" إلتقتها وحاورتها في أفلامها ومتاعبها، ومتعة السينما... فيلمك عن فدوى طوقان يعد التجربة الأولى لك في المضمار السينمائي، كيف ترين إلى هذه التجربة وانت آتية من حقل القصة والرواية؟ - اعتبر ان علاقتي بالسينما قديمة جداً، عندما كان عمري أربع سنوات وكنت أتردد على دور السينما القريبة من محيط السكن في مدينة القدس. أيامها كانت السينما واحدة من الأفراح المميزة لحياة أهل المدينة، وكان حضورها بمثابة أحتفال ثقافي وشعبي في الوقت نفسه. في ما بعد واظبت على جمع كل المعلومات عن الافلام وطريقة صنعها، وكل ما يتصل بعناصرها. كان لدي حب استطلاع كبير في هذا المجال رافقته ملاحقة دائمة لمعظم الانتاجات السينمائية المتميزة في العالم. وفي الحقيقة، فقد بدأت أحس بدافع شديد لتحقيق أفلام، عندما عشت في تونس قبل عودتي إلى فلسطين، حيث وجدت أن المنفى قد امتلأ فيّ، وفاض إلى الدرجة التي صرت أود فيها تصعيد الحوار الابداعي مع العالم إلى لغات متعددة، فكما أن هنالك خصوصية للكتابة، هنالك أيضاً خصوصية للصورة، وهكذا قمت بعمل فيلم قصير في تونس لم يقيض لي اكمال اللمسات الاخيرة عليه التي تسمح بعرضه بسبب نقص التمويل. وفي ما بعد حاولت انجاز فيلم آخر قبل مغادرتي تونس في العام 1992، ولم أنجح للسبب ذاته. ولدى عودتي إلى فلسطين، وكنت قبلها قد شاركت في دورات سيناريو، وجدت أن من الأفضل الدراسة المنهجية في هذا المجال، فالتحقت بدورات نظمها مخرجون سويسريون في فلسطين لصناعة الفيلم المستقل، ليكون المرء قادراً على أن يصنع فيلماً بنفسه من المرحلة الأولى إلى الأخيرة. بعد ذلك أتيحت لي الفرصة عام 1999 لإخراج فيلم "فدوى... حكاية شاعرة من فلسطين" وجاء في 56 دقيقة، بعدما كنت قد جاهدت طويلاً للحصول على تمويل بسيط يغطي كلفة البداية. ارادة فولاذية لماذا فدوى طوقان بالتحديد؟ - اعتقد أن فدوى طوقان شخصية آسرة، وامرأة ذات صوت رقيق، وتتمتع، فضلاً عن ذلك، بارادة فولاذية لا تقهر. وماذا كان تعليقها عندما شاهدت الفيلم؟ - أحبت الفيلم كثيراً، وشعرت بسعادة بالغة، لأنها أحست بأن الفيلم تحية تقدير لحياتها الخاصة بتفاصيلها التي تغلغلت في مسامها. الفيلم يروي قصة حياتها منذ طفولتها إلى الآن، هل يمكن اعتباره فيلماً تسجيلياً؟ - الفيلم على وجه الدقة وثائقي روائي. وماذا تقصدين بهذا المفهوم؟ - أقصد أنه لا يعتمد على شهادات الناس، بحسب ما هو مألوف في الفيلم التسجيلي. فدوى بطلة الفيلم الوحيدة، مع اطلالات قليلة لشخصيات تحدثت عنها، مثل الشاعر محمود درويش الذي قال عنها في الفيلم كلاماً عذباً، مشيراً وهو يسلمها جائزة فلسطين انه يعتبر جائزة فدوى تكريماً لفلسطين، وليس تكريماً لفدوى. كما أن طوقان تتحدث عن علاقتها بشعراء الأرض المحتلة بعد 1967، وتخص درويش بحديث بصفته صديقاً قريباً منها ومعايشاً لتجربتها. كروائية، ماذا أضافت اليك تجربة العمل في السينما؟ - هذا الفيلم اعطاني وسيلة تعبيرية انتصرت فيها على القلق الشديد الذي يتحكم بي، ويؤثر في مقدرتي في الكتابة، وذلك بسبب قلق الاوضاع الفلسطينية وترديها، واختفاء فرحي في العثور على سلام شبه عادل في عهد شارون وموفاز يقدم الفرصة للذات الفلسطينية كي تعيد ابداع نفسها. كما تعلمت الكثير أيضاً من الشاعرة فدوى طوقان، ووجدت ان الابداع يتمتع، حقاً، بجناحين يرفعاننا إلى السماوات التي نطمح في الوصول إليها. الزيتون، الأرض، الانتماء... كيف كانت تجربتك السينمائية الثانية ؟ - كانت فيلماً بعنوان زيتونات وكشفت خلاله سر العلاقة الفريدة بين النساء الفلسطينيات وشجر الزيتون، مسلطة الضوء على عمليات جنود الاحتلال الاسرائيلي في اقتلاع اشجار الزيتون، واصطحبت معي في تصوير الفيلم التشكيلية الفلسطينية سامية الحلبي التي هُجّرت من فلسطين العام 1948 وغادرت الى اميركا، لكنها عادت الى موطنها لترصد اكتشاف العلاقة مع زيتون الأرض - الانتماء. ورصد الفيلم مدته 37 دقيقة وحشية جنود الاحتلال وهم يعدمون الاشجار التي كانت منذ اقدم الأزمنة مصدرا للنور والنار والغذاء والشفاء ، وقمت في المشهد الاخير من الفيلم بتصوير بيت جدتي أم أبي الذي يزيد عمره عن مئة سنة، والذي هدمه الاحتلال بعدما اقتلع 100 دونم من اشجار الزيتون ، وقام بشق طريق إلتفافية للمستوطنات. في هذا الفيلم اتحدث عن الزيتون بصفته ذاكرة الوجود الفلسطيني، اذنقرأ في انحناء غصون الأشجار تاريخنا على هذه الأرض ، ونطالع في تعرجات جذوعها أساطير الأيام السالفة ، إن اشجار الزيتون بالنسبة الى الفلسطينيين هي بيت الحياة. وكيف قوبل الفيلم في أوساط الجمهور والنقاد؟ - قوبل بحفاوة بالغة ، ونال جائزتين في مهرجان الإذاعة والتلفزيون في تونس ، كما اُعتبر أفضل عمل عن المرأة عام 2000. وماذا عنى لك ذلك؟ - زاد من احساسي بأنني خضت لجة عمل ينبغي أن أركز خطواتي فيه، كما حفزني في المقابل على انجاز عملي الثالث "الطير الأخضر" الذي كان ابطاله من الاطفال الذين اخترقت عالمهم واكتشفت شجاعتهم الغريبة، على رغم العذاب اليومي والرعب وهجمات المحتلين الاسرائيليين التي تهدد حياة كل واحد فيهم، وقد تكمنوا بشجاعتهم الخاصة والنادرة من المحافظة على مساحات جديدة للرؤية والحلم. إلامَ يحيل عنوان الفيلم؟ في الحكاية الشعبية الفلسطينية عن الطير الاخضر انه كان يروي مأساته بتفاصيلها الكاملة: اصطياده والفتك به من اقرب الناس اليه، ودور اخته التي خبأت ريشه كي ينبعث من جديد . عبر هذه الحكاية نتعلم كيف نبقى معلقين بأمل أن نلم ريشاتنا الخضراء كي نحلق مرة أخرى. وقد وظفت هذه الأفكار من خلال أطفال يكافحون الإبادة المفروضة على شعبهم بالحس اليومي والأغنية والخيال والألوان وطيارات الورق.