"أي زمن هذا / الذي يغدو فيه الحديث عن الأشجار / جريمة / لأنه يعني الصمت عن فظائع أشد هولاً". لعل هذه الأبيات التي كتبها برتولت برشت قبل اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية خير تعبير عن الحال التي تعيشها الحياة الثقافية الآن في عالم تخيم عليه وقائع حرب بدأت وكان أعلن عنها منذ وقت طويل. في هذه الأجواء أفتتحت أمس 20/3/2003 فاعليات معرض لايبتسغ للكتاب في حضور اثنين من حاملي جائزة نوبل، الألماني غونتر غراس والمجري إمري كيرتيش. ويمتد المعرض حتى 23 آذار مارس، ويعرض 1900 ناشر من ثلاثين دولة أحدث ما أنتجته المطابع. ومحاور معرض هذا العام: آداب أوروبا والكتاب المسموع وأدب الرحلات. "ربيع الكتب" في لايبتسغ يتميز بأنه "معرض قراء"، إذ يُنظم على هامشه عدد كبير من الفاعليات والأنشطة الثقافية التي يقرأ خلالها الكُتّاب من أعمالهم الصادرة حديثاً. وما يلفت في معرض هذا العام العدد الكبير من الروايات التي كتبها الجيل الجديد من الألمان مثل: تانيا دوكرز، شتيفان فاكفيتس، ميشائيل تسلر، والتي تتناول تجربة الحرب العالمية الثانية من وجهة الآباء والأجداد، وكأنها تعبر عن رغبة الجيل الجديد في معرفة ما حدث آنذاك من فظائع وجرائم وتشريد وتدمير" وليس فقط جرائم النازية، بل أيضاً ما وقع من ظلم على المدنيين أثناء الغارات الجوية التي شنها الحلفاء في شهور الحرب الأخيرة. وتعطش القراء لهذا النوع من الروايات يظهره النجاح الفائق الذي أصابه غونتر غراس بروايته "مشية السرطان" التي صدرت قبل عام وأزاحت على الفور "هاري بوتر" عن رأس قائمة أحسن المبيعات. من الإصدارات اللافتة في المعرض أيضاً أحدث دواوين الشاعر الكبير هانز ماغنوس إينتسنسبرغر بعنوان: "تاريخ الغيم". في هذا الديوان يبتعد الشاعر البالغ من العمر 73 عاماً عن السياسة وحروبها عمداً ليتأمل في السماء وحركة السحب، على رغم أنه الشاعر المؤسس للقصيدة السياسية في ألمانيا ما بعد الحرب، عندما نشر ديوانه "دفاع عن الذئاب" 1957. هذا الشاعر كان موقفه واضحاً وصريحاً خلال حرب الخليج الثانية 1991، إذ كان من المؤيدين لشن الحرب على "ديكتاتور بغداد" الذي اعتبره آنذاك "قرين هتلر". إينتسنسبرغر يصمت الآن عن الحرب الجديدة على العراق، لأنه - كما يقول في حديث صحافي - "لا يعرف كثيراً عن المجتمع العراقي"، معرباً عن خشيته من أن يكون "جهل الأميركيين بالعراق مماثلاً لجهله". وفي قصائده الجديدة عن الغيوم، يضيف إينتسنسبرغر، "أريد أن أقول: ما تقرأونه في الجريدة ليس الحقيقة كلها... هذا السيرك السياسي في برلين، بوش وصدام حسين - ليس هذا هو كل شيء". وإذا كان معرض فرانكفورت هو أهم معارض الكتاب في العالم فإن معرض لايبتسغ في الشرق أعرق منه تاريخاً، ومنه تفرع معرض فرانكفورت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا. وما يجدر ذكره أن تاريخ مدينة لايبتسغ وثيق الارتباط بالكلمة المطبوعة، إذ شهدت هذه المدينة طباعة الكتب منذ العام 1481.