وصلت قيمة العقود التي ابرمها الجيش الاميركي في الكويت الى نحو 900 مليون دولار منها ما دُفع نقداً ومنها "ما ينتظر تحرير البصرةوبغداد". وقالت مصادر تجارية كويتية واسعة الاطلاع ل"الحياة" ان الموردين الكويتيين ارتبطوا بعقود تسليم بضائع وسلع وخدمات في 16 و18 و24 آذار مارس في "مكان ما" على الارض العراقية. وهناك عقود التزم الموردون بتسليم سلعها في 2 نيسان ابريل في بغداد. وأشارت المصادر الموثوق بها الى ان تلك الالتزامات تشمل صفقات اغذية وتجهيزات كهرباء واتصال فضلاً عن عقود انشاءات ومفروشات ! وكل البنى التحتية والفوقية الخفيفة والمتوسطة اللازمة لاقامة طويلة المدى نسبياً. ولا تتم هذه الصفقات بمناقصات أو مزايدات لأن لدى الاميركيين قائمة بأبرز الموردين واصحاب الوكالات التجارية، اذ يتم الاتصال بهؤلاء، مع طلب "سرية التفاوض والتعاقد" فضلاً عن التشديد على المواصفات. واكدت المصادر ان الاسعار ليست مدار جدل كبير اذا كانت السلع والمنتجات من منشأ اميركي او بريطاني او كويتي. ويستبعد الاميركيون السلع ذات المنشأ الفرنسي والالماني والروسي والصيني التي لا يلجأون الى شرائها الا إذا كانت من دون بدائل اميركية وبريطانية وكويتية. ارتفاع اسهم الشركات ويغلي الشارع التجاري الكويتي حالياً بأنباء هذه الصفقات من دون ان يجرؤ كثير من المعنيين على الافصاح عنها، الا ان مؤشرات عدة تدل عليها وليس اقلها ارتفاع اسعار اسهم الشركات المعنية بالصفقات فضلاً عن حركة قدوم الحاويات الى الموانئ ناهيك عن عدم الوفاء بالتزامات توريد داخلية حتى يتسنى للموردين البقاء على اهبة الاستعداد او رهن طلب الجيش الاميركي لهذه السلعة او تلك ولهذا المنتج او ذاك. وفي البورصة، تحركت اسعار شركات الاغذية والنقل والمقاولات ومواد البناء على نحو لافت في الآونة الأخيرة، الأمر الذي دفع بشركات الاستثمار ومديري المحافظ والصناديق الى زيادة حصصهم في تلك الشركات ترقباً لمزيد من الارباح. واشارت مصادر ملاحية الى زيادة تفريغ الحاويات ومناولتها في الموانئ بنسبة تراوح بين 5 و12 في المئة خلال كانون الثاني وشباط يناير وفبراير وساعد في ذلك اقدام مؤسسة الموانئ الكويتية أخيراً على قرار خفض رسومها الى نصف ما كانت عليه. وتخطط المؤسسة ايضاً لتأجير ارصفتها للقطاع الخاص في موانئ الشويخ والشعيبة عبر مزاد عام لاستثمار طويل الامد يضع في حسبانه مرحلة ازدهار مرتقبة بعد سقوط نظام الحكم في العراق حسب توقعات الكويتيين. الى ذلك ابلغت الهيئة العامة للصناعة جميع الصناعيين المصدّرين، لا سيما الذين لا تعمل مصانعهم بكامل طاقتها الانتاجية، ضرورة التقدم بطلبات تحفظ حقوقهم في عقود توريد تسعى "الهيئة" لربطها بالمساعدات والقروض التنموية المرتقب تقديمها الى عراق ما بعد صدام، وهذا "الربط" يرجح ان يكون بمنح الصناعات الكويتية ومنتجاتها افضليات التوريد، والأمر عينه يسعى اليه المقاولون. وحماس القطاع الخاص الكويتي هذا مدفوع بملاحظة ظاهرة يسعى الكويتيون لاستغلال كل فرصها وهي ظاهرة فسخ عقود كان الجيش الاميركي عقدها مع موردين خليجيين لصالح اعادة ابرام عقود شبيهة بها مع الشركات الكويتية. وفي هذا الصدد تؤكد مصادر متابعة ان الاميركيين يسعون الى حصر عقودهم في الكويت لاسباب سياسية بالدرجة الاولى واقتصادية بالدرجة الثانية حيث يحصلون على اسعار ومواصفات تنافسية للغاية يقدمها الكويتيون رهاناً منهم على تحقيق ارباح من "اقتصاد الحجم" فضلاً عن توقع المزيد من العقود مع الجيش الاميركي في العراق حيث يرى مراقبون انه سيبقى هناك فترة من الزمن طويلة نسبياً. وإلى جانب تلك العقود هناك الصفقات التي يتوقع ان تُبرم مع نظام يديره الاميركيون في العراق خصوصاً في المرحلة الاولى التي تلي سقوط صدام حسين. "اننا ننتظر هذه الفرصة منذ سنوات طويلة" يقول احد كبار التجار مضيفاً: "تنمية العراق واجب على الكويتيين لا سيما جنوبالعراق المتعطش للاعمار والانماء، فاذا نمت المنطقة على نحو جيد يكون الكويت بمنأى عن هزات مستقبلية على قاعدة "اذا كان جارك بخير فأنت بألف خير". وعلى صعيد الشراكات يمكن الآن رصد حركة حثيثة من الجانب الكويتي المقبل على تحالفات مع شركات دولية تلبي طموحاته في هذه المرحلة الكويتية للدواجن مع تكساس تشيكن، والكويتية للتجهيزات الغذائية مع وشلرفوود، والاتصالات المتنقلة مع فودافون، والوطنية للاتصالات مع سيمنز… وهذه الشركات هدفها التوسع الاقليمي في العراق الجديد". وعلى صعيد الاتصالات اتخذت شركتا الهاتف النقال جملة استعدادات "لدخول العراق" أبرزها تجهيز محطات تقوية ارسال على الحدود الشمالية. وقال مصدر في احدى الشركتين: "نحن على استعداد تام لتركيب محطات ارسال او تقوية ارسال في العراق لتغطية معظم اراضيه في فترة قصيرة". ولدى سؤاله عن مدى قانونية ذلك في ظل عدم وجود اتفاقات قال: "نضع المحطات اولاً ثم نتفق على تسوية هذا الوضع لاحقاً… انها مرحلة طوارئ والحاجة تبرر المخالفة"! … ولكن هل كل الامور وردية كما تبدو في هذا السياق؟ وللاجابة يمكن طرح سؤالين اضافيين: هل كل القطاعات مستفيدة على قدام المساواة؟ ومن يدفع الفاتورة النهائية؟ بداية، اكدت مصادر تجارية ان حمى المنافسة على اشدها بين التجار واصحاب الوكالات، علماً ان هذه المنافسة غير متكافئة لأن العقود تبرم من دون مناقصات او مزايدات وهي مرهونة برغبة الجيش الاميركي من جهة وبأصحاب القرار والواسطة من جهة اخرى. وفي هذا الصدد تجدر الاشارة الى "الصرخة" التي اطلقها رئيس اتحاد تجار ومصنّعي المواد الغذائية عبدالله البعيجان الذي ساق اتهامات خطيرة ضد "اثرياء الحرب" المستفيدين بالواسطة والفساد والاحتكار من دون غيرهم من التجار من العقود مع الجيش الاميركي. وقال: "عدد المستفيدين لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة… ما يعني ان هذا النزر القليل من المستفيدين يضم في يديه عشرات لا بل مئات الوكالات التجارية ويملك عدداً من المصانع الكبيرة وحده ويسيطر على هذه الفرصة الهائلة، اذا ما اخذنا باتهامات البعيجان". وهذه الاتهامات وغيرها لا تستثني الجهات الحكومية المحلية من الاشارة اليها ب"الريبة والتواطؤ". وقال "متضرر" في هذا المجال ل"الحياة": "ستظهر تباعاً خفايا لا تخطر ببال احد. واذا اردنا معرفة جانب منها علينا النظر الى ضآلة الحسابات المصرفية التي تتحرك فيها هذه الاموال". ويوضح: "المصارف تعرف القليل القليل عن حركة هذه الاموال، وهذا لا يعني ان الصفقات لا تعقد بل يجب السماح بالنظر في عشرات الحسابات الحكومية في البنك المركزي لمعرفة ماذا يجري".