حصد القطاع الخاص الكويتي ما يصل الى نحو نصف بليون دولار من العقود الموقعة مع "قوات التحالف" في مرحلة ما قبل الحرب على العراق... لكن مجتمع رجال الاعمال، الذي يتطلع الى قطف ثمار جزء من كعكة اعادة اعمار العراق، يتوقع ان تخسر الكويت بعد الحرب التعويضات التي لا تزال الحكومة تطالب بها نظام العراق الحالي عندما يرفع النظام الجديد شعار "عفا الله عما مضى". ولا تقل هذه التعويضات عن 40 بليون دولار. وفي الوقت الذي يخزن الكويتيون المؤن والوقود وحتى الذهب، الذي سحبوه من المصارف، أعلنت "الكويتية" خطط طوارئ لنقل الاسطول الى الشارقة تحسباً مما اصابها اثناء الغزو السابق. في الوقت الذي تختتم فيه دبي مهرجان التسوق تستعد لاعلان احصاءات زوار "تفتخر" الامارة بتزايدهم عاماً بعد عام، وفي الوقت الذي اطلقت فيه بيروت مهرجانها الخاص بالسياحة والتجارة وتستعد لاستقبال زوار من الخليج العربي عموماً والكويت خصوصاً، في هذه الأثناء بدأ مهرجان "هلا فبراير" في الكويت يجر ذيول خيبته، حيث الأسواق شبه فارغة ليس فقط من الزوار الاجانب بل من أهل الديرة ايضاً الذين فضلوا الاتجاه الى دبيوالبحرينوبيروت لقضاء عطلة الأضحى الطويلة، وهم يستعدون الآن لارتياد المدن عينها خلال عطلة عيد التحرير الاسبوع المقبل. وتؤكد مصادر شركات السياحة والسفر ان الحجوزات كاملة وثمة رحلات اضافية وضعت في الخدمة الى البحرين والامارات العربية المتحدة ولبنان، اذا لم تعكر السفر اليه الازمة السياسية بسبب تأييده للعراق، فضلاً عن القاهرة ودمشق. و"هجرة" الكويتيين الموسمية هذه ليست كباقي "الهجرات" بداعي السياحة والسفر والتسوق وحسب، بل هي تأتي في مرحلة "يغلي" فيها الشارع قلقاً على مصيره في ظل حرب يشيع الاعلام الكويتي انها محتومة و"ضرورية" لاسقاط نظام صدام في ما يشبه الثأر للغزو العراقي عام 1990. موطئ قدم ما... في مكان ما ودفع هذا القلق المتعاظم بعدد كبير من المواطنين الى البحث عن موطئ قدم ما في مكان ما ريثما ينجلي غبار الوضع المتأزم على حدودهم، والذي قال عنه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية صباح الأحمد انه سيصيب البلاد ب"طشارة" أي بشظاياه. و"الشظايا" هذه المرة قد تكون جرثومية أو كيماوية. ولجأت وزارة التجارة والصناعة الى طمأنة المواطنين الى سرعة اجراءات شراء اقنعة غاز بعقود من عدد من البلدان نحو مليوني قناع وكثفت حملات "التوعية والارشاد" التي تركز على أن المخزون الغذائي الاستراتيجي متوافر ولمدة 6 شهور على الأقل. وحذرت وزارة التجارة من التلاعب بالأسعار استغلالاً للظرف الطارئ واقتناصاً لفرصة اقبال شريحة واسعة من المواطنين على خزن كميات غذاء وماء تحسباً لانقطاع الامدادات لسبب ما. ودفع هذا الهلع وزارة التجارة الى الاعلان عن أن المخزون من الرز والسكر والحليب بودرة والزيت والعدس ومعجون الطماطم وغيرها من المواد الاستهلاكية الاولية... سيكون متاحاً أمام المواطنين والمقيمين عند أي طارئ، ومع ذلك عجّت الجمعيات التعاونية والمجمعات التجارية الكبرى في الآونة الأخيرة بطالبي خزن الغذاء والماء والمواد الاستهلاكية الجارية. وظهر ان معظم هؤلاء هم من المواطنين الكويتيين إذ أن المقيمين الأجانب هم أقل، وهذا ما أكدته وكالة الاحصاء والدراسات "ستات اكسبوس" في آخر استطلاع لها أكد ان ثقة المستهلكين الوافدين لم تتأثر خلال كانون الثاني يناير قياساً بكانون الأول ديسمبر وتراجعت ثقة المستهلكين الكويتيين 8 نقاط من 69 الى 61 نقطة. وردت الوكالة هذا التراجع الى تعاظم احتمال شن حرب على العراق من قبل الولاياتالمتحدة. ويذكر أن هذا الاحساس بالخطر رافقته جملة تصرفات من نوع زيادة السحوبات النقدية وسحب المجوهرات والذهب من خزنات المصارف وما الى ذلك من الاحتياطات التي رأت فيها شرائح واسعة من الكويتيين ملاذاً من أي طارئ في أي لحظة. "الكويتية" تنتقل الى الشارقة وعلى خط مواز، اجرت مؤسسات حكومية وخاصة تجارب وهمية لفحص مدى قدرتها على احتواء نشوب أي ازمة. واعلنت مؤسسة "الخطوط الجوية الكويتية" انها أعدت خطة طوارئ وأنها ستنتقل الى مطار الشارقة في حال الخطر الحقيقي على اسطولها وخطوطه. كما اجرت الوزارات المختلفة تجارب اخلاء وهمية على مدى الشهر الماضي وهي مستمرة في هذه التجارب مستنفرة لها الدفاع المدني وغيره من الاجهزة المعنية للوقوف على حقيقة فاعلية الخطط الموضوعة في حال نشوب حرب تصيب الكويت على نحو مباشر أو غير مباشر. الاعمال مزدهرة في ظل الحرب وإذا كان هذا نبض الشارع وعامة الناس، فإن نبض مجتمع الأعمال مختلف وهو يدق على وقع فرص الحرب وفرص ما بعد الحرب أي ما بعد نظام العراق الحالي. ففي الجانب الأول نشطت شركات ومؤسسات عدة في توقيع عقود مع القوات الاميركية والجيش الكويتي لتوريد ما تحتاجه هذه القوات من المجتمع المدني من امدادات على أنواعها المختلفة. وقدّر مصرفيون قيمة العقود التي أبرمت منذ بداية شباط فبراير بأكثر من نصف بليون دولار لشراء معدات وتجهيزات ومستلزمات طبية ومواد أساسية تدخل في تشييد المعسكرات وتمديد أنظمة اتصالات وكومبيوتر فضلاً عن استئجار مخازن وأراض الى جانب التزود بالوقود والغذاء والماء والاقامة في الفنادق. زوار الطوارئ وفنادق الكويت المهجورة معظم أيام السنة تشبه اليوم ثكنات أو خلايا نحل فيها أعداد كبيرة من الصحافيين الاجانب والوفود الأمنية والعسكرية الى جانب عدد لا بأس به من ممثلي شركات الأسلحة والأنظمة الدفاعية. ويندر وجود فندق متوسط أو كبير في الكويت حالياً لا توجد فيه هذه الفئات من "زوار الطوارئ" والضيوف الاستثنائيين. ويحظى قطاع النقل حالياً بانتعاش نسبي لافت إذ تعاقدت شركات عدة مع الجيش الاميركي وهي لذلك اشترت أساطيل اضافية حديثة قدرت بأكثر من 600 حافلة وآلة نقل وباص من الاحجام المختلفة فضلاً عن الشاحنات والناقلات البرية. كما تعاقدت شركات الدواجن والبيض المعروفة في الكويت مع القوات الاميركية وتبلغت المستشفيات بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لجهة حجز أسرة كافية إذا دعت الحاجة الى ذلك. وزاد الطلب على خدمات الاتصالات النقالة لا سيما خدمات "الثريا" التي تمثلها في الكويت احدى شركات الهاتف الجوال. والاقبال على "الثريا" لما له من ميزات البقاء بتواصل مع العالم من اي نقطة وتحت أي ظرف كان لافتاً من قبل شريحة مديري واصحاب الشركات الكبرى والمسؤولين الحكوميين فضلاً عن "الزوار والضيوف" الاجانب الاستثنائيين. التعامل مع العراق بعد صدام هذا في الجانب المرحلي للأزمة وتداعياتها وفرصها، أما في الجانب الاستراتيجي فيشغل بال الحكومة قليلاً والقطاع الخاص كثيراً، أمر التعامل الاقتصادي والاستثماري مع عراق ما بعد صدام ولهذا الغرض أقامت غرفة التجارة والصناعة حلقة دراسية تناولت فيها جاهزية القطاع الخاص الكويتي للمنافسة في حصد عقود اعمار وبناء وانماء في العراق. ولا تخلو ندوة أو لقاء أو مؤتمر صحافي اقتصادي صغير أو مؤتمر اقتصادي عام الا ويُطرح سؤال بأن الأزمة لا تفارق الجميع: كيف تستعد الكويت اقتصادياً لمرحلة ما بعد صدام. وخلاصة الآراء تتمثل في الآتي: 1- ان المنافسة ستكون شديدة ليس على العقود الكبيرة لان الجميع مقتنع بأنها ستكون من نصيب الشركات الاميركية والبريطانية وغيرها من الدول الكبرى الحليفة، بل على العقود الصغيرة والمتوسطة والمقاولات من الباطن. وهذه المنافسة ستدخل في حلبتها شركات ايرانية وتركية وسورية ومصرية ولبنانية واردنية واماراتية وسعودية. ويخشى الكويتيون ان تكون هذه الدول، او معظمها، أسست لها قواعد وعلاقات في العراق منذ اعوام خلت وهي تعمل وفق معادلة "تفاهم النفط مقابل الغذاء". وهي بذلك ستكون سبّاقة لقطف بعض ثمار المرحلة المقبلة، وذلك سيعقّد المسألة بالنسبة الى الكويتيين الذين يعتبرون انفسهم "اولى بالمعروف"، بالنظر الى العلاقات القديمة المميزة والقرب الجغرافي فضلاً عن ان الكويت كانت تعتبر تاريخياً النافذة الاقتصادية والتجارية للعراق عموماً وجنوبه خصوصاً. 2- ثمة شبه اجماع على ان الموانئ الكويتية غير مؤهلة بطاقتها الاستيعابية ومعدات المناولة التي فيها حالياً لتلك المرحلة المنشودة، ولم توظف في هذه الموانئ استثمارات توسعة كبيرة منذ ما قبل الغزو العراقي بخلاف موانئ السعودية والامارات ولبنان. ومع ذلك يعوّل الكويتيون على القرب الجغرافي الذي هو ميزة تفاضلية لصالحهم في هذا المضمار، كما ان البعض يعوّل على الموقع الاستراتيجي الذي للكويت على الخليج العربي باطلالته على محور دول تتقاطع مصالحها في هذا الموقع "المميز". وفي هذا المجال يخشى البعض ان تكون دبي قطعت اشواطاً بعيدة امام الكويت تؤهلها للعب الدور المميز المذكور وذلك في ظل التطور الهائل الذي شهدته موانئ الامارة ومناطقها الحرة ومطارها. فمنطقة الكويت التجارية الحرة مشغولة حالياً بتعقيدات ادارية وقانونية، وادخلت ادارتها نفسها في نزاع مع الحكومة اثر مخالفات كانت ستودي بالعقد برمته. في المقابل هناك منطقة العقبة الاردنية الحرة ومنطقة جبل علي الاماراتية اللتان يؤهلهما بلداهما للعب دور اقليمي محوري هدفه العراق في المرحلة المقبلة. 3- يقول تقرير الشال الاقتصادي انه: باستثناء بعض المبادارت الفردية من مؤسسة عسكرية او مدنية هنا وهناك لم يقدم احد اي عمل على مستوى كلي حكومي يعظم ايجابيات التحول المحتمل في العراق ويقلل من مخاطره. 4- في المقابل يرى خبراء اقتصاديون ان الهاجس الامني هو الذي تحكم بالكويت طيلة 13 عاماً وكانت له الاولوية المطلقة حتى ان البلاد باتت شبه مغلقة على العالم وذلك بفعل الاحساس الدائم بخطر نظام العراق على الكويت وسيادته. اما بعد صدام، فيرى هؤلاء ان الهاجس سيتراجع وسيترافق ذلك مع انفتاح اقتصادي للبلاد يعيد اليها مجدها التجاري السابق الذي كان ايام لم تكن هناك دبي ولا البحرين! 5- وليس صدفة ان تصدر قبل يومين فقط اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الاجنبي، اذ مضى على صدور القانون اكثر من سنة وهو بقي حبراً على ورق من دون لوائح تشرح تنفيذه. وقبل يومين فقط اصدرت وزارة التجارة هذه اللوائح التي تحدد المميزات والتسهيلات التي تمنح للمستثمر الاجنبي وهي وان كانت لا ترقى الى مستوى التسهيلات المعمول بها في دبي او البحرين لكنها تعد خطوة متقدمة جداً بالنظر الى تاريخ الكويت الفقير بهذا النوع من الاستثمارات التي لم يخطر على بال احد من قبل ! تقديم تسهيلات لها. خسارة 40 بليون دولار 6- لا يساور الشك احداً في الكويت ان التعويضات التي لا تزال الحكومة تطالب بها نظام العراق الحالي سيكون مصيرها مجهولاً مع النظام الجديد المحتمل قدومه على اساس "عفا الله عما مضى". وهذه التعويضات لا تقل عن 40 بليون دولار. 7- يعتقد البعض ان الانفاق على التسلح والامن الذي استهلك خمس الموازنة في المعدل الوسطي السنوي لموازنات الاعوام القليلة الماضية، سيكون اقل اذا زال الخطر العراقي بالمفهوم الكويتي وهذا الانخفاض سيزيد فرص الانفاق التنموي والاستثماري الامر الذي طالب به القطاع الخاص لتحقيق فرص عمل مجزية. 8- تبقى الاشارة الى ان القطاع الخاص الكويتي وعلى رأسه غرفة التجارة والصناعة ينسى كل هذه المنعطفات والتحديات وعلامات الاستفهام، ولسان حاله هذه الايام امام كل الوفود الاجنبية التي تزور البلاد: احجزوا اماكنكم في الكويت لانها الاقدر على تعظيم مكاسبكم في عراق ما بعد صدام. وتجد هذه الدعوة آذاناً صاغية على ما يبدو بدليل ان التوتر قائم في المنطقة منذ شهور ومع ذلك استقبلت الكويت عشرات الوفود الاقتصادية من بريطانيا وبلجيكا وايطاليا واميركا وفرنسا وربما الحبل على الجرار.