أنفقت القوات الأميركية في الكويت في غضون الأشهر الثلاثة الأخيرة، مئات الملايين من الدولارات، من أجل تموين وإيواء أكثر من 130 ألفاً من جنودها المحتشدين في صحراء الشمال القاحلة. وتتراوح تقديرات الاقتصاديين لحجم هذا الانفاق بين 300 مليون دولار وبليوني دولار، أكثرها لقطاعات النقل والمواد الغذائية ومستلزمات الإيواء والسكن ومواد البناء. لكن خبراء كويتيين قللوا من فائدة ذلك الانفاق للاقتصاد الكويتي. وتتردد روايات، كثير منها يتضمن مبالغة، عن مندوبي الجيش الأميركي الذين يدخلون مخازن الشركات الكويتية، ويوقعون شيكات فورية لشراء كل المخزون، ومن دون مساومة على السعر. وهناك رواية عن بيع شركة معروفة لأجهزة التبريد والثلاجات، كل مخزونها للسنوات الثلاث المقبلة للجيش الأميركي، على أن يكون التسليم في مدينة البصرة. وتفيد رواية أخرى عن اجتماعات يعقدها ممثلون عن الحكومة الأميركية مع تجار كويتيين لتوقيع اتفاقات وكالة، بشروط يسيل لها اللعاب، ليكونوا متعهدين للجيش الأميركي في فترة ادارته العراق بعد اسقاط النظام. وتسببت اشاعات عن استخدام منطقة العبدلي الحدودية الكويتية كنقطة تخزين لمستلزمات إعادة بناء العراق، في تضاعف أسعار الأراضي والمزارع هناك، لكن الخبير الاقتصادي جاسم السعدون رأى ان كثيراً مما سبق مبالغ فيه، وانه على رغم الانفاق الكبير، تبقى استفادة الكويت منه كدولة محدودة جداً. وقال السعدون ل"الحياة": "لا يوجد مصدر أو اسلوب دقيق لحساب كم ينفق الأميركيون في الكويت، والأرقام تختلف اذا حسبنا ما ينفق فعلاً أو حسبنا الالتزامات والتعاقدات المستقبلية وهي مشروطة بما ستؤول اليه الأمور في الأزمة". وتابع: "ان 700 مليون دولار رقم ممكن لحجم انفاق القوات الأميركية حتى الآن، ونتوقع الكثير في المستقبل المنظور، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار ما يشترى للقوات الاميركية عن طريق الحكومة الكويتية، لا سيما المواد الغذائية والوقود". وأقام الأميركيون 8 معسكرات ضخمة في شمال الكويت، وعملوا كي يؤمّنوا للمئة وثلاثين ألف جندي أميركي فيها، كل وسائل الرفاهية التي تتوافر للفرد في الولاياتالمتحدة، ابتداء من الآيس كريم وانتهاء بألعاب التسلية الالكترونية. وعلى رغم ان كثيراً مما يجلب لهؤلاء الجنود يأتي من وراء البحار، جعل التوسع السريع في حشد القوات، شراء كميات ضخمة من المستلزمات أمراً لا مفر منه. وقيل ان الأميركيين اشتروا عشرات الآلاف من قطع الأثاث ومولدات الكهرباء والصهاريج لنقل المياه والحاويات المبردة والثلاجات ومكيفات الهواء، وابتاعوا تقريباً كل الخيم في السوق المحلية. وكتب مراسل لصحيفة "نيويورك تايمز" كان في أحد تلك المعسكرات عندما هبّت العاصفة الرملية الشديدة الاسبوع الماضي، ان الخيم المصنوعة في الكويت هي التي ثبتت أمام العاصفة، بينما طارت عشرات من الخيم العسكرية الأميركية الصنع. وهناك رواية عن ضابط اميركي دخل محلاً للألبسة الرياضية في الكويت، واشترى كل الأحذية الموجودة فيه، وعن صاحب شركة الأثاث المكتبي الذي قدم المخزون الكاسد من هذا الأثاث منذ سنوات للأميركيين بسعر فاحش... وعن مخازن الاسمنت والحديد التي فرغت سريعاً مما فيها بسبب الطلب الاميركي الكبير وبأسعار خيالية. لكن جاسم السعدون يرى في ذلك مبالغات، ويقول ان معظم العقود الاميركية يبرم في ظل الضوابط المحاسبية التي تنفق فيها أموال دافع الضرائب الاميركي. ويضيف: "عكس الحال للانفاق العسكري الاميركي في تركيا مثلاً، هذا الانفاق ليس له الفائدة ذاتها في الكويت، لأن الأتراك يبيعون الاميركيين أصنافاً من صناعتهم، أما تجارنا فيعملون على أساس وكلاء بالعمولة، ويقدمون على الغالب بضاعة مستوردة. وبما ان هؤلاء التجار لا يدفعون ضريبة على مكاسبهم هذه، فإن الاقتصاد والدولة في الكويت لا يستفيدان. وتسبب الانفاق الاميركي لشراء بعض الأصناف في ضغوط تضخمية على المستهلك الكويتي بسبب ارتفاع الأسعار، وبسبب مزاحمة عمليات الانزال الاميركي في المطارات والموانئ الكويتية لعمليات التوريد للسفن التجارية، حصلت اختناقات في عمليات التوريد". ويلاحظ ان عمليات الحشد العسكري الاميركي "تسرّع عملية استهلاك مرافق كويتية، وتزيد اعباء صيانة البنية التحتية في الدولة". ويرى السعدون ان كثيراً من العقود التي يبرمها الاميركيون مع تجار وشركات في الكويت، يتضمن شروطاً تجعل الجانب الاميركي في حل من التزاماته اذا الغت التطورات الحاجة الى الأصناف التي يتعاقد عليها و"مع كل ما يجري، الحرب ليست حتمية وقد لا تقع". ويختتم قائلاً: "ما ينشر في بعض الصحف من أن الأميركيين يتهافتون على عقد اتفاقات وكالة مع تجار خليجيين وكويتيين، لمرحلة ما بعد احتلالهم العراق، غير منطقي، فالأميركيون ليسوا بحاجة الى وسطاء، الا في حالات نادرة".