في مثل هذا اليوم من العام 1994 سقط المسرحي الكبير عبدالقادر علولة في شارع مستغانم في وهران الباهية على بعد بضعة أمتار من منزله المتواضع متأثراً برصاص الغدر الذي احترفه جيل جزائري لم يلقن درس حق الناس في حرية المعتقد وعلى الأقل احترام - وليس تذوق - الفنون والآداب حتى وإن كان أصحابها من الشيوعيين. الفقيد علولة الذي يعد أهم مسرحي عرفته الجزائر غير معروف بالقدر الكافي في فرنسا - وهو بدوره راح ضحية التهميش "المهذب" مقارنة بكاتب ياسين ورشيد ميموني اللذين تخلصا من العقاب الايديولوجي قبل وصولهما الى الدار الآخرة - كان عليه أن ينتظر سنة الجزائر في فرنسا ليكرم في ضاحية "بلان منيل" الواقعة شرق باريس وليس في مسرح كبير ومعروف يفرض تغطية صحافية تعرف به حياً على رغم أنف الذين قتلوه: "إذا قتلوني فقد عشت". صاحب هذه المقولة رفض مغادرة الجزائر ولم يعبأ بكل التهديدات التي تلقاها وبقي يتردد على جمعية مرضى السرطان التي يترأسها مترجلاً من دون حراسة. واغتيل في يوم رمضاني لحظة توجهه الى المسرح الجهوي في وهران. بعد مرور تسعة أعوام تقريباً من تاريخ مراسم دفنه التي تحولت الى تظاهرة شعبية لم تعرفها البلاد، يعود الراحل بقوة الى واجهة الأحداث الثقافية والمسرحية بإبداعاته القديمة التي نالت اعجاب الجمهور والنقاد في عواصم عربية عدة وبإبداعات جديدة تقدم للمرة الأولى في فرنسا بمناسبة سنة الجزائر التي نجحت في تقدير محافظها العام ايرفيه بورغ على رغم عدم تجاوزها الشهر الثالث من تاريخ انطلاقها في "قاعدة برسي" ليلة تنظيم حفل فني سيطر عليه مطربو الراي. اشتمل برنامج الحدث المسرحيالذي انطلق في نهاية الشهر الفائت ويستمر الى الرابع والعشرين من شهر أيار مايو على مسرحية "الأجواد" التي نالت جائزة أحسن عرض مسرحي في مهرجان قرطاج في تونس في العام 1989 ومسرحية "اللثام" التي أخرجها هذه المرة خير الدين لرجم وهو نفسه الذي ساعد ارنو مولييه في اخراج مسرحية "الأجواد". والدليل الذي يثبت ان علولة رحل ولم يترك إلا القديم من ابداعاته اقتران الحدث المسرحي بتاريخ طاقم مسرحي جديد مكون من أعضاء فرقة "الأجواد" - عنوان احدى مسرحياته - الشاهدة على ارث الراحل. وتجمع هذه الفرقة الشابة التي تكرس توجهه نبيلة قرمسلي وجميلة صمود ورحاب علولة - ابنة الفقيد علولة - وخير الدين لرجم وجميل بن حماموش وفتحي قليل وعبدالقادر مغراوي وعز الدين حقة وحبيب لرجم وموفق جيلالي وشاكر كحجوب وعبدالله بن زواق الى جانب بعض الوجوه القديمة مثل عبدالقادر بلقايد ومحمد حيمور وابراهيم وفضيلة عشماوي. "الخبز" و"نسين والسلاطين" هما المسرحيتان الجديدتان اللتان تقدمان للمرة الأولى في فرنسا منذ رحيل علولة. وأخرج الأولى باقي بومعزة عن النص الذي كتبه علولة في نهاية الستينات وترجمه محمد قاسمي، والثانية عزري غوتي أحد أقرب مساعدي أو أصدقاء علولة ومدير المسرح الجهوي في وهران، وساعده في الاخراج الممثل القدير عبدالقادر بلقايد، وكشف علولة في نصه الأول عن شخصية كاتب عمومي - سي علي - يشهد على معاناة مواطنين تعبوا من المراسلات غير المجدية لحل مشكلاتهم الاجتماعية اليومية. وكعادته مرر رسالته المتضمنة ادانة واضحة لسلطة تكسر آمال أو أحلام شعب يريد بناء وطنه وضمان لقمة عيش كريم. والمسرحية كما تبين لاحقاً كانت بداية رحلة حب وتضامن مع الفئات الشعبية الكادحة التي مجدها علولة الى آخر يوم من حياته. مسرحية "نسين والسلاطين" التي استوحاها علولة من خمس قصص للكاتب التركي الكبير عزيز نسين هي الأخرى محطة فكرية وسياسية جديدة أخرى عالج علولة من خلالها تجاوزات السلطة الطاغية حيال المثقفين المأسورين. وعلاوة على المسرحيات المبرمجة المذكورة... بادر مسؤولو مجمع "بلان منيل" الثقافي الى تنظيم ملتقى عن مكانة علولة في المسرح الجزائري المعاصر، ومن المنتظر أن يجمع في الخامس عشر من الشهر الجاري رجاء علولة زوجة الفقيد ورئيسة مؤسسة عبدالقادر علولة وجويدة خدة الباحثة في أعماله وميشال سيمونو الكاتب والمخرج والباحث المسرحي وفيليب تسلان الشاعر والفيلسوف ومدير قسم المسرح في جامعة باريس 8 وأحمد شنيقي الناقد المسرحي والأستاذ في جامعة عنابة ويحيا بلعسكري الصحافي في اذاعة فرنسا الدولية.