مع بداية "الجلسة" أمر "أ-م" الذي يلعب دور "الشيخ" زوج المريضة بالخروج "كي لا تزعج كبير الجن بوجودك"، وعندما رفض الزوج وافق "أ-م" على وقوف الرجل ولو قليلاً قرب زوجته، عندئذ احضر الشيخ - المشعوذ سكيناً ووضعها على رقبة المرأة من الخلف وأدخلها عميقاً. صعق الزوج "س-ح" من المشهد فقال له المشعوذ امسح مكان الجرح بريقك فيشفى. هذا الكلام بدأ به الزوج حديثه مستذكراً نصيحة احد اصدقائه له ولزوجته "م-ع" بأن يقصدا عيادة منزلية في بلدة صحنايا جنوبدمشق كي يتخلصا من حال الشجار المستمر بينهما. وقال الزوج شارحاً "طلب مني "الشيخ" أن أدير له ولزوجتي ظهري ولا أشاهد طريقة العلاج ففعلت، وعلى رغم ذلك فكرت ملياً بمظهره الخارجي، إذ لا يبدو عليه مظهر رجل الدين الوقور وهيبته، وأيضاً كان يدخن سجائر "حمراء طويلة" نوع من السجائر السورية، ما زاد الشك لدي، ولكني استمريت، وطلب مني في نهاية الجلسة ان أحضر له في المرة المقبلة من سوق البزورية عنبراً وأعشاباً اخرى بقيمة 2500 ليرة سورية كي ينجح في طرد الأرواح الشريرة من زوجتي". "سميرة - ط" متزوجة من رجل "على البركة" كما تقول وقد ألزمت بالزواج منه من اهلها ووصلت مشكلاتها معه الى الطلاق فنصحتها صديقتها بالذهاب الى "عقربا" بلدة جنوب شرقي دمشق عند "م-م". وعندما وصلت الى المكان كانت هناك نسوة ينتظرن قبلها. تقول شارحة "طلب مني الاقتراب منه والحديث عن مشكلتي ثم اخذ يتحسس يدي الى ان وصل الى إبطي، وكان يقرأ التعاويذ ويهمهم بشكل مخيف وقال لي عندما تشعرين بأن شيئاً خرج من تحت اظافرك اخبريني لأعرف انهم غادروا، وتابع يتلمس اجزاء جسدي حتى شعرت بالاختناق وطلبت منه ان اعود في جلسة اخرى لأكمل العلاج وطبعاً لم أرجع لأنه كذاب ومنافق". مهند البواب شاب مريض يعالج نفسه عند اخصائي بالأمراض النفسية والعصبية وطلب ذكر اسمه كاملاً لعدم وجود شيء مخجل كما قال وكونه ايضاً يعاني منذ ثماني سنوات من اضطراب ثنائي القطب ويمر ما بين فترة وأخرى بهجمات همودية وهجمات هوسية ولا يكون خلالها مسؤولاً عن تصرفاته، وكل الناس يعرفون ذلك. وأضاف مهند "بدأ معي جلسات تكبيس يقرأ فيها القرآن الكريم وبعض الأدعية وشعرت عنده بالارتياح ولكني لم اوافقه على ترك الحبوب التي وصفها لي الطبيب النفساني". وأخبرنا الشيخ أبو أنس بأنه يعالج الحالات المستعصية والتي لم يجد الطب لها اي علاج بالعقاقير والمهدئات مثل القلق والصرع والهستيريا والفصام والاكتئاب "وهذه الحالات اعتاد الطب ان يعالجها بالأدوية وقد لا تعطي نتائج في حالات كثيرة ما يؤدي الى صعوبة علاجها وقد أنشأنا موقعاً على الإنترنت ندعو فيه الى علاج تلك الحالات التي ذكرت، وأجرنا على الله لأنه الشافي والمعافي". ولدى سؤالنا رجل الدين محمد علي القطان عن هذه الطريقة بالعلاج وأيضاً كيف جعلها البعض تجارة ويستخدمونها لأغراضهم الشخصية قال لنا: "اتخذ الناس الرقية سنّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يقرأون القرآن، ويدعون للمريض بالشفاء، ولكن نتيجة جهل البعض في مجتمعنا تطورت الفكرة الى طلب الناس من الأولياء وأصحاب الكرامات أن يشفوا مرضاهم، وقويت الفكرة في العهد العثماني عندما قويت شوكة رجل الدين فأضحى هو الذي يحرم ويحلل ويحرم الناس من إبداء رأيهم حتى في مشكلاتهم وصار هو الواسطة بينهم وبين ربهم، وفي هذه التربة المتخلفة ترعرعت الشعوذة وأصبح المشعوذ يرتدي ثوب رجل الدين وصار يزوج ويشفي ويطلق ويقرب ويبعد ويكشف اسرار الصدور وهي امور من صفات عالم الصدور، وكل هذا مخالف للشريعة. وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: "من أتى كاهناً او عرافاً مصدقاً له فقد كفر بما أنزل على قلب محمد" اي يكون قد كفر في القرآن لقوله تعالى ]كذب المنجمون ولو صدقوا[ وبالنتيجة يعود الأمر ايضاً الى حال ضعف الناس فكرياً واعتقادياً بقوة الله فيلجأون الى من هو اضعف منه ولكنهم يخسرون". اما الطبيب عبدالحكيم العمر الاختصاصي بأمراض الصحة الفنسية فأكد ان هناك الكثير في مجتمعنا ممن يؤمنون بدور هؤلاء المشعوذين "الذين يتخذون من الدين وسيلة وقناعاً، وترجع اسباب ذلك الى غياب الوعي بدور الطب النفسي وأهميته، لا بل ما زالت هناك فئات وشرائح من مجتمعنا تعتبر زيارة الطبيب نوعاً من الفضيحة الاجتماعية، وربما يعتقد بعضهم ان اجر الطبيب اغلى، الى ما هنالك من اسباب، لكن السبب الرئيس يعود الى المستوى الثقافي المتدني للأسر المعنية بالحال المرضية ولتأثير افكار التخلف الاجتماعي المتوارثة من جيل الى جيل عن الدور المبالغ فيه لمثل هؤلاء السحرة والمشعوذين والدجالين الذين لا يهمهم بالنتيجة سوى تحقيق غايات دنيئة او سرقة اهل المريض مالياً في مقابل اعطائهم وعوداً كاذبة وأملاً بالشفاء مخادعاً، وعندما يتحقق الأهل من كذبهم ويواجهونهم، لا يعترف المشعوذون بأنهم دجالين بل يرجعون اسباب عدم الشفاء الى الله أو إلى الجان والعفاريت أو بحجة انهم خدعوه وذهبوا للطبيب وأخذوا وصفاته ودواءه فحصلت الخطيئة، الى ما هنالك من ذرائع وحجج". ويعرض العمر حادثة جرت مع احد مرضاه ممن تعتبر حالهم المرضية شبه مستعصية الشفاء، لا بل انه يكاد ان يحمل جسده الضامر، حينما اخذ الشيخ - المشعوذ يضربه بقضيب على ظهره بحجة طرد الشياطين. وقال العمر "هل يعقل ان يحصل ذلك بحق هؤلاء المرضى في مجتمعنا ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لقد خجلت بعض قبائل الأدغال في افريقيا من فعل ذلك". ويضيف "هذا مجرد مثل، ما رأيك في ان الشابة المريضة التي خرجت برفقة والدها منذ قليل تعرضت للاعتداء الجنسي من احد هؤلاء المشعوذين، لقد قام هذا الرجل بفعلته في مرحلة حرجة من مرضها، مرحلة قاسية لم تكن تميز فيها زوجها من اخيها، اما اليوم فهي تكاد تتماثل للشفاء بفعل المتابعة منذ ما يقارب العام الى اليوم". هذه بعض النماذج والحالات التي التقيناها، لكن في الزوايا التي لم نصلها بعد ما هو اكثر من مجرد تخلف وشعوذة، ثمة مآس لم تمت مع اصحابها، ربما، او محجوبة عن الرؤية بفعل السجون والجدران السميكة الكثيرة.