يقف جمال سليمان اليوم خلال دراسته الأكاديمية للمسرح الى السينما والتلفزيون، في مقدم نجوم الفن الدرامي السوري، خصوصاً أنه لعب أدواراً تلفزيونية وسينمائية مهمة حققت نجاحات كبيرة مثل أدواره في مسلسلات "خان الحرير" و"الثريا" و"المحكوم" و"صلاح الدين الأيوبي" و"صقر قريش" و"الفصول الأربعة"، إضافة الى دور البطولة في فيلم المخرج الإيراني سيف الله داد "المتبقي". عن السينما والتلفزيون وأدواره وأمور أخرى حاورته "الحياة": منذ فيلم "عائد الى حيفا" دورك الأول، وحتى "صقر قريش" مسافة زمنية كبيرة لعبت خلالها أدواراً متنوعة بين السينما والتلفزيون. كيف ترى مسيرتك الفنية وماذا حققت من طموحك؟ - "عائد الى حيفا" حقق بعد أشهر من تخرجي في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1981، ونحن الآن في عام 2003 أي أنه مضى زمن طويل فعلاً. ثلاث سنوات ونيف من هذا الزمن الطويل قضيتها طالباً عائداً الى مقاعد الدراسة في الخارج. وخلال هذه السنوات عملت في المسرح والتلفزيون والسينما وأيضاً في التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولا أستطيع إلا أن أقول انها كانت سنوات مملوءة بالعمل. بطبيعة الحال لم يكن كل ما فيها مرضياً وموفقاً بالنسبة التي يتمناها المرء. أنت تعلم أننا نعمل في مهنة ابداعية معقدة ترتبط بشبكة من الظروف والشروط تمتد من الفلوس وتنتهي بذائقة المشاهد مروراً بالرقابة المتنوعة وبوضعك النفسي كفنان وبطبيعة الفرصة المتاحة لك وبالمجموعة التي تعمل معها. النجاح هنا كما الإخفاق يأتي منك ومن خلال الآخر أيضاً. بصورة عامة إذا نظر المرء من موقعه الآن الى الوراء نظرة تقويمية عامة - وهذا ما أعتقد أنك قصدته بسؤالك - سيرى الكثير من العيوب والنواقص ولكنه سيرى أيضاً أشياء تدعو للرضا، وربما أكثر من الرضا بخاصة إذا تذكر الظروف والإمكانات التي أنجزت هذه الأعمال من خلالها. بداية الاحتراف دورك في "المتبقي" مع المخرج الايراني سيف الله داد كان عودة جديدة لرواية غسان كنفاني "عائد الى حيفا" ولكن في دور آخر. ماذا أعطتك هذه التجربة؟ وأين أنت من السينما السورية القليلة الانتاج أصلاً؟ - كما ذكرت "عائد الى حيفا" كان دوري الأول مع المخرج قاسم حول الذي أعطاني فرصة الظهور الأول كممثل محترف، لا سيما أن الشخصية الطفل الفلسطيني الذي حازته المهاجرة اليهودية التي اسكنت مع زوجها العاقر في منزل أسرة الطفل بعد أن هجرت قسراً عام 1948 وربته ليصبح اسرائيلياً وضابطاً في جيش الاحتلال كات ناطقة باللغة الانكليزية وأنا كنت الأسوأ بين طلاب دفعتي في معرفتها. لكنني ولكي لا تهرب الفرصة مني لم أضع المخرج بصورة رداءة لغتي الانكليزية، فقط اكتفيت بأن أقول ان لغتي وسط وسألجأ لمن يساعدني. ومن حسن حظي أن وقت المخرج كا ضيقاً إذ كان عليه العودة الى بيروت لمتابعة التصوير فلم يدقق بالأمر وترك معي مبلغاً من المال وقال لي اتصل بمدرس لغة جيد وحضر دورك فالتصوير بعد أسابيع وهذا ما حصل. تعلمت أن أقبل التحدي وأتغلب على خوفي وعندما عاد قاسم مع بقية المجموعة الى دمشق ربما كنت الأفضل بينهم من ناحية الحفظ، ما دفع قاسم للقول: آه... كنت تتواضع إذاً؟ أما في "المتبقي" الذي جاء بعد نحو خمسة عشر عاماً فلعبت دور الأب وشعرت يومها كم ان الوقت يمضي سريعاً وبالتالي تتغير الأدوار، نحن أنفسنا ولكن بأدوار مختلفة. كذلك شهدت مرة أخرى كم ان العقيدة السياسية تغير من رؤية الفنان للوقائع حتى وان كانت هذه الوقائع أدبية، فسيف الله داد لم يقبل أن ينجو الأب الفلسطيني بنفسه ليعود بعد عشرين عاماً ويحاور ابنه الذي تركه رضيعاً وعاد ليراه ضابطاً في جيش الاحتلال. عرفك جمهور الشاشة الصغيرة في أدوار كثيرة ومتنوعة، ولكنه أحب حضورك التلفزيوني في محطتين مهمتين الأولى مع المخرج هيثم حقي في "خان الحرير" و"الثريا" والمحطة الثانية مع المخرج حاتم علي في "الفصول الأربعة" و"صلاح الدين" و"صقر قريش". كيف ترى الدراما السورية اليوم؟ هل هي دراما المخرج أم الكاتب؟ وما هو موقع الممثل النجم في نجاحاتها واخفاقاتها على حد سواء؟ - لا شك في أن هيثم حقي مخرج كبير وتجربته أغنت الدراما التلفزيونية وأعطت للعمل الفني التلفزيوني أهم ملامحه التي نعرفها اليوم، كذلك استطاع حاتم علي أن يصنع لنفسه مكاناً في المقدمة. وكما أسلفت انه عمل جماعي يبدأ من النص ولا ينتهي إلا مع اللمسات الأخيرة للمونتاج والميكساج. حتى توقيت العرض ومستوى المحطة التي تروج للعمل وتعرضه، كلها عوامل تلعب دوراً في نجاح العمل ووصوله الى المشاهد. لا شك في أن للنجم دوراً كبيراً في جذب اهتمام المشاهد للعمل، هذا طبعاً عدا عن دوره الفني والابداعي، ولكل ممثل أو نجم دور وباع ومساهمة تختلف بحسب وضعه واهتماماته وخبرته وثقافته ونظرته الى مهنته ودوره الثقافي والإنساني فيها. ولكن في النهاية أنت لا تظهر سواء كنت نجماً أم ممثلاً مبتدئاً إلا من خلال شخصية كتبها المؤلف ولقطة قررها المخرج، وهنا يأتي دور العلاقة الإبداعية بين الممثل والمخرج ليصبح الناتج النهائي الذي يصل الى المشاهد هو حصيلة تفاعل خلاق أو بليد أو حتى لا تفاعل أحياناً. تجربة بوليسية لعبت في "المحكوم" مع المخرج محمد فردوس أتاسي دوراً مختلفاً عن كل حضورك التلفزيوني السابق من خلال قصة تمزج بين الاجتماعي والبوليسي في حبكة درامية مشوقة، هل تفكر في تكرار هذه التجربة؟ - نعم، أحببتها وكانت تجربة ناجحة ولكن لا تكرر شيئاً بحرفيته لأنه نجح. أحب تكرار التجربة مع فردوس أتاسي في العمل الاجتماعي في شكل خاص. الدراما التلفزيونية السورية طغت على سمعتها في فترة سابقة موجة "الفنتازيا التاريخية" كما أطلق عليها أصحابها. أين وصلت هذه الموجة اليوم؟ وكيف ترى الاختلاف بين المعاصر والتاريخي والفنتازيا في الساحة الفنية السورية؟ - الحديث عن الفانتازيا التاريخية أصبح ساحة مغناطيسية تجذب الكثير من المغالطات بدءاً من المصطلحات الفنية وانتهاء بالقيمة الحقيقية لهذا النوع الفني كفنتازيا، مروراً بالمهاترات والتحديات والأحاديث العشوائية. أولاً، هذا نوع من القص الأدبي والفني القديم، وله مكانته وحيزه في تاريخ الكلمة والصورة. ولعل أفلاماً وشخصيت كماشستي وطرزان وحكايات كليلى والذئب أمثلة حاضرة ومعروفة للجميع. ثانياً يستدل من تسميته "فنتازيا" أنه عالم افتراضي مشحون بلعبة الخيال والمخيلة التي هي شرط تكوينه وبنيته الفنية أي يجب أن يكون عالماً له بنيته وقانونه الافتراضي - الخيالي الخاص به وليس منعتقاً فقط من بعض قوانين الواقع ويسبح في جو لا ماهية ولا تكوين له والخيال يلعب فيه دوراً محدوداً متى شئنا وكيفما شئنا. ثالثاً هذا النوع الفني دخل الى الانتاج السوري كتابة على يد الكاتب هاني السعدي وإخراجاً على يد المخرج هيثم حقي في عملهما "غضب الصحراء" الذي لقي وقتها نجاحاً جماهيرياً كبيراً مصحوباً بجدل نقدي حار بين الناقد عمار الكسان والكاتب والمخرج هيثم حقي. ثم جاء بعد ذلك مسلسل "البركان" للمؤلف نفسه وللمخرج محمد عزيزيه وكان خطوة جديدة في نوعه، الى أن جاء المخرج نجدة أنزور وأخرج للمؤلف نفسه مسلسل "الجوارح" بانياً على انجازات من سبقه ومطوراً الشكل الفني من حيث مواقع التصوير وحركة الكاميرا وجمال الصورة مستفيداً من التطور السريع والمذهل لكاميرا الفيديو. ولكن الأستاذ نجدة سجل لنفسه براءة اختراع لهذا النوع واعتبره كما أسعفني فهمي للكثير من لقاءاته المتلفزة والمنشورة، بديلاً للعمل التاريخي والمعاصر. ولكن المشكلة هي أنه لم يبق من الفنتازيا في أعماله الأخيرة إلا اسمها وجاءت هذه الأعمال الأخيرة متأخرة وتراجع فيها عن مستواه ما خلا بعض اللقطات كتلك المأخوذة من الطائرة المعدة للتصوير. أما في ما يتعلق بالعمل التاريخي السوري فأنت تستطيع أن ترى حجم التطور الذي شهده بخاصة إذا رجعنا بالذاكرة الى الأعمال التاريخية الأولى لمؤلفين كالراحل المصري محمود دياب الذي أنجز مسلسله الشهير "الزباء" في سورية وأخرجه غسان جبري و"طبول الحرية" الذي كتبه د. وليد سيف وأخرجه علاء الدين كوكش، هذه الأعمال التي أسست لرؤية عميقة وواضحة على رغم الامكانات الانتاجية والتقنية المتواضعة آنذاك، ولكنها أسست - مستفيدة من التجربة المسرحية السابقة لها - لمدرسة في الكتابة والتمثيل والاخراج. ثم جاءت التجربة الناجحة للمخرج هيثم حقي مع الكاتب داود شيخاني لتعلي هذا البنيان وتطور هذه المدرسة الى أن وصلنا اليوم الى أعمال "كصلاح الدين" و"صقر قريش" وهي أعمال باعتقادي تشكل نقلة مهمة سواء على الصعيد الانتاجي أو الفني أو حتى الفكري نظراً الى التحرر النسبي الذي شهدته آلية الرقابة في المحطات العربية سيما بعد انتشار الفضائيات مما أتاح الفرصة لانتشار هذه الأعمال أكثر من سواه في السابق، واسمح لي هنا أن أشير الى ان من أولى الأعمال السورية التي حظيت بمزايا هذا الانتشار كانت أعمال الفنتازيا التي أخرجها نجدة أنزور ما خلق وهماً بأن الدراما السورية عامة وليست التلفزيونية فقط ولدت على يديه. أما بالنسبة الى العمل المعاصر فإن الأمور تتفاوت بين الجدية والاستسهال وما زلنا على رغم الكثير من الأعمال والتجارب المهمة نتهاون مع الواقع تارة ونتهيبه تارة أخرى، والمشكلة تكمن أولاً في ندرة النصوص المعاصرة والجيدة والتي تضع يدها على الجرح كما يقولون. أين تذهب بحنينك الى المسرح؟ وهل تفكر بأعمال مسرحية؟ وكيف ترى مستقبل المسرح السوري في وجود انتاج درامي تلفزيوني كثيف؟ - هو كما ذكرت حنين أرويه بين الفينة والأخرى بالمشاركة في احدى التجارب التي أراها جديرة، كمشاركتي في "منمنمات تاريخية" للراحد سعد الله ونوس من اخراج نائلة الأطرش، أو "المتنبي" مع الكبير منصور الرحباني. أما على صعيد الاخراج المسرحي فتعلم أنني أخرجت حفلة الافتتاح لمهرجان دمشق السينمائي مرتين وكان احتفالاً مسرحياً غنائياً. وفق هذا وذاك قضيت اثني عشر عاماً أدرس مادة التمثيل في المعهد العالي أخرجت خلالها عدداً من الأعمال المسرحية منها "خادم سيدين" للإيطالي غولدوني - والتي نخطط لإعادة عرضها لمناسبة اليوبيل الفضي للمعهد - ولكن معظمها للأسف شوهد على نطاق ضيق. أتمنى بطبيعة الحال أن تكون اسهاماتي أكبر وأكثر ولكن شروط العمل المسرحي، ليس في سورية فقط وانما في العالم العربي اجمالاً غير مرضية. وأنا لا أستطيع أن أرى مستقبلاً أفضل للمسرح السوري ما لم نفكر واقعياً في تغيير طريقة انتاجنا وفكرتنا القديمة عن تكاليف العرض المسرحي وحجم الأجور التي ندفعها للفنانين والفنيين والكتّاب. جمال سليمان كما يراه المشاهدون والنقاد ممثل نجم يجمع براعة الأداء التمثيلي الى الوسامة والحضور. كيف تختار أدوارك في وضع كهذا؟ وهل تؤثر مساحة الدور أو اسم المخرج في الاختيار؟ - النص والمخرج أولاً.