استأنفت الحكومة التونسية الحوار مع نقابة المحامين بعد انقطاع استمر أربعة عشر شهراً، وأدى لقاء عقده وزير العدل بشير التكاري أول من أمس مع هيئة النقابة إلى ارجاء سلسلة من التحركات كان المحامون يعتزمون القيام بها في الأسابيع المقبلة لحمل السلطات على استجابة مطالبهم. وارتدت الأزمة بين الطرفين طابعاً سياسياً في العام الماضي، بعدما شكا محامون من تعرضهم للعنف على أيدي رجال أمن في قصر العدل لدى محاكمة المعارض الشيوعي حمة الهمامي الذي افرج عنه لاحقاً. ونفذت غالبية المحامين اضراباً شل المحاكم العام الماضي تلبية لنداء النقابة في أعقاب الحادثة التي رافقت محاكمة الهمامي. وقال نقيب المحامين بشير الصيد في تصريحات سابقة إن النقابة لم تقطع الحوار مع السلطات، مؤكداً أنها ارسلت مذكرات لوزير العدل تضمنت مطالب مهنية، ولم تتلق رداً عليها. لكن الوزير التكاري أوضح في تصريحات إلى "الحياة" في الخريف، ان الوزارة تنتظر من النقابة موافاتها بمزيد من المعلومات والدراسات المفصلة عن المطالب، وأكد أنها لم تقفل باب الحوار. وركز الجانبان، في اللقاء الأول بعد القطيعة، على الملفات المهنية. ونسبت مصادر رسمية إلى وزارة العدل أنها وافقت على تطوير نظام التأمين الاجتماعي الخاص بالمحامين وزيادة المكافآت للمحامين المتدربين، إضافة إلى اجراءات أخرى. وذكرت المصادر أن الوزير حض أعضاء النقابة على "اعتماد اسلوب الحوار الذي يتنافى مع المزايدات"، في إشارة إلى الاضراب الذي دعت إليه النقابة العام الماضي، وكذلك الاضراب الذي كانت تعتزم القيام به في الأسابيع المقبلة. وكان الجمع العام للمحامين أقر أخيراً خطة تدريجية للضغط على السلطات، بدءاً من حمل شارات خاصة في المحاكم إلى تنظيم تجمعات اقليمية في محاكم الاستئناف وصولاً إلى الاضراب العام الذي كان مقرراً نهاية الشهر الجاري. إلا أن قطاعاً من المحامين اعتبر جلوس الطرفين إلى طاولة الحوار للمرة الأولى منذ كانون الثاني يناير العام الماضي، مجرد "مناورة من الحكومة لكسب الوقت". ورأى عضو النقابة المحامي عبدالرؤوف العيادي ان هدف الوزارة هو "احباط التحركات المقررة وفي مقدمها الاضراب المبرمج للثامن والعشرين من الشهر الجاري". ولوحظ أن الرئيس زين العابدين بن علي استقبل التكاري قبل يوم واحد من اجتماع الأخير مع نقابة المحامين. ونسبت الصحف المحلية إلى رئيس الدولة أنه حض على "تعزيز مكانة المحاماة في المنظومة القضائية"، وشدد على "تكريس الاصلاحات" المقررة للمحامين. ويعتقد بأن معاودة الحوار ستذكي الصراع بين المحامين المستقلين المؤيدين للنقيب الصيد وزملائهم المنتمين إلى "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم والذين قاطعوا اضراب السنة الماضية واتهموا النقيب ب"تسييس" القطاع. لكن الصيد دافع بقوله إن الهيئة التي يقودها هي الأولى بين الهيئات المتعاقبة التي أولت الملفات النقابية مركز الصدارة. وفي معلومات اعضاء في مكتب النقابة، ان فتح الوزارة باب الحوار حملهم على التريث بتنفيذ خطة التحركات المقررة، لكنهم رجحوا الانتقال إلى تنفيذ بنودها "إذا ما استنفدت وسائل تحقيقها بواسطة الحوار".