في حديث هاتفي أجرته معه "الحياة" من بيروت خلال مؤتمر صحافي عقده والنائب الأول لرئيس مؤسسة "ماستركارد" للبطاقات الائتمانية العالمية جون ستيوارت وفي حضور رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزف بلاتر ونائبيه لينارت يوهانسون وأوجينيو فيغيردو أمس في برلين، أعرب أسطورة كرة القدم العالمية البرازيلي بيليه عن عميق أسفه لقرار تأجيل نهائيات كأس العالم للشباب والتي كانت مقررة من 25 الجاري إلى 16 نيسان ابريل المقبل في الامارات. وأكد أن هذا التأجيل كان ضرورياً نظراً لما تمر به منطقة الخليج من أوضاع سياسية وعسكرية متأزمة، مشيراً إلى أن القرار سيكون له انعكاسات سلبية حتماً على معنويات اللاعبين الشباب الذين تأهبوا وأستعدوا للظهور في هذا المحفل العالمي المهم ولم يكتب لهم ذلك. وأعتبر بيليه الناطق العالمي باسم ماستركارد خلال المؤتمر أن استمرار رعاية هذه المؤسسة الرائدة للأحداث الرياضية العالمية، هو مكسب كبير لكل الأطراف المعنية بالبطولات الكروية الكبرى أمثال نهائيات كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية وكأس أمم أميركا الجنوبية وكأس الأندية الأبطال في أميركا الجنوبية أيضاً، فضلاً عن بطولة كأس العالم للسيدات المقررة في ايلول سبتمبر المقبل في الصين. اختار الاتحاد الدولي لكرة القدم ومؤسسة ماستركارد للبطاقات الائتمانية جريدة "الحياة" للمشاركة في المؤتمر الصحافي الذي عقده البرازيلي ادسون أرانتيس دو ناسيمنتو الملقب بيليه أمس في برلين، وتحاور فيه عبر الهاتف مع عدد قليل جداً من الصحافيين العالميين حول كثير من الأمور التي تهم كرة القدم. وأجاب بيليه عن سؤال ل"الحياة" حول الأضرار المترتبة على تأجيل نهائيات كأس العالم للشباب التي كانت من المقرر أن تبدأ في 25 الجاري في الإمارات بسبب الأوضاع العسكرية، فقال: "حزين جداً لتأجيل هذه المناسبة لأن العالم سيحرم من حدث كبير انتظره طويلاً، خصوصاً خبراء اللعبة الذين يرون في هؤلاء الشباب مستقبل كرة القدم الحقيقي ويعقدون الآمال على اختيار الأنسب منهم لضمهم إلى فرقهم المختلفة. كنت أتمنى أن تختفي لغة الحرب لحين الانتهاء من تنظيم الامارات لهذا الحدث المهم على الاقل، لكن السياسة تغلبت مرة جديدة على الرياضة. الضرر الأكبر يقع على اللاعبين الصغار الذين اجتهدوا من أجل الوصول إلى هذه النهائيات كي يطلوا على العالم أجمع من شرفة المونديال عبر شاشات التلفزة، لكن هذا نصيبهم وأنصحهم بألا ييأسوا أو يتخاذلوا لأنهم سيخوضون منافسات البطولة عاجلاً أم آجلاً... وهنا يأتي دور المدربين والموجهين المعنويين لتحويل هذا التأجيل إلى جهة رفع معنويات هؤلاء اللاعبين". وذكر بيليه أنه حين كان يلعب في نادي سانتوس في الستينات كانت هناك حرب دائرة في دولتين من افريقيا السمراء، لكنهما أوقفا الحرب موقتاً حين علما أن الفريق البرازيلي سيزور المنطقة لخوض بعض المباريات الودية "كنا نتمنى أن يتكرر هذا التوجه السلمي هذه المرة، لكن تصاعد حدة الأزمة في منطقة الخليج حال دون ذلك". وأعرب عن سعادته كونه واحداً من عائلة ماستركارد "من الناحية التاريخية، أظهرت ماستركارد التزاماً حقيقياً لترويج هذه اللعبة الجميلة حول العالم، وأنا فخور كوني جزءاً من عائلتها". وكان جون ستيوارت النائب الأول لمؤسسة ماستركارد قد استهل المؤتمر الصحافي مؤكداً أن مؤسسته فخورة بعلاقتها المستمرة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، و"نحن متحمسون لجمع أحداثه الرئيسة الخمسة في خطة تسويق عالمية واحدة تعكس التزامنا المتجدد برياضة كرة القدم". وأضاف ستيوارت "تحالفنا مع الفيفا واتحاد دول أميركا الجنوبية يوفر قاعدة مميزة لماستركارد لتعزيز العلامة التجارية والوعي من حولها في شكل خاص في أوروبا حيث اندمج حليفنا الإستراتيجي الطويل الأمد "يوروباي" العالمي ضمن منظمة ماستركارد الإقليمية الأوروبية قبل أقل من سنة واحدة. وفي الوقت ذاته تسمح لنا هذه الاتفاقات بخلق فرص بناء أعمال للمؤسسات المالية ذات العضوية على المستويات العالمية والإقليمية وأوروبا وأميركا الجنوبية وعلى المستوى المحلي في أسواق رئيسة مثل ألمانيا البلد المنظم لكأس العالم المقبلة في عام 2006". وعلق بلاتر قائلاً: "هناك أشياء لا تشترى بالمال، وشريك مثل ماستركارد اعتمدنا عليه لأكثر من عشر سنوات مع الاتحاد الدولي وكأس العالم، لا يقدر بثمن". وأوضح يوهانسون رئيس الاتحاد الأوروبي أن "بطولة كأس الأمم الأوروبية من أهم الأحداث الرياضية في العالم وهي تبشر بأن تكون أنجح بطولة تقام في البرتغال العام المقبل، يسرنا أن تكون مؤسسة ماستركارد، واحدة من الشركاء المهمين لنا منذ بطولة عام 1992... وجديدنا أن الشراكة ستشمل دوري أبطال أوروبا في السنوات الثلاث المقبلة". وأعتبر فيغيردو رئيس أتحاد أميركا الجنوبية، أن اتحاده حقق منذ تأسيسه في عام 1916 نجاحاً كبيراً تعدى صعيد الملاعب بفضل لاعبين موهوبين ورعايات صلبة وداعمة. ولعل أهمها الآن هي مؤسسة ماستركارد التي كان لها دور رئيس ولأكثر من 12 سنة في رعاية بطولاتنا القارية". وترعى ماستركارد عدداً من البطولات العالمية في ألعاب أخرى غير كرة القدم أمثال البيسبول والغولف والهوكي... وهي أنفقت على كرة القدم وحدها منذ كأس الأمم الاوروبية التي أجريت عام 2000 في بلجيكا وهولندا معاً، وحتى مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 أكثر قليلاً من 200 مليون دولار. أسطورة لكل زمان ومكان وللتذكير فقط، فان بيليه هو أسطورة رياضية لا تنتهي ولن تتكرر على مر العصور... ولا يمكن أبداً أن يختلف اثنان على أنه الرياضي الأول في القرن الماضي. وأسم بيليه 63 عاماً عني دائماً كرة القدم لمن عاصره أو من لم يعاصره، وشهرته لم تتوقف عند جيله بل تخطته بأجيال عدة حتى وصلت إلى الجيل الحالي. لقد عشق العرب الكرة البرازيلية عشقاً جماً بفضل هذا اللاعب الذي أذهل العالم بقدراته الفنية والبدنية وموهبته الفطرية في تسجيل الأهداف، وهم ما زالوا أوفياء على العهد معها حتى الآن ربما بفضله أيضاً لأنهم يرون في رونالدو وريفالدو ورونالدينيو وغيرهم من نجوم العصر الحالي خلفاء لذلك البطل الفذ. واللافت أن بيليه يشبه إلى حد بعيد الكوميديان المصري الراحل إسماعيل ياسين ليس طبعاً من حيث الشكل وإنما من حيث تعلق الأجيال التي عاشرته أو لم تعاشره به وبأدائه المميز، فإذا سألت ناشئاً لا يزال في بدايته عن النجم الأبرز في تاريخ كرة القدم، رد من دون تردد بيليه... وهو ما يحدث تماماً حين تسأل أي طفل: أفلام من تحب أن تشاهد؟... فتجيء الإجابة سريعة وواضحة: اسماعيل ياسين طبعاً، على رغم أنه رحل عن دنيانا منذ ما يقارب النصف قرن! وعلى رغم أن "الجوهرة السوداء" وهذا هو اللقب الأشهر لبيليه، أعتزل رسمياً منذ نحو ربع قرن بعد أن لعب 1321 مباراة وسجل 1285 هدفاً إلا أن أسمه ظل في الأذهان ويخطر على البال كلما مرت كرة عابرة أو شاهدنا لاعباً يرتدي الرقم 10 على اعتبار أنه أشهر من ارتدى هذا الرقم عبر تاريخ اللعبة. وهو أعطى لناديه سانتوس ولمنتخب بلاده الكثير وحقق معهما إنجازات لا تحصى، وعندما بلغ لاعب القرن نصف قرن من العمر أقيم له مهرجان تكريم أشبه بالخيال على ملعب سان سيرو في مدينة ميلانو الإيطالية كانت فقرته الرئيسة مباراة ودية بين منتخب البرازيل وصفوة نجوم العالم لعب بيليه خلاها 42 دقيقة تاريخية. وخص الله بيليه بموهبة عرف كيف يصقلها، وكانت مهاراته الفنية المتنوعة ركيزة أساسية في وصوله إلى القمة. قيل عنه أنه عندما كان عمره 8 سنوات، كان قادراً على "تنطيط" برتقالة صغيرة بقدمه اليسرى لأكثر من ألف مرة من دون أن تلمس الأرض. ولا أحد ينسى عندما شارك في مونديال عام 1958 في السويد وعمره 17 عاماً، فأبهر العالم بهدفه التاريخي في المباراة النهائية أمام أصحاب الأرض: وصلته الكرة عالية فأمتصها على صدره ورفعها من فوق كتفه ثم دار على نفسه 180 درجة وامامه الحارس السويدي سفنسون وقبل أن تصل الكرة إلى الأرض سددها داخل شباكه. وأهدافه المثيرة خلال مسيرته الطويلة لم تتوقف عند هذا الهدف طبعاً، ولكنها حافلة بأهداف أخرى لا تقل إثارة. حتما نذكر منها هدفه في مرمى فلومينيزي عام 1961 في الدوري المحلي حين تسلم الكرة من منطقة جزاء فريقه وجرى بها مراوغاً كل من قابله إلى أن أودعها الشباك... وهناك أيضاً هدفه الألف الذي سجله من ركلة جزاء في مرمي فاسكو دا غاما، فتحولت هذه اللحظة مهرجاناً لم تعرف البرازيل له مثيلاً إلا عندما أحرز منتخبها كأس العالم خمس مرات. ولم تترك السلطات البرازيلية الفرصة تضيع هباء، وأصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورته وهو يثب في الهواء رافعاً قبضته اليمنى ويرتدي زي المنتخب... وكتب على الطابع "1000 هدف لبيليه" بالحرف الكبير، وادسون أرانتيس دو ناسيمنتو بالصغير. وإنجازات الجوهرة السوداء كثيرة جداً من بين أبرزها أنه قاد سانتوس إلى إحراز بطولة ولاية ساو باولو أعوام 1958 و1960 و1961 و 1962 و1964 و1967 و1968 و1974، وكأس البرازيل عام 1968، وحصل على لقب هداف البرازيل 14 مرة من عام 1957 إلى عام 1965 ومن عام 1969 إلى عام 1973. كما شارك مع سانتوس في الفوز بكأس أميركا الجنوبية ليبرتادوريس عامي 1961 و1962، وكأس أندية العالم انتركونتيننتال عامي 1962 و1963... والأولى كانت على حساب بنفيكا البرتغالي، والثانية على حساب ميلان الإيطالي. وتحت إغراء الدولار وحب نشر اللعبة في الولاياتالمتحدة الأميركية لعب بيليه مع فريظق كوزموس نيويورك ما بين عامي 1975 و1977، وخاض معه 105 مباريات سجل خلاها 55 هدفاً وفاز معه بالبطولة الأميركية مرة واحدة. أما على الصعيد الدولي، فأنضم بيليه إلى المنتخب بعد عام واحد فقط من ظهوره مع سانتوس إذ رأى فيه المدرب فيولا خامة متميزة فتبناه وتولى رعايته... لعب أول مباراة له مع المنتخب قبل أن يبلغ السابعة عشرة بثلاثة أشهر ضد الأرجنتين في 7 تموز يوليو عام 1957 على ملعب ماركانا الشهير أمام 230 ألف متفرج، فهو من مواليد 23 تشرين الأول أكتوبر 1940... ثم لعب دوراً بارزاً في تجربته الأولى في كأس العالم عام 1958 وساهم في فوز بلاده باللقب، كما ساهم في فوزها أيضاً بكأسي مونديالي 1962 و1970 وغاب عن مونديال 1966 بعد أن شارك في مباراة واحدة أمام بلغاريا في الدور الأول إذ تعرض خلالها لإصابة بالغة. خاض لاعب القرن مع منتخب بلاده 109 مباريات سجل خلاها 97 هدفاً من بينها 12 في نهائيات كأس العالم. بقي أن نعرف أن كثيرين برعوا قبل بيليه وبعده ومع ذلك لم يصلوا إلى مستواه على الصعيدين الفني والاجتماعي، هو فقط عرف كيف يستثمر علاقاته ليظل دائماً محط أنظار الإعلام في كل زمان ومكان... وعرف كيف يصبح رجل أعمال ناجحاً، بعدما ذاق مرارة الفقر في طفولته حين عمل ماسحاً للأحذية ليحصد قوت يومه، وذلك من خلال توظيف أمواله في شركاته التجارية المتنوعة الأنشطة واستغل شهرته في الترويج لها فتضاعفت ثروته أضعافاً، واختياره ليكون الوجه المشرق لمؤسسة ماستركارد أفاد الاثنين معاً حُكماً. بيليه إنسان سعيد في حياته لم يؤثر فيه طلاقه من زوجته الأولى روز، وعلاقته مع أبنائه منها ادينيو وكيلي وجينفر على خير ما يرام على رغم زواجه الثاني... ولأنه لا يطيق الطقس البارد، فانه يمضي أشهر السنة بالتساوي ما بين البرازيلوالولاياتالمتحدة يلاحق الطقس الحار. الحديث مع أسطورة الكرة العالمية، حتى ولو عبر الهاتف، يظل دائماً من بين أغلى أمنيات أي صحافي رياضي في العالم، وتبقى الكتابة عنه وقراءة جزء من تاريخه الحافل متعة حقيقية للكاتب والقارئ معاً... فشكراً للاتحاد الدولي لكرة القدم ومؤسسة ماستركارد على إتاحتهما لنا هذه الفرصة الثمينة.