للمرة الأولى في تاريخه الرياضي الطويل، أغضب البرازيلي ادسون ارانتيس دو ناسيمنتو الملقب بيليه 60 عاماً ابناء وطنه عندما أعلن مؤخراً ان بلاده غير قادرة على استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2006. وانتقدت وسائل الاعلام المختلفة، وهي التي مجدته طوال الخمسين عاماً الماضية، تصريحاته الأخيرة ووجهت له اللوم على اعتبار أن الأوساط السياسية والرياضية في البرازيل كانت تنتظر مساندته في حملة الترشيح. كان بيليه صريحاً جداً، وأوضح نقاط الضعف في ملف الترشيح البرازيلي مؤكداً ان بلاده لن تكون قادرة على الوفاء بمستلزماتها على الصعيدين المالي والتنظيمي. وطالب اتحاد الكرة البرازيلي بالكف عن الاستخفاف بعقول الناس وايهامهم بأنه قادر على الفوز بالتنظيم من دون ان تكون لديه المقومات التي تحقق ذلك، وتكون النتيجة ان تتعرض البلاد كلها لصدمة غير منتظرة. اسطورة لا تنتهي وبيليه هو بالتأكيد أسطورة رياضية لا تنتهي ولن تتكرر على مر العصور، ولا يمكن أبداً ان يختلف اثنان على أنه الرياضي الأول في هذا القرن الذي أوشك على الانتهاء. اسم بيليه عنى دائماً كرة القدم لمن عاصره أو لم يعاصره، وشهرته لم تتوقف عند جيله بل تخطته بأجيال عدة حتى وصلت الى الجيل الحالي. واللافت ان بيليه يشبه الى حد بعيد الكوميديان المصري الراحل اسماعيل ياسين، ليس طبعاً من حيث الشكل وانما من حيث تعلق الاجيال التي عاشرته او لم تعاشره به وبادائه المميز. واذا سألت ناشئاً مازال في بدايته عن النجم الابرز في هذا القرن قال بلا تردد بيليه، وهو مايحدث تماماً عندما تسأل اي طفل... افلام من تحب ان تشاهد؟ فتجيئ الاجابة سريعة وواضحة... طبعاً اسماعيل ياسين. ورغم انه اعتزل رسمياً منذ اكثر من عشرين عاماً بعد أن لعب 1321 مباراة وسجل 1285 هدفاً الا ان اسمه ظل في الأذهان ويخطر على البال كلما مرت كرة عابرة. أشهر من ارتدى الرقم 10 وتهافتت النجوم من بعده على ارتدائه املاً بالحصول على نفس شهرته وهو ما لم يحدث ابداً. الجوهرة السوداء "الجوهرة السوداء" كانت أشهر الألقاب التي أطلقت عليه والتصقت به حتى يومنا هذا، اعطى لناديه سانتوس ولمنتخب بلاده الكثير وحقق معهما انجازات لا تحصى. وعندما بلغ نصف قرن من العمر، أقيم له مهرجان تكريمي أشبه بالخيال على ملعب سان سيرو في مدينة ميلانو الايطالية وكانت فقرته الرئيسية مباراة ودية بين منتخب البرازيل ومنتخب نجوم العالم لعب بيليه خلالها 42 دقيقة تاريخية. وخص الله بيليه بموهبة عرف كيف يصقلها، وكانت مهاراته الفنية المتنوعة ركيزة أساسية في وصوله الى القمة. قيل عنه انه كان قادراً، عندما كان عمره 8 سنوات، على "تنطيط" برتقالة صغيرة بقدمه لأكثر من ألف مرة من دون ان تلمس الأرض. ولا أحد ينسى عندما شارك في مونديال 58 في السويد وعمره 17 عاماً ولعب المباراة النهائية أمام منتخب الدولة المضيفة وقدم لمحة فنية لم تتكرر حتى الآن... وصلته الكرة عالية فأمتصها على صدره ورفعها من فوق كتفه ثم دار على نفسه 180 درجة وواجه الحارس السويدي سفنسون، وقبل ان تصل الكرة الى الأرض سددها داخل شباكه. وفي مونديال 70 في المكسيك لمح بيليه وهو داخل دائرة منتصف الملعب الحارس التشيخي فيكتور وقد خرج بعيداً عن مرماه فعالجه بتسديدة من بعد 50 متراً كاد يحرز منها هدفاً نادراً لولا ان الكرة خرجت بجوار القائم بقليل. آه من الفقر ولد بيليه في 23 تشرين الأول اكتوبر 1940 في قرية صغيرة اسمها "تريس كوراسون" أي القلوب الثلاثة في ولاية ميناس جيرايس، ورغم ان والده لعب محترفاً في نادي باورو أحد أندية الدرجة الثانية فإن ذلك لم يبعد عنه شبح الفقر واضطر الى العمل ماسحاً للأحذية في صغره حتى يؤمن قوت يومه. وعندما بلغ الحادية عشرة كون أول فريق من بين اصدقائه واطلق عليه "سيتي دي سبتمبرو" اي السابع من سبتمبر وشارك به في مباريات على مستوى الحواري والمناطق. ومن هناك اكتسب اسم بيليه من دون ان يعرف له معنى، واكتشفه أحد مشجعي سانتوس وعمل على ضمه الى الفريق وقد كان. ومع سانتوس كانت بدايته الحقيقية، ولعب له من عام 1956 وحتى 1974 خاض خلالها 1114 مباراة وسجل له 1088 هدفاً، وكانت مباراته الرسمية الأولى مع سانتوس أمام كورنثيانز ضمن بطولة ولاية ساوباولو وتحديداً في 7 أيلول سبتمبر 1956 وانتهت لمصلحة فريقه 7-1 وسجل بيليه هدفاً واحداً. وفي 21 تشرين الثاني نوفمبر احرز بيليه 8 أهداف في مباراة واحدة عندما فاز سانتوس على بوتافوغو 11- صفر، ويعتز بيليه بهدفين اثنين من أهدافه الكثيرة أولهما الهدف الذي سجله عام 1961 في مرمى فلوميينزي عندما تسلم الكرة من منطقة جزاء فريقه وجرى بها مراوغاً كل من قابله ثم أودعها الشباك، والثاني هو الهدف رقم 1000 الذي أحرزه في مرمى فاسكو دا غاما وتحولت لحظة تسجيل هذا الهدف الذي جاء من ركلة جزاء الى مهرجان لم تعرف له البرازيل مثيلاً الا عندما أحرزت كأس العالم 4 مرات. ففي 10 تشرين الثاني 1969 وعلى ملعب ماراكانا الشهير، احتسبت ركلة جزاءلمصلحة سانتوس تصدى لها بيليه وهو يرتعد لأنه يعلم انه في حال تسجيلها سيرفع رصيده من الأهداف الى 1000، وتغلب العملاق على خوفه وأحرز الهدف المرتقب. ولم تترك السلطات البرازيلية الفرصة تضيع هباء، وأصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورته وهو يثب في الهواء رافعاً قبضته اليمنى ويرتدي زي المنتخب. وكتب على الطابع "1000 هدف لبيليه" بالحرف الكبير، وادسون ارانتيس دو ناسيمنتو بالصغير. انجازات لا تعد ولا تحصى وانجازات بيليه كثيرة جداً أبرزها انه قاد سانتوس الى احراز بطولة ولايه ساو باولو أعوام 58 و60 و61 و62 و64 و67 و68 و74، وكأس البرازيل 68. توج هدافاً للبطولة المحلية 14 مرة من عام 1957 الى 1965 ومن 1969 الى 1973. وشارك مع سانتوس في الفوز بكأس اميركا الجنوبية "ليبرتادوريس" عامي 61 و62 وكأس اندية العالم "انتركونتيننتال عامي 62 و63. وفاز في المرة الأولى على بنفيكا البرتغالي 3-2 ذهاباً وسجل بيليه هدفين وكوتينيو هدفاً فيما سجل سانتانا هدفي بنفيكا... وفاز إياباً 5-2 في لشبونة وسجل بيليه 3 أهداف وكوتينيو وبيبيه هدفاً لكل منهما وأحرز هدفي بنفيكا سانتانا واوزيبيو. وفي المرة الثانية فاز ميلان الايطالي على سانتوس 4-2 ذهاباً وفاز سانتوس بالنتيجة نفسها إياباً. وفي المباراة الفاصلة التي أقيمت في ريو دي جانيرو فاز سانتوس 1- صفر. وأحرز بيليه هدفي المباراة الأولى فيما سجل لميلان جيوفاني تراباتوني مدرب فيورينتينا حالياً والبرازيلي اماريلدو 2 ومورا، وفي الثانية سجل لسانتوس بيبيه 2 وفلافيو وليما وسجل لميلان التافيني ومورا. اما هدف المباراة الفاصلة لسانتوس فكان من نصيب دالمو من ركلة جزاء. وتحت اغراءالدولارات وحب نشر اللعبة في الولاياتالمتحدة الأميركية، لعب بيليه لكوزموس نيويورك الاميركي من 1975 الى 1977، وخاض معه 105 مباريات سجل خلالها 55 هدفاً وفاز معه بالبطولة الأميركية مرة واحدة. انجازات دولية انضم بيليه الى منتخب البرازيل بعد عام واحد فقط على ظهوره مع سانتوس حيث رأى فيه المدرب فيولا خامة جيدة فتبناه وتولاه برعايته. ولعب بيليه أول مباراة له مع المنتخب، قبل ان يبلغ سن السابعة عشرة بثلاثة أشهر وكانت ضد الارجنتين في 7 تموز يوليو على ملعب ماراكانا. لعب بيليه دوراً بارزاً في تجربته الأولى في كأس العالم 58 وساهم في فوز بلاده باللقب، كما ساهم في فوزها بكأسي 62 و70 وغاب عن كأس 66 بعد ان شارك في مباراة واحدة أمام بلغاريا في الدور الأول. لعب اجمالاً مع المنتخب 109 مباريات سجل خلالها 97 هدفاً من بينها 12 في نهائيات كأس العالم. حياة رغدة لقد برع الكثيرون قبل بيليه وبعده ومع ذلك لم يصلوا الى مستواه ان على الصعيدين الفني او الاجتماعي، فلقد عرف بيليه كيف يستثمر علاقاته ليظل دائماً محط أنظار الإعلام في كل مكان... وعرف كيف يصبح رجل أعمال ناجح بعدما وظف أمواله في شركاته التجارية المتنوعة الأنشطة واستغل شهرته في الترويج لها فتضاعفت ثروته اضعافاً. انسان سعيد في حياته لم يؤثر عليه طلاقه من زوجته الأولى روز وعلاقته مع ابنائه منها ادينيو وكيلي وجينفر طيبة للغاية رغم زواجه الثاني. يمضي أشهر السنة بالتساوي بين البرازيلوالولاياتالمتحدة يلحق الطقس الحار لأنه لا يطيق الطقس البارد. انه حقاً اسطورة لكل العصور لا يمكن ان تنتهي. المونديال الاول لعب بيليه وعمره 17 عاماً مع المنتخب في مونديال 1958 في السويد، وساهم مع عمالقة الكرة البرازيلية في ذاك الوقت في تحقيق اللقب. وفي الصورة يتوسط اساتذته في عالم اللعبة، الوقوف من اليسار: المدرب فيولا وديلما سانتوس وزيتو والقائد بلليني ونيلتون سانتوس واورلاندو والحارس جيلمار. والجلوس من اليسار: غارينشيا وديدي وبيليه فافا وزاغالو ومدرب اللياقة البدنية امارال.