تبدأ "الحياة" معكم اليوم سلسلة مكونة من خمسين حلقة يومية تمتد الى ما قبل 48 ساعة فقط من انطلاق منافسات كأس العالم السابعة عشرة لكرة القدم المقررة من 31 ايار مايو الى 30 حزيران يونيو المقبلين في كوريا الجنوبية واليابان معاً. وهي تتضمن آخر اخبار ومستجدات المنتخبات ال32 المتأهلة وأبرز نجومها وتاريخ الدورات ال16 السابقة، مع نبذة عن رموز اللعبة امثال البرازيلي بيليه، والارجنتيني دييغو ارماندو مارادونا، والالماني فرانتس بكنباور، والفرنسي ميشال بلاتيني، وغيرهم. والاكيد ان اسماء كثيرة ستلمع في مونديال القرن الجديد، واسماء اخرى لن يحالفها الحظ... لكن المهم بالنسبة الينا هو انتظار مشاهدة الجديد من الفنون الكروية التي نأمل بان تكون على مستوى الحدث، لأنها ستبقى زاد عشاق اللعبة لمدة اربع سنوات مقبلة. عموماً، الاستحقاق يدق الابواب، والمنتخبات دخلت مرحلة الاستعدادات الاخيرة، وقبل ان يحين منتصف ليل 30 حزيران سيكون هناك منتخب واحد في القمة... من هو؟ لندع المنافسات ونتائج المباريات تجيب عن هذا السؤال العملاق، ولنستعيد نحن احلى الذكريات، قبل ان نستعرض موقع كل فارس من الفرسان المتأهلين من الألف الى الياء. إذا أردنا أن نتحدث عن كرة القدم عموماً وكؤوس العالم خصوصاً، لا يمكن أن نتجاهل مجموعة من الاسماء التي صبغت اللعبة بطابعها... وفي مقدمهم طبعاً البرازيلي أديسون آرانتيس دو ناسيمنتو الملقب ب "بيليه". وبيليه هو بالتأكيد أسطورة رياضية لن تتكرر على مر العصور، واسمه عنى دائماً كرة القدم لمن عاصره أو لم يعاصره لأن شهرته لم تتوقف عند جيله بل تخطته بأجيال عدة حتى وصلت الى الجيل الحالي. واللافت أن بيليه يشبه الى حد بعيد الكوميديان المصري الراحل اسماعيل ياسين، ليس طبعاً من حيث الشكل ولا خفة الدم، وإنما من حيث تعلق الاجيال، التي عاشرته أو لم تعاشره، بادائه المميز. وإذا سألت ناشئًا لا يزال في بداياته عن النجم الابرز في هذا القرن، قال من دون تردد بيليه... وهو ما يحصل تماماً عندما تسأل أي طفل... أفلام من تحب أن تشاهد؟... فيجيبك على الفور اسماعيل ياسين! اعتزل "الجوهرة السوداء"، وهذا كان أشهر الالقاب التي أطلقت عليه، رسمياً منذ 21 عاماً بعد أن لعب 1321 مباراة سجل خلالها 1285 هدفاً، ومع ذلك ظل اسمه في الاذهان يخطر على البال كلما مرت كرة عابرة. وهو اشهر من ارتدى الرقم 10، وتهافت النجوم من بعده على ارتدائه تيمناً به. أعطى لناديه سانتوس ومنتخب بلاده الكثير، وحقق معهما انجازات لا تعد ولا تحصى. وتكريماً لتاريخه الحافل، أقيم له مهرجان أشبه بالخيال على ملعب سان سيرو في مدينة ميلانو الايطالية عندما بلغ الخمسين من عمره... وكانت فقرته الرئيسة مباراة ودية بين منتخب البرازيل ومنتخب نجوم العالم، ولعب بيليه خلالها 42 دقيقة. خص الله بيليه بموهبة عرف كيف يصقلها، وكانت مهاراته الفنية المتنوعة ركيزة أساسية في وصوله الى القمة. قيل عنه إنه كان قادراً، عندما كان عمره 8 سنوات، على "تنطيط" برتقالة صغيرة بقدمه لأكثر من ألف مرة من دون ان تلمس الارض. ولا أحد ينسى عندما شارك في نهائيات كأس العالم عام 1958 في السويد وعمره 17 عاماً ولعب المباراة النهائية أمام أصحاب الارض وقدم لمحة فنية لم تتكرر حتى الآن: وصلته الكرة عالية فامتصها على صدره ورفعها من فوق كتفه ثم دار على نفسه 180 درجة وواجه الحارس السويدي سفنسون، وقبل ان تصل الكرة الى الارض سددها داخل شباكه! ولد بيليه فقيراً معدماً في قرية اسمها "تريس كوراسون" أي القلوب الثلاثة في ولاية ميناس جيرايس البرازيلية. وعلى رغم ان والده لعب محترفاً في نادي باورو أحد اندية الدرجة الثانية، فان ذلك لم يبعد عنه شبح الفقر. اضطر الى العمل ماسحاً للاحذية في صغره ليؤمن قوت يومه، وعندما بلغ الحادية عشرة كون اول فريق من بين اصدقائه وأطلق عليه "سيتي دي سبتمبرو" أي السابع من أيلول سبتمبر، وشارك به في مباريات على مستوى الحواري والمناطق. واكتسب لقب بيليه من خلال هذه المشاركات من دون أن يعرف له معنى... وهو ذكر أخيراً ان والده هو الذي أطلق عليه هذا اللقب. مع فريق سانتوس، كانت البداية الحقيقية، ولعب له في الفترة من عام 1956 الى عام 1974، خاض خلالها 1114 مباراة وسجل 1088 هدفاً. كانت مباراته الرسمية الاولى مع سانتوس امام كورنثيانز ضمن بطولة ولاية ساو باولو وتحديداً في 7 ايلول 1956 وانتهت في مصلحة فريقه 7-1، وسجل بيليه هدفاً واحداً. وفي 21 تشرين الثانينوفمبر من العام ذاته، سجل بيليه 8 اهداف في مباراة واحدة عندما فاز سانتوس على بوتافوغو 11-صفر. وعلى رغم اهدافه الكثيرة، فهو لا ينسى قط الهدف رقم 1000 في مسيرته الكروية والذي احرزه في مرمى فاسكو دا غاما من ركلة جزاء، لأن لحظة تسجيله تحولت مهرجاناً لم تعرف له البرازيل مثيلاً الا عندما نالت كأس العالم اربع مرات. ففي 10 تشرين الثاني عام 1969 وعلى ملعب ماراكانا وامام نحو 200 ألف متفرج، احتسبت ركلة جزاء في مصلحة سانتوس تصدى لها بيليه وهو يرتعد لأنه كان يعلم انه في حال تسجيلها سيرفع رصيده الى 1000 هدف، وهو ما كان. ولم تترك السلطات الفرصة تضيع هباء، واصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورته وهو يثب في الهواء رافعاً قبضته اليمني ويرتدي زي المنتخب. وكتب على الطابع "1000 هدف لبيليه، بالحرف الكبير، واديسون ارانتيس دو ناسيمنتو، بالحرف الصغير". وانجازات بيليه اكثر مما يتوقعه المرء، وابرزها فوزه مع سانتوس ببطولات ولاية ساو باولو اعوام 1958 و1960 و1961 و1962 و1964 و1967 و1968 و1974، وكأس البرازيل عام 1968. كما انه توج هدافاً للبطولة المحلية 14 مرة من عام 1957 الى 1965 ومن 1969 الى 1973. كما انه أسهم مع سانتوس في الفوز يكأس اميركا الجنوبية كوبا ليبرتادوريس عامي 1961 و1962، وكأس اندية العالم انتركونتينتال عامي 1962 و1963. وحباً منه في نشر اللعبة، وربما تحت التأثير القوي لسحر الدولار، لعب بيليه لفريق كوزموس نيويورك من 1975 الى 1977 وخاض معه 105 مباراة سجل خلالها 55 هدفاً وفاز معه بالبطولة الاميركية مرة واحدة. على الصعيد الدولي، التحق الجوهرة السوداء بمنتخب بلاده بعد عام واحد فقط على ظهوره مع سانتوس اذ رأى فيه المدرب فيولا خامة جيدة فتبناه وتولى رعايته. لعب بيليه اول مباراة دولية قبل ان يبلغ سن السابعة عشرة بثلاثة اشهر امام الارجنتين في 7 تموزيوليو على ملعب ماراكانا في ريو دي جانيرو. وهو لعب دوراً بارزاً في تجربته الاولى في مونديال 1958 وأسهم في فوز بلاده باللقب، كما أسهم في فوزها باللقب ذاته عامي 1962 و1970، وغاب عن مونديال 1966 بعد ان شارك في مباراة واحدة امام بلغاريا في الدور الاول بسبب تعرضه للاصابة. خاض مع المنتخب 109 مباريات سجل خلالها 97 هدفاً من بينها 12 في نهائيات كأس العالم. ويلقى بيليه حالياً كل حفاوة وترحاب في كل مكان يحل فيه، وهو برع في استثمار اسمه، وعرف كيف يصبح رجل اعمال ناجحاً بعدما وظف امواله في شركاته التجارية المتنوعة الانشطة واستغل شهرته في الترويج لها فتضاعفت ثروته اضعافاً. والى جانب نشاطاته الخاصه، عين سفيراً لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة ويعمل من خلالها في خدمة الاطفال الفقراء والمعوزين.