القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    9% نموا بصفقات الاستحواذ والاندماج بالشرق الأوسط    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    آل الشيخ يرأس وفد المملكة في الاجتماع البرلماني الأممي    سعود بن نايف يدشن الخدمات الرقمية والكاميرات الذكية بالشرقية    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    تبدأ من 35 ريال .. النصر يطرح تذاكر مباراته أمام السد "آسيوياً"    هيئة الشورى توافق على تقارير الأداء السنوية لعدد من الجهات الحكومية    «سعود الطبية» تستقبل 750 طفلاً خديجاً    لغز البيتكوين!    الوعد ملهم.. العام المقبل    وزير التجارة: الاهتمام بالجودة لم يعد خيارًا بل واجب وطني تجسد في رؤية 2030    وزير الدفاع يستقبل وزير القوات المسلحة الفرنسية    أعاصير تضرب المركب الألماني    الله عليه أخضر عنيد    «الأخضر» جاهز للقاء إندونيسيا.. ورينارد يكاشف الإعلام    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    ستة ملايين عملية عبر «أبشر» في أكتوبر    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    أعضاء حكومة ترمب.. الأهم الولاء والتوافق السياسي    المملكة تقود المواجهة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات    سعودي يفوز بجائزة أفضل إخراج سينمائي في نيويورك    علاقات أمريكا والصين غموض مستمر وقلق يتصاعد    مجمع الملك سلمان يطلق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    للمملكة فضل لا يُحدّ    للمرة الأولى دعوة لاعتبار هجمات إسرائيل على غزة إبادة جماعية    تكريم رجال أمن بالطائف    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    رابطة العالم الإسلامي تدين استهداف قوات الاحتلال لوكالة "أونروا"    انتظام 30 ألف طالب وطالبة في أكثر من 96 مدرسة تابعة لمكتب التعليم ببيش    وزير الدفاع والسفير الصيني لدى المملكة يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    موافقة خادم الحرمين الشريفين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    نائب وزير الخارجية يستقبل السفير الأمريكي لدى المملكة    إحباط 3 محاولات لتهريب أكثر من 645 ألف حبة محظورة وكمية من مادة «الشبو»    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    وزير الصحة: 10 % نموي سنوي لقطاع الأدوية بالمملكة    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    "التجارة": نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً    القمر الأحدب يقترن بكوكب المشتري اليوم    حملة ميدانية على الباعة الجائلين المخالفين في غرب الدمام تسفر عن مصادرة 168 طنًا من المتروكات    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    5 فوائد صحية للزنجبيل    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    المتشدقون المتفيهقون    السخرية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة استمرت عاماً لإعداد جيل سينمائي جديد في سورية . بين الحنين الى الذات والطفلة المغنية على أرجوحة
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2003

على رغم جودة ما يقدم من أفلام سورية وتميّزه منذ سنوات عدة، الا ان هذه الأفلام لا تشكل في مجملها ما يسمى بالسينما السورية، بل اجتهادات أفراد صنعوا أفلاماً ربما جمعها خيط واحد، هو القدرة على التعبير عن الواقع السوري العربي المعاصر.
نعرف بداية ان السينما كعملية مركبة، سلسلة ذات حلقات متكاملة من التمويل والحرية والعناصر البشرية والفنية والتقنية والإدارية المبرمجة.
ومهما يكن فإنه قبل مناقشة الأزمات التي تعصف عادة بالسينما في بلدان مثل سورية يجب البحث عنها أولاً. انها تكمن في عدم توافر الحرية والتمويل والتقنيات والعقلية الادارية المتطورة والحديثة، وكل هذا أمر مسلم به، لكن ماذا عن العناصر البشرية والفنية، هل نفتقد المبدعين أيضاً أو المحترفين والمختصين؟
في نهاية الستينات، وعلى مدى السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، قامت الدولة بارسال البعثات في مختلف الاختصاصات السينمائىة... ونتيجة لتغير الظروف السياسية الدولية انقطع سيل الوافدين، لنرى اليوم أصغر مخرج لدينا يتجاوز عمره الأربعين عاماً، اضافة الى عدم وجود أي مؤسسة أو معهد متخصص بدراسة السينما، في حين يتوافر ذلك في لبنان وكذلك في مصر ودول عربية أخرى.
إذاً، لا وجود لشباب جديد بأفكار جديدة ورؤى سينمائية مختلفة، لكن توجد حتى اليوم طقوس مشاهدة، وجمهور وفير يتراكض ليملأ قاعات السينما والمراكز الثقافية فور عرض أي فيلم جديد، اضافة الى الاهتمام بالثقافة النظرية ومتابعة اصدارات الكتب السينمائية.
كيف تكون الحال اذاً إن توافرت فسحة تعرفهم الى مفردات هذا الفن الساحر؟
بدأت الفكرة مع المخرج السينمائي محمد قارصلي، باحثاً عن تمويل لإقامة دورة تدريبية سينمائية، وبعد جهد حصل على مساهمة مجلس التعاون العربي الاسباني الذي تحمل 40 في المئة من الموازنة البالغة 325 ألف ليرة سورية، وتحمل قارصلي نفسه أكثر من 40 في المئة للاستمرار فيها وساعده الطلاب ب15 في المئة.
والطلاب هم سبعة عشر أتى معظمهم من المسرح لينجزوا ستة أفلام تسجيلية، وتسعة روائية قصيرة.
أهمية هذه الدورة تتمثل أولاً بحصولها على رغم صعوبة الظروف المحيطة، وثانياً بنتائجها التي فاجأت الجميع على رغم اختلاف المستويات، اذ اتت بمجملها تحمل سوية فكرية متميزة ولغة سينمائية جديدة تنم عن ثقافة بصرية مختزنة لاحظها الحضور وعبّروا عنها بشهادات متنوعة لمخرجين وصحافيين وتقنيين ومسرحيين أمثال: أسامة محمد، نبيل المالح، أنطوانيت عازرية، سعد القاسم، ريمون بطرس، يعقوب الشدراوي، عادل محمود... ولبعض الذين ساهموا بإعطاء محاضرات.
اختلاف متكامل
كانت مضامين الأفلام متنوعة وشاملة اشكاليات الحياة، تحدث أحدها عن الانسان كفرد، وآخر عن المجموعة، وثالث عن الأطفال ، وغيره عن اللقطاء والكهولة والمدينة بين القديم والحديث والجمال والشباب والفن... كل واحد منها يختلف تماماً عن الآخر كما تختلف تماماً عن أفلام قارصلي لكنها تشكل باجتماعها بنية متكاملة للمجتمع...
هذا الاختلاف يعني اتجاهاً نحو الخصوصية والفردية وتوجهاً واضحاً نحو الداخل لاكتشاف العمق الانساني وبالتالي المجتمعي.
ذلك المجتمع الذي ينعكس بوضوح على جميع الافلام، ابتداء من التركيز الأساسي على المقولة والهدف والفكرة وأهميتها من دون وجود أي جرأة تذكر، وانتهاء بالخوف من الكاميرا والتعبير بها. لذا شاهدنا معظم الأحيان أفكاراً جميلة ومبدعة ربما تصلح لأن تكون أفكاراً لمشاهد ولكن ليس سينما بالمعنى الحقيقي، وساهمت في ذلك الخلفية المسرحية الحاضرة لدى المخرجين. إذ كانت الكاميرا طوال الوقت وسيطاً لنقل الفكرة فقط من دون أي ابتكار أو رغبة في ترك الكاميرا تتحدث. هناك دوماً بوح خائف ومرتبك أكده قارصلي بأن جميع الطلاب صرّحوا بخوفهم وعدم ثقتهم بإنجاز الافلام في البداية لكنهم نجحوا، أما تحررهم وجرأتهم فيراهن عليهما قارصلي ان استمرت هذه الدورات.
لا ينطبق هذا على الجميع طبعاً، اذ هناك من استفاد واستخرج من الواقع مادة فنية تقول وتمتع برؤى بصرية جديدة ومتميزة وربما محترفة أمثال خريجة التمثيل ريم علي مخرجة الفيلم الروائي القصير "حنين" الذي عبرت فيه عن رحلة بحثنا الدائم عن أنفسنا وحنيننا لها، لكننا لحظة الامساك بها نغرق ونموت، لذا ندعها تفلت من أيدينا لنبحث عنها من جديد، فالبحث هو توقنا ومعنى وجودنا. عبرت ريم علي عن فكرتها العميقة ببساطة بصرية شديدة، كاميرا تلاحق شخصاً يركض طوال الوقت يجوب الشوارع بحثاً، وحين يجد ضالته نفسه في أرض خاوية جرداء، تنقلنا الكاميرا الى مشهد غرقه في الماء لنعود فنجد الآخر يذهب ويعاود الأول الركض ماراً بالأماكن نفسها...
ومن الأنا في فيلم "حنين" الى النحن في الفيلم التسجيلي "همّض هالفيلم" لمخرجه باسم عيسى خريج قسم الدراسات والنقد المسرحي. يبدأ الفيلم من الاسم لندخل عالماً نعيشه، نمشي فيه بسرعة ملتقطين تفاصيله التي التقطتها كاميرا التصوير داخل الفيلم، مجموعة من الصور المتناقضة المأخوذة من الحياة ابتداء من فرشاة الاسنان والقطط وانتهاء بالمجازر والحروب، ليقول في نهاية الفيلم، هذه حياتنا، نستمر في عيشها من خلال طفلة تغني على الأرجوحة الشبيهة بالحياة، ثم تليها لقطة لمجموعة العمل تظهر أمام الكاميرا في المكان نفسه يلعبون ويسألون: "هل حُمّض الفيلم؟". لقد استطاعوا التقاط تفاصيل حياتية وخلق عمل فني منها، تلك التفاصيل واستخداماتها الفنية تجلت وبوضوح في الفيلم التسجيلي "محاولة" للمخرج فارس الذهبي خريج قسم الدراسات والنقد المسرحي، والذي تناول فيه الرسام السوري وليد قارصلي عارضاً ما يعانيه من اعاقة جسدية تجعله جليس الفراش دوماً، وقدرته على التعايش والتعامل مع اعاقته وابداع لوحات فنية تعكس حالاته النفسية والانفعالية.
المكان وأشياء أخرى
اللافت في هذا الفيلم هو الصورة السينمائية التي تحاول الاستفادة دوماً من تفاصيل المكان والأغراض أغراض الرسم لخلق صورة جمالية خاصة، في البداية كانت المتعة بدخول المكان الغريب واكتشافه من خلال ملاحقة الكاميرا الحبل الموصول من الباب الى يد الرسام ومن ثم تقرّب خجول وودود لتفاصيله واتساع على لوحاته، لتحوّله في لحظة ما الى لوحة مملوءة بالحياة حين تصور انعكاسه على المرآة الموازية للوحة التي يقوم برسمها.
لقد استطاع هؤلاء وآخرون الابتعاد عن المباشرة قدر الإمكان، والحد من الكلام لجعل الصورة تتكلم مع استخدام الرموز والدلالات، والتنسيق بين جميع العناصر من اضاءة وديكور وموسيقى، إضافة الى كسر واضح في القواعد السينمائية المتبعة وتحديداً في الافلام التسجيلية السورية التي لا تتعدى التقارير الاخبارية المجردة من اي إبداع فني أو رؤية خاصة بالمخرج. علماً ان في سورية نادراً ما تتوافر الافلام الجديدة برؤاها المختلفة، وما يصلنا هو الفتات ويأتي متأخراً أيضاً، لذا تعتبر مثل هذه التجربة الأولى بالنسبة الى جيل الشباب الجديد.
لم تتجاوز الدورة السنة الأولى، وهي بحسب ما قال قارصلي "دورة الاعداد السينمائي، محاولة أولى لمحو الأمية السينمائية، ولا بد من ان تلي هذه المرحلة التحضيرية مراحل أخرى أكثر تطوراً، لذا قمت بوضع منهاجين لدورتين احداهما تختص بالفيلم التسجيلي والاخرى للتدريب المتخصص في مجالات. مساعد الاخراج، مساعد تصوير، سكريبت، فني صوت، فني مونتاج، ومكياج، وتنفيذ ديكور وملابس، وإضاءة".
لكن الدورة الثانية بقيت حبراً على ورق، منذ سنة تقريباً وحتى اليوم لعدم وجود أي تمويل أو مساهمة. هل في سورية أزمة تمويل اذاً؟
على رغم كل العقبات، هل يتوقف العاشق عن عشقه، ويتوقف من عرف أسرار السينما عن الغوص فيها؟ هذا ما سألنا خريجي الدورة عنه لنجد ثلاثاً من طالبات الدورة نفذن فيلمين احترافيين لمصلحة شركة "تموز للإنتاج الفني" في الولايات المتحدة، وساهمت طالبة رابعة بمشروع فيلم ثالث للشركة المذكورة. كما قامت خامسة بتنفيذ اعلان تلفزيوني، ورشح بعض الطلاب كمساعدي اخراج في اعمال تلفزيونية وسينمائية. فعبير اسبر تعمل اليوم مساعدة للمخرج المصري يسري نصرالله في فيلمه الاخير "باب الشمس"، كما يحضر باسم عيسى مشروعاً ثانياً سيبدأ قريباً بالتعاون مع عبير اسبر التي تحضر في الوقت نفسه مشروعها الخاص، كما أنهت لبنى حداد فيلمها الثاني بعد ان لفت فيلمها الأول "توتة توتة" الانتباه، تلك المشاريع الخاصة ستنجز حتماً بتمويل شخصي ومن اصحابها أو بوجود مساعدات لا تتعدى كلفة التقنيات فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.