مرة جديدة ألغيت قمة الاتحاد المغاربي في اللحظات الاخيرة على رغم الجهود التي بذلت محلياً واقليمياً ودولياً لعقدها، اذ طغت مشكلة الصحراء الغربية، بكل ما تحمله من خلافات جزائرية - مغربية، على اجواء التحضير للقمة، ولم تنجح المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها دول المغرب العربي، اضافة الى مشكلات الأمن والتنمية، في دفع الجزائر والمغرب الى تجاوز الخلاف ووضع مصير الاتحاد المغاربي على بساط النقاش. وكانت مؤشرات فشل عقد القمة كبيرة منذ ايام، عندما قام الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بزيارة رسمية الى فرنسا تزامنت مع زيارة مماثلة للملك المغربي محمد السادس، وقبل ايام قليلة من الموعد المقرر للقمة، بدعوة من الرئيس جاك شيراك، لكن هذه الزيارة لم تتمكن من تذليل العقبة الرئيسة التي تحول دون تفعيل اعمال هذا الاتحاد، وفشل الرئيس الفرنسي في عقد اجتماع مشترك بين بوتفليقة ومحمد السادس، اذ ان مشكلة الصحراء الغربية التي تطغى على مجمل حركة الاتحاد المغاربي اعقد من ان يجرى حلها في ايام قليلة بعدما فشلت الجهود العربية والدولية والاقليمية على مدى اكثر من 25 عاماً في حلها. وبدأت المشكلة عام 1975 ولم تنته فصولاً بعد على رغم ما تشهده من عمليات مد وجزر وفقاً للمصالح المحلية والاقليمية. فالمغرب، ملكاً وحكومة ومعارضة، يعتبر هذه الصحراء وشعبها جزءاً لا يتجزأ من ارضه وشعبه وان كان لشعبها بعض الخصوصية، كما يطالب المغرب بأن تجرى مفاوضات مغربية - جزائرية مباشرة في هذا الشأن، فيما يرفض الجزائريون التفاوض مع المغرب ويعتبرون ان هذا الملف بات في يد الاممالمتحدة، ويطالب الصحراويون مدعومين من الجزائر باستقلالهم التام عن المغرب. وكانت المشكلة الصحراوية العنصر الحاسم في فشل الاتحاد المغاربي منذ انطلاقته عام 1989 وفي عدم القدرة على تفعيل اعماله على رغم المحاولات الكثيرة لذلك. ومن معالم هذا الفشل انه من بين مجموع القمم الست للاتحاد منذ عام 1989 لم يحضر زعماء الاتحاد سوى قمتين، الأولى في تونس والاخيرة في مراكش، وفي عام 1995 فشلت دول الاتحاد في التوصل الى اتفاق مسبق، ما ادى الى الغاء القمة المقررة في ذلك العام، ومنذ ذلك الحين لم تنجح كل المحاولات لعقد قمة جديدة. وعلى رغم رحيل الملك المغربي محمد الخامس وتولي نجله محمد السادس العرش وتعاقب الرؤساء على الجزائر وما طرأ من تغيرات على النظام السياسي، بقي الموقف على ما هو عليه في البلدين، وهو الامر الذي يضع العراقيل امام تفعيل الاتحاد المغاربي. وأعلن الرئيس بوتفليقة بعد عودته من باريس الى الجزائر، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد المغاربي، ان بلاده ماضية في التحضير لعقد القمة "بمن حضر". وكان هذا الاعلان على ما يبدو مجرد ضغط اخير مارسه الرئيس الجزائري على المغرب، لكن هدفه الرئيس كان نقل رئاسة الاتحاد المغاربي "النائم" من بلاده الى اي بلد آخر، اذ ماذا يرجى من قمة لخمس دول اعلن ثلاثة من زعمائها المغرب وموريتانيا وليبيا انهم لن يحضروها. وبالفعل نجح بوتفليقة في نقل عبء رئاسة الاتحاد الى ليبيا بعدما اعلن "تأجيل القمة الى أجل يحدد لاحقاً". وما يجري في منطقة المغرب العربي يبدو وكأنه يسير بعكس التيار الدولي والاقليمي في العالم. فالتطورات الكبيرة التي شهدها المسرح الدولي في العقد ونيف الاخيرين ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، دفعت في اتجاه انشاء تكتلات اقليمية ذات طابع قومي احياناً او اقتصادي احياناً اخرى، وجاءت احداث 11 ايلول سبتمبر عام 2001 وما تبعها من حرب لا هوادة فيها تشنها الولاياتالمتحدة على "الارهاب" لتعزز انشاء هذه التكتلات وتدعم فكرة التكتلات الموجودة، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة تلعب في صورة منفردة على المسرح الدولي وتنشر قواتها في اطراف المعمورة غير آبهة بمصالح اي من الدول. وفي هذه الاجواء يبدو ان انفراط عقد قمة الاتحاد المغاربي وتفعيل حركته عملية تسير ايضاً عكس مصالح شعوب الدول في هذا الاتحاد، كما انها تشكل ضربة للشريك الطبيعي لهذا الاتحاد في شمال المتوسط، اي للاتحاد الأوروبي نفسه الذي يدفع ثمن التخلف والبطالة وسوء الاوضاع الاقتصادية لدى جيرانه في الجنوب من خلال تسلل "الارهاب" الى اراضيه، اضافة الى تدفق الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين حاملين معهم كل مساوئ البطالة والفقر، من هنا جاءت كلمة رئيس المفوضية الاوروبية رومانو برودي امام قمة خمسة زائد خمسة للحوار الأورو- مغاربي في تونس مطلع الشهر الجاري لتدعو الشركاء في جنوب المتوسط الى العمل بفاعلية اكبر لرفع قدرات اتحادهم من اجل المضي قدماً نحو الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. كما جاءت المحاولات المكثفة التي قامت بها فرنسا لضمان بقاء الاتحاد وتفعيله، خصوصاً بعد تجاوز الولاياتالمتحدة لموقع فرنسا وحليفتها المانيا في الكثير من المواضيع وآخرها الحرب على العراق. وانطلقت المحاولات الفرنسية في الدعوة الصريحة التي وجهها شيراك خلال افتتاحه قمة خمسة زائد خمسة لتعزيز الاتحاد المغاربي. وكان لافتاً العناق الحار بينه وبين بوتفليقة عند انتهاء القمة، لكن كل تلك المحاولات لم تنجح على ما يبدو في اذابة الجليد بين الجزائروباريس، اذ اعلن بوتفليقة اخيراً ان الخلاف في وجهات النظر بينه وبين شيراك لن يؤثر في سير الاعمال التحضيرية للقمة. وفاة القمة لا تعني بأي حال من الاحوال وفاة للاتحاد المغاربي، لأن وجود هذا الاتحاد لا يرتبط بمصالح شعوب الدول الاعضاء فيه فقط، بل ايضاً بمصالح شركائه في الاتحاد الأوروبي ولا سيما في دول شمال غربي المتوسط. والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يتمكن اطراف الخلاف من تجاوز خلافاتهم من اجل مواجهة التحديات المشتركة؟ وهنا يقول المراقبون ان الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي كولن باول عشية زيارة الدولة التي قام بها شيراك لتونس قبل البدء بأعمال قمة خمسة زائد خمسة لم تكن مجرد مصادفة بحسب ما اعلن باول، خصوصاً ان الزيارة تضمنت جولة الى كل من الجزائر والمغرب استمرت كل منها ساعات، واذا كانت المصلحة تقتضي تفعيل الاتحاد المغاربي، فما هي المصلحة الاميركية؟ للاجابة لا بد من معرفة ان فرنسا لا تزال تشكل الشريك الاقتصادي الاكبر لكل من تونس والمغرب والجزائر على رغم كل التغيرات السياسية التي شهدتها هذه الدول والعلاقات الوطيدة لزعمائها مع الادارة الاميركية، كما ان فرنسا وحلفاءها الاوروبيين هم اول من يدفع ضريبة التخلف في دول جنوب المتوسط، اذ ان الهجرة غير الشرعية وتنامي ظاهرة الارهاب والجريمة المنظمة بكل اشكالها اضافة الى تهريب الاسلحة والمخدرات وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تتغذى بسوء الاوضاع الاقتصادية وعدم التنمية، كل تلك الظواهر تتحرك بسرعة النار في الهشيم عبر المتوسط من الجنوب الى الشمال. لذلك من البديهي التساؤل: هل تكمن مصلحة الولاياتالمتحدة في وفاة الاتحاد المغاربي؟ الجواب هو طبعاً لا، لأن واشنطن ايضاً حريصة على وجود تكتلات اقليمية داعمة لها وتشكل سوقاً لمنتجاتها. لذا، فإن الحال القائم للاتحاد، وهو حال الموت السريري، في ظل النفوذ الفرنسي - الأوروبي فيه يشكل الوضع الافضل للمصلحة الاميركية في انتظار التحول الذي تأمله الادارة الاميركية في علاقاتها الاقتصادية بدول هذا الاتحاد. ومع انتقال رئاسة الاتحاد المغاربي الآن الى ليبيا في ظل سياسة فك الاشتباك التي تقدم عليها القيادة الليبية مع كل من واشنطن ولندن، توحي بتغير في علاقات الاتحاد مع الولاياتالمتحدة، خصوصاً ان القطبة المخفية التي كانت جاهزة للنمو والتطور لو سارت الامور بصورة ايجابية باتجاه عقد قمة الاتحاد المغاربي هي الخلاف الليبي - الموريتاني الناجم عن اتهام الرئيس الموريتاني ولد الطايع الزعيم معمر القذافي بدعم القوى المعارضة له في محاولتها الاطاحة به، لا سيما في ما سماه ولد الطايع المحاولة الانقلابية التي اتهم زعيم المعارضة ولد هيدالة بالاعداد لها والتي انتهت باعتقال الاخير بعد فشله في الانتخابات التي جدد فيها ولد الطايع رئاسته للبلاد. اذاً، اطاحت مشكلة الصحراء الغربية قمة الاتحاد المغاربي ومعها كل النقاشات والحوارات التي جرت مطلع الشهر الجاري في اطار الحوار الاورو - مغاربي، ونقلت قضايا التنمية والارهاب والهجرة غير الشرعية في هذه المنطقة من العالم الى ثلاجة الصراع الاميركي - الفرنسي بوهج ازمة شعب الصحراء الغربية الذي ينتظر ايضاً توافقاً دولياً لتقرير مصيره.