لا بد لزائر ايران، ولو لفترة قصيرة من ان يلاحظ كثرة الاماكن التي تشكل مساحات للقاء بين الجنسين من الشباب الايراني الذي يتنازعه في تلك الأماكن شعوران، الجرأة من جهة، ومن ناحية ثانية الخوف من الوقوع في شراك الشرطة الاخلاقية، وما يستتبعه ذلك من توقيف في احد مراكزها وما يليه من استدعاء للأهل كشرط لاطلاق السراح، ما يعني افتضاح الأمر والدخول في مشكلات، خصوصاً لدى الفتيات اللواتي يرين في افتضاح السر مقدمة لمشكلات عائلية قد تكون أخف نتائجها الفرار من البيت العائلي والتشرد، على خلفية ان العائلة لا تتحمل الفضيحة الاخلاقية وتسعى للتخلص من العار الذي تسببت به الابنة، في مجتمع ما زالت تشكل فيه الأبعاد الدينية والاخلاقية ميزان العلاقات الاجتماعية. ولعل الفيلم الذي اعدته مراسلة تلفزيون "CNN" في طهران سابقاً، وذات الجذور الايرانية، كريستين امانبور، عن حفلة خاصة اقامتها في منزلها وما جرى فيها من افعال مخلة بالاخلاق حدثت بين شباب من الجنسين دعتهم الى حضور الحفل، والنية السيئة والمبيتة عندها في التصوير والذهاب الى اقصى ما يمكن، كان هدفه التسبب باحراج كبير للثورة والدولة الاسلامية، ووضع الكثير من الشعارات التي ترفعها تحت السؤال والمساءلة. وعلى رغم تحول موضوع فيلم "امانبور" الى سجال سياسي بين التيارين الاصلاحي والمحافظ، غير ان المجتمع الايراني يعيش في قسم منه حالة انفصام بين الظاهر الذي عليه مراعاته بحكم القانون والمقررات المتبعة من الدولة، والخاص الذي يسعى الى استغلاله الى اقصى حد ممكن وبأي شكل استطاعه. في السابق كانت الحفلات الخاصة التي تقام في المنازل والبيوت بدعوة من احدهم وتضم افراداً محددين سلفاً، مصدراً دائماً للخوف من مداهمة الشرطة، بسبب التشدد ورصد مصادر الموسيقى المنبعثة من المنازل بصوت مرتفع، وهي مداهمات لم تكن تستثني الايراني من غير الايراني. وكم كان شائعاً أن يشاهد سكان الحي الذي جرت المداهمة فيه، الشباب عائدين لاسترجاع سياراتهم من الحي وهم حليقو الرؤوس ويحملون احذيتهم بايديهم لتورم اقدامهم من "الفلقة" التي كانت نصيبهم في فترة الاعتقال، الى جانب جلدات عدة هي حكم المشارك في افعال منافية للحشمة والاخلاق. أما بالنسبة للمحتفلين هذه الأيام، فالامور تسير على نحو فيه الكثير من الانفراج انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على خصوصية الآخرين طالما لا تتعارض مع الاطار العام، وطالما انها تمارس داخل المنزل، ولكن وعلى رغم ذلك فهم المحتفلون اصبحوا أكثر حذراً وتنبهاً للمخاطر التي قد تواجههم، فعمدوا الى تقليص اطار دعواتهم الى الحفلات الخاصة الى اقل حد ممكن، الى درجة انها قد تقتصر على عدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة، يستغل فيها الشاب أو الشابة غياب الاهل في رحلة خارج المدينة لدعوة من يريده والاستفادة من الفرصة المتاحة. غير ان مثل هذه الحفلات لا تكون بعيدة من استغلال بعض الانتهازيين والصائدين في الماء العكر، خصوصاً الاشخاص الذين اتخذوا من التصوير مهنة لهم والذين يستفيدون من رغبة المحتفلين بتسجيل وقائع اللقاءات والحفلات للذكرى، فيعمدون الى نسخها ومن ثم بيعها في السوق السوداء. ولعل الحادث الذي جرى منذ مدة في مدينة "شيراز" الجنوب وتناقلته الصحف الايرانية على صفحاتها واستدعى تدخلاً ارشادياً من شرطة المدينة واصدارها لائحة من التوجيهات لمن يريد ان يقيم حفلة خاصة، خير دليل على الاستغلال الذي يقوم به اصحاب "استديوات" التصوير. وقد فوجئ المجتمع الشيرازي بانتحار عدد من الفتيات خلال ايام قليلة، وتبين بعد التحقيقات انهن شاهدن فيلماً مصوراً لإحدى الحفلات التي شاركن فيها وتخللتها افعال "غير طبيعية"، ما سبب لهن فضيحة اجتماعية وضعتهم مباشرة امام خيار الانتحار "لغسل الفضيحة أو العار" الذي لحق بعائلاتهن. هذا الوضع هو الذي دفع الشرطة الى اصدار لائحة توجيهات للعوائل والاشخاص الذين يريدون الاستفادة من خدمة تصوير الفيديو ان يعمدوا الى استخدام اشخاص موثوقين ومعروفين اخلاقياً واجتماعياً لئلا يتعرضوا الى الاستغلال لاحقاً. وحملت اللائحة بعض التوجيهات للفتيات ودعتهن الى التزام الحشمة في الحفلات التي لا تكون عائلية. وبعيداً من هذه الحفلات الخاصة، اين يلتقي الشباب والشابات الذين لم يسعفهم الحظ ولم يتلقوا دعوة الى حضور حفلة خاصة؟ تشكل قاعات وصالات الفنادق الكبيرة في طهران المكان الافضل للمواعيد بين الجنسين، والجلسة حول فنجان قهوة أو شاي أو كيك تحت اعين وأنظار القيمين على ضبط الامور الاخلاقية في الفنادق عامل امان من الملاحقة والمساءلة. واذا كانت الفنادق مكاناً للقاء الميسورين من الطرفين، فان المطاعم والمقاهي تشكل المكان الأكثر شيوعاً بين الشباب الذين لا يسمح لهم وضعهم المادي بالذهاب الى اماكن اكثر ترفاً، فتراهم موزعين الى طاولات المطاعم الاكثر بعداً عن اعين المارة وعابري السبيل، في حين توفر المقاهي العامة في ايام العطل الاجواء الاكثر انفتاحاً للقاء العلني والاختلاط مع مراعاة الحذر. وفي الشتاء، وخصوصاً في هذه الايام التي يتساقط فيها الثلج بغزارة، فان بعض المناطق التي تعتبر اماكن للتنزه والرحلة هي المكان الافضل للقاء، خصوصاً للذين يجيدون رياضة التزلج، اذ ان الملابس الخاصة بهذه الرياضة توحد بين الشاب والفتاة ما يجعل التمييز بين المتلاصقين أو المتعانقين أمراً غير يسير فضلاً عن انها تمنح الفتيات فرصة الهرب من اشياء تثقل عليهن. في حين ان الجبال في ايام الربيع والصيف تتحول الى اماكن لقاءات الحب بعيداً من الاعين خصوصاً اذا اختار الثنائي مكاناً غير مألوف واغتنام الفرصة لقبلة في الهواء الطلق.