اسقطت حكومة ارييل شارون بطريقة فجّة امس ورقة توت كانت حكومة توني بلير البريطانية تحاول ان تستر بها انسياقها النعجي وراء قرار ادارة جورج بوش الاميركية شن حرب على العراق. وتمثلت ورقة التوت الشفافة تلك باجتماع الشهر الماضي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة كان موضوعه الاصلاحات الفلسطينية، كما لو كان شارون وبوش وبلير اكثر غيرة على مصالح الشعب الفلسطيني من الفلسطينيين انفسهم! ثم عقدت ثلاث لجان لجنة تنسيق المساعدات، ولجنة الاصلاحات واللجنة الرباعية الدولية ابتداء من الثلثاء الماضي اجتماعات في لندن في محاولة بريطانية - اميركية مكشوفة لايهام العرب والمسلمين بأن تدمير العراق واستباحة ثرواته وجعله مرتهناً للمشيئة الاميركية بعد الحرب الوشيكة يمكن ان يعود بالنفع على الفلسطينيين وقضيتهم اذا رضخوا للمطالب الاميركية والاسرائيلية! سقطت ورقة التوت امس عندما كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية ان اسرائيل ستطلب من الادارة الاميركية ادخال اكثر من مئة تغيير في نص مسودة "خريطة الطريق" التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية على نحو يجعل خطة السلام تلك خطة اسرائيلية هدفها ارغام الفلسطينيين على الاستسلام! كانت استراتيجية شارون دائماً ان لا يقول "لا" ل"خريطة الطريق" القائمة على اساس "رؤية" بوش وانما "نعم ولكن" متبوعة بشروط تجعل تلك خريطة تفضي الى تدمير ما تبقى من حقوق الفلسطينيين. وقد وافقت واشنطن على طلب شارون عدم نشر نص نهائي ل "الخريطة" الى ان يجري انتخابات ويشكل حكومة جديدة تقدم اعتراضاتها على مسودة "الخريطة". والآن بات من المرجح ان يصبح المضمون النهائي ل"الخريطة" اسرائيلياً لان ادارة بوش لم ترد الى الآن اي طلب لحليفها شارون. وبالطبع سيرفض الفلسطينيون خريطة الطريق الشارونية وستستمر الحرب المستعرة الآن ضدهم. ان الحرب الاميركية - الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني تزداد ضراوة ووحشية يوماً بعد يوم خصوصا مع اقتراب ساعة الصفر للحرب الاميركية على العراق. وتعقيباً على ارتكاب قوات الاحتلال الاسرائيلي المجزرة الاخيرة في غزة ليل الثلثاء - الاربعاء وقتلها فلسطينيين آخرين في منطقة نابلس لم يصدر عن واشنطن اي تنديد بالارهاب الوحشي الاسرائيلي وانما نطقت وزارة الخارجية الاميركية الكفر ذاته باعلانها أن لاسرائيل "الحق باتخاذ اجراءات مشروعة لمكافحة الارهاب"، كما لو ان جيوشاً فلسطينية توغلت في الاراضي الاسرائيلية وليس القوات الاسرائيلية هي التي اقتحمت مدينة غزة وتوغلت في الحي القديم في نابلس وقتلت ودمرت في المدينتين وقربهما باسلحة اميركية. ان "التعديلات" الاسرائيلية ل"خريطة الطريق" تقترح ازالة اي ذكر لمبادرة السلام العربية و شطب حق العودة للاجئين شطباً كاملاً وتنفيذ الفلسطينيين كل ما هو مطلوب منهم قبل ان تشرع اسرائيل في تنفيذ اي من التزاماتها، وبذلك ينسف مبدأ تزامن تنفيذ الطرفين للاجراءات المطلوبة منهما، وهو المبدأ الذي لا يمكن بدونه نجاح اي خطة سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.