بعدما أعربت الحكومة التركية عن عدم رضاها التام عن العرض الأميركي الجديد الذي نقله سفير الولاياتالمتحدة في أنقرة ريتشارد بيرسون الى الخارجية التركية الأربعاء، هددت واشنطنتركيا بالتخلي عن فتح جبهة شمالية في الحرب المحتملة على العراق والاستغناء تماماً عن الدور التركي، وخوض الحرب من الجبهة الجنوبية للعراق في ما عرف باسم "الخطة ب". وحدد وزير الخارجية الاميركي كولن باول مهلة لتركيا للموافقة على العرض الجديد أو رفضه، مؤكداً ان واشنطن لن تدخل في مفاوضات ومساومات جديدة مع تركيا في شأن الموضوع ذاته، وذلك خلال اتصال هاتفي اجراه مع رئيس الوزراء التركي عبدالله غل، وحدد فيه المهلة بنهاية هذا الاسبوع. لكن تهديدات واشنطن لم تفلح في زعزعة الموقف التركي، المصر على ضمانات وتعهدات خطية في شأن مستقبل العراق، وحق المشاركة في التدخل في تحديد مستقبل هذا البلد، والذي تريد واشنطن التفرد به، وذلك من اجل الحؤول دون قيام دولة كردية في شمال العراق. وقال رجب طيب أردوغان زعيم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، في لقاء مع قناة "ان تي في" التلفزيونية ان الخلاف مع واشنطن لا يتمحور حول التعويضات المالية الأميركية لبلاده فحسب، بل حول قضايا سياسية وعسكرية، بينها طلب أنقرة تعهدات خطية من الأكراد العراقيين ومن الاميركيين بضمان وحدة أراضي العراق، وعدم قيام دولة كردية، وكذلك ضمان حقوق التركمان والمساواة بينهم وبين الأكراد في الحقوق الدستورية، ونيل حق التدخل عسكرياً في حال اندلاع نزاع مسلح بين الأكراد والتركمان مستقبلاً. وشدد أردوغان على ضرورة الحصول على أقوى التأكيدات بأن الكونغرس سيصادق على الدعم المالي الأميركي الذي سيمنح لتركيا، لافتاً الى ان هذا الدعم ليس صفقة، ولا يأتي في اطار دفع ثمن مشاركة تركيا في العمل العسكري ضد العراق، بل استحقاق يجب ان تلبية واشنطن لتعويض تركيا عن خسائرها التي ستنجم عن حرب تفرضها اميركا على المنطقة. وأبدى انزعاجاً من تسريب المصادر الاميركية معلومات الى الصحافة تشير الى ان محور الخلاف بين أنقرةوواشنطن هو مقدار الدعم المالي، وكأن الأمر مساومة مالية على مصير دولة جارة. كما اعتبر التهديدات الأميركية المبطنة بوقف دعم صندوق النقد الدولي لتركيا في حال لم تستجب مطالب الولاياتالمتحدة، أمراً غير اخلاقي، مؤكداً ان تركيا تدفع ديونها بانتظام، ومشيراً الى ان حكومته رفضت عرضاً ماليا أميركياً سخياً، مشروطاً باخضاعه لرقابة الصندوق. ومعروف ان تأجيل الصندوق المستمر لصرف الجزء الموعود من القرض الدولي لأنقرة، ما زال يؤخر اعداد البرلمان التركي موازنة العام الجديد. الى ذلك، أشار اردوغان الى ضرورة انتظار التقرير الجديد للمفتشين، قبل اتخاذ اي قرار بالسماح لجنود اميركيين بالانتشار في الأراضي التركية، الأمر الذي ازعج الجانب الاميركي، وهو ما اكده السفير بيرسون الذي رأى ان على الأتراك الاكتفاء بوعود الرئيس جورج بوش من دون حاجة الى التعهدات الخطية. وقالت مصادر أميركية ل"الحياة" ان المطالب التركية، خصوصاً السياسية، المتعلقة بشمال العراق، تبدو غير واقعية ولا يمكن تحقيقها، وأن تركيا تطلب ما هو أكبر من حجمها سياسياً. وزير الخارجية التركي يشار ياكيش اعلن ان لا علم لديه بالمهلة التي حددتها واشنطنلأنقرة، للرد على العرض الاميركي الجديد، لافتاً الى ان البرلمان لن يبحث قبل الثلثاء في اصدار قرار يسمح بدخول قوات اميركية الى الأراضي التركية، وان هذا الموضوع سيبقى مؤجلاً الى حين قبول ادارة بوش كل المطالب والشروط التركية. وعقد الرئيس أحمد نجدت سيزر اجتماعاً مع رئيس الوزراء وقائد الأركان لدرس التهديدات الاميركية. وقالت ل"الحياة" مصادر في "حزب العدالة والتنمية" انها تدرك ان المخطط الأميركي سيبدأ في العراق ولن ينتهي عنده، بل هو لإعادة رسم المنطقة، وان هذه التغييرات ستؤثر على تركيا ايضاً. وزاد ان على واشنطن ان تفسح في المجال لأنقرة لمشاركتها خططها طالما انها تعتبر تركيا حليفها الاستراتيجي، مؤكدة ان تركيا ترفض ان تكون "مطية" لأهداف الولاياتالمتحدة، ومن ثم تهميشها في الخطط السياسية الاميركية لتنتظر هي ايضاً دورها بين دول المنطقة، لتعيد ادارة بوش رسم خريطتها على مزاجها ووفق مصالحها.