يسعى الصقور الاميركيون المصممون على ضرب العراق بجهد الى إيجاد ذريعة لإشعال الحرب، و يأملون بمساندة قوية من حلفائهم الإسرائيليين كي يجدوا الحجة أو يصنعوها في الوقت المناسب، أي خلال الأسبوعين أو الثلاث المقبلة لتبرير هجوم ضخم في أوائل شهر آذار مارس حيث يساعد القمر البدر قصف الأهداف العراقية ليلاً. هذه هي الرسالة الواردة من بعض المصادر في واشنطن وتل أبيب والتي تشير الى غضب الصقور وإحباطهم الرهيب أمام إعاقة خططهم الحربية بسبب خبراء الأممالمتحدة، ومجلس الأمن وخصوصاً الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي ينظر اليه الصقور على انه النذل الأساسي. كيف يمكن إيجاد ذريعة للحرب؟ يؤكد بعض المصادر أن واشنطن تهيئ منشقاً عراقياً ل "يفشي" أسراراً عن الأسلحة المحظورة ويعطي مبرراً للهجوم. وتفيد مصادر أخرى بأن عملاء المخابرات الأميركية والإسرائيلية يحاولون جاهدين اختراق فرق تفتيش هانس بليكس المتنامية بأمل "زرع" الأدلة لمواد محظورة لاتهام العراق. ولا يستبعد بعض أجهزة المخابرات الأوروبية احتمال وقوع عملية إرهابية مرسومة في مكان ما من العالم وتكون "مربوطة" بالعراق. وقد أفادت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية يوم 19 شباط فبراير أن واشنطن ولندن تفكران بالقيام بغارة "مدبرة" على ثلاثة "سفن سرية" في المحيط الهندي يشتبه بأنها تنقل أسلحة دمار شامل عراقية لتقديمها كدليل على أن صدام حسين ارتكب "خرقاً مادياً" لقرارات الأممالمتحدة. تدل كل هذه الإشاعات والتقارير الى ان الإمبرياليين الجدد والصهاينة المتطرفين الذين هيمنوا على السياسة الخارجية الأميركية، مصممون على شن الحرب على العراق، مهما كان الثمن. ولا تمثل قضية الأسلحة العراقية المزعومة بالنسبة الى هؤلاء سوى موضوع استعراضي. اذ قادتهم سيطرتهم على السلطة الأمريكية إلى التفكير بجغرافية سياسية خيالية تعتبر أن القضاء على نظام صدام حسين هو الخطوة الأولى للقضاء على جميع أعدائهم العرب والمسلمين ومن أجل "إعادة رسم" كاملة للشرق الأوسط تناسب الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ويأسف هؤلاء المندفعون الى الحرب أسفاً شديداً على اقتناع الرئيس جورج بوش في العام الماضي، تحت تأثير كل من رئيس الحكومة البريطانية توني بلير ووزير الخارجية الأمريكي كولين باول، بضرورة السعي إلى الحصول على إذن من الأممالمتحدة للحرب. وكانت النتيجة القرار 1441 الذي أعاد المفتشين الدوليين إلى العراق. ويرى الصقور اليوم أن درب الأممالمتحدة المتعدد الجوانب والتفتيش المستمر عبارة عن فخ يحد من حرية الحركة الأميركية. وعلى رغم ذلك، فإنهم يقرّون بأن بلير حليف أميركا الأوروبي الحيوي يحتاج إلى قرار ثانٍ من أجل التغلب على التيار المعادي للحرب داخل حزب العمال ومن أجل إقناع الرأي العام البريطاني غير المقتنع بأن الحرب ضرورية. اذ ان مشاركة بلير تبقى أساسية في نظر حزب الحرب: وفي حال قرر أن الثمن السياسي باهظ، خصوصاً بالنسبة الى وضعه الشخصي، يمكن أن يضطر بوش إلى التمهل. أهداف الديبلوماسية الأمريكية أمام الديبلوماسية الأميركية برنامج حافل في الأسابيع المقبلة، فبالإضافة إلى البحث عن ذريعة للحرب، عليها أن تقوم بالمهمات المستعجلة الآتية : تأمين غالبية في مجلس الأمن للتصويت على القرار الجديد الذي تعده الولاياتالمتحدة وبريطانيا. ولن تكون هذه مهمة سهلة، اذ تواجه اليوم الولاياتالمتحدة وبريطانيا واسبانيا وبلغاريا كتلة قوية مؤلفة من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين وسورية، في حين أن الأعضاء الستة الآخرين في مجلس الأمن مترددون. وقد بدأت تمارس ضغوط أميركية قوية على هؤلاء "المتذبذبين" - أي المكسيكوباكستان وتشيلي وأنغولا وغينيا والكامرون - لجلبهم الى الطرف الأميركي. ومن المحتمل أن تؤدي الضغوط السياسية، والإغراءات المالية والأشكال الأخرى من لوي الأذرع إلى رضوخ كل من باكستان وأنغولا وتشيلي، لكن ينقص مع ذلك صوتان للولايات المتحدة للحصول على الغالبية. الأولوية الأخرى هي إبعاد إمكان أو احتمال فيتو فرنسي على القرار الثاني. ومن المعلوم أن الرئيس شيراك لن يتراجع بسهولة عن قناعته بأن الحرب يجب أن لا تكون إلا الخيار الأخير، وسيهدف التكتيك الأميركي إلى إضعاف الموقف الفرنسي من خلال إقناع روسيا بتبديل معسكرها. فإن قرار الرئيس فلاديمير بوتين الحديث بدعم فرنسا وألمانيا قد دفع بقوة موقف المعادين للحرب، وفي حال ارتداده، سيضعف موقف فرنسا وألمانيا ويسجل الصقور انتصاراً أساسياً. هناك إشاعات واسعة التداول بأن الولاياتالمتحدة تعرض على روسيا، في مفاوضات خاصة، "مشاركة في غنائم" الحملة العراقية من خلال نصيب في حقول النفط العراقية وضمانة بتسديد العراق لديونه إلى روسيا البالغة 8 بليون دولار. التكتيك الأميركي الثالث سيركز على دعوة هانس بليكس، رئيس فريق المفتشين، إلى المباشرة فوراً ببعض المهمات الأساسية مثل تدمير جميع صواريخ الصمود العراقية المزعوم أن مداها يتعدى ال 150 كم المسموح، وإجراء أحاديث أكثر مع العلماء العراقيين من دون شهود أو تسجيل، وتقديم تقارير حول مخزون الأنتراكس، والغاز vx وغيره من المواد الكيماوية، والمطالبة بمزيد من المراقبة الجوية للأراضي العراقية بطائرات "يو2" الأميركية أو ميراج 4 الفرنسية. إن أي تردد عراقي في تلبية أي من هذه الطلبات سيتسبب في اندلاع الحرب فوراً. ولكن من ناحية أخرى - وهذه معضلة صدام حسين الذي لا يحسد عليها - فإن وافق العراق على مثل هذه المراقبة الكاملة، سيضعف كل إمكانات الدفاع عن نفسه في حال قررت الولاياتالمتحدة أن تهاجمه بعد كل ذلك، وهذا احتمال وارد جداً. التمرد على الخطط الأميركية قبل أن تطلق رصاصة واحدة، فإن كلفة الحرب بالنسبة لتحالفات أميركا في المنطقة وبالنسبة الى الخزينة الأميركية تتصاعد. فقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في حديث مهم لل "بي.بي.سي." أن هجوماً أميركياً على العراق من دون قرار من مجلس الأمن سيشكل عملاً عدوانياً. ويعني بذلك، بعبارة أخرى، أنه لن يسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد الجوية السعودية لهجوم كهذا. أما تركيا، حليفة الولاياتالمتحدة الأخرى في المنطقة فإنها تضع شروطاً صعبة لمشاركتها في الحرب. وقال رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن تركيا لن تفتح قواعدها أمام آلاف الجنود الأميركيين إذا لم تدفع الولاياتالمتحدة تعويضات ضخمة، وذكر بعض المصادر مبلغ 40 بليون دولار. إن مساومة تركيا الصعبة تهدد الاستراتيجية الأميركية بالهجوم على صدام حسين من جبهتين. تدفع إسرائيل بشدة، وحدها في المنطقة، الولاياتالمتحدة إلى الهجوم، فالحرب تمثل الركن الأساسي في استراتيجية رئيس الحكومة شارون لتدمير الفلسطينيين ولتركيز هيمنة إسرائيل على المنطقة. وأصدقاء إسرائيل الأقوياء في واشنطن هم المندفعون الى الحرب. وتطالب إسرائيل بمساعدات أميركية إضافية مقدارها 12 بليون دولار لمواجهة أزمتها الاقتصادية الحالية. هناك وراء المبارزة الديبلوماسية الحالية مع الحرب أو ضدها، عدد من القضايا الأوسع. فالسؤال الطاغي في الشرق الأوسط هو هل ان الدول العربية قادرة على التوصل إلى شيء من الاستقلال الحقيقي أم أن عليها أن تستسلم لنمط استعماري جديد، وللأوامر الأميركية والإسرائيلية. وبالنسبة الى الفلسطينيين الذين يواجهون عملية إبادة وطنية على أيدي شارون، فإن المشكلة مصيرية ومستعجلة. القضية في أوروبا هي أيضاً قضية سلطة. من يسيطر على مستقبل الاتحاد الأوروبي؟ هل هي دول القلب الأوروبي أي فرنسا وألمانيا، أم أن الأمر سيكون بيد أميركا وحليفتها بريطانيا؟ لا شك أن الرئيس شيراك يسعى، من خلال محاولته احتواء العجلة نحو الحرب، إلى احتواء الهيمنة الأميركية لأنه يعتبرها غير مسؤولة وخطرة. ويعكس موقفه هذا موقف العديد من الأوروبيين المتخوفين من أن تنزلق الولاياتالمتحدة، بسبب نفوذ إسرائيل وبضعة متطرفين يمينيين، نحو طريق يزعزع منطقة الشرق الأوسط الهشة، ويثير مزيد من الإرهاب، ويدفع نحو "صراع الحضارات" المعلن. ويمكن أن تكون أميركا بنفسها متجهة نحو فيتنام جديد. وفيما العالم يحبس أنفاسه، لنطرح بعض الأسئلة الملحة: إلى متى يمكن أن يستمر التفتيش عن الأسلحة قبل أن تأتي المطالبة بإيقافه؟ هل يمكن أن "تشتري" الولاياتالمتحدةروسيا بوتين؟ هل يستطيع العملاء الأميركيون والإسرائيليون إخراج "مفاجأة" تعطي ذريعة للحرب؟ والأهم من كل ذلك، هل يتنازل صدام حسين عن كل ما يملكه، وهل يكفي ذلك لإنقاذ بلده؟ كل ما ازداد إحباط الصقور، كلما أصبحوا أكثر خطورة واستقتالاً. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.